مستقبل الديمقراطية في ظل "تحالف الأزمات"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
حالة أقرب إلى "الفوضى" التي يشهدها المجتمع الدولي في اللحظة الراهنة، جراء تراكم كبير من الأزمات المتزامنة، على رأسها التغيرات المناخية والأزمة الأوكرانية، وما يرتبط بهما من تداعيات كبيرة، تصل إلى حد تهديد السلم والأمن الدوليين، مما ساهم في ارتباك واضح فيما يتعلق بترتيب الأولويات، لدى القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي تجد نفسها محاصرة بين العديد من المآزق، أبرزها ابتعاد الحلفاء، وصعود الخصوم، ناهيك عن انقسام كبير وعميق في الداخل، يتجاوز في مداه وجود إدارة بعينها أو خروج أخرى، وهو ما يزيد الأمور تعقيدا، خاصة مع حالة العجز الكبير في التعامل مع الأزمات الراهنة، التي ترتبط مباشرة بالمواطن، وعلى رأسها تلك المرتبط بالاقتصاد، على غرار الغلاء والتضخم.
 
ربما تلك الحالة المرتبكة، قد دفعت واشنطن إلى ما يمكننا تسميته بـ"مراجعة" قضاياها القديمة، على غرار الثأر من القاعدة، بحثا عن انتصار، وهو ما تجلى في عملية اغتيال زعيم التنظيم الإرهابي أيمن الظواهري، أو في زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى الصين، ربما لإعادة الانتباه مجددا إلى مبادئ الديمقراطية التي كرست واشنطن سنواتها، على قمة العالم للتبشير بها، دون نجاح يذكر، إلا في مناطق نفوذها التقليدية، سواء دول المعسكر الغربي أو بعض الدول الآسيوية، مما دفعها إلى التعاطي مع الواقع لفترات، للاحتفاظ بالنفوذ في المناطق الأخرى، شريطة أن يدور حكامها "الديكتاتوريين" في الفلك الأمريكي، وهو ما تحقق فعليا إلى حد كبير، حتى انقلبت واشنطن على نفسها، في العديد من المراحل، ربما أخرها التخلي عن الحلفاء الديمقراطيين، في أوروبا ومناطق أخرى بالعالم.
 
ولكن بعيدا عن انقلاب واشنطن على الحلفاء، سواء الملتزمين بالديمقراطية أو غيرهم، تبقى المفارقة المثيرة للانتباه في "كفاح" أمريكا لنشر مبادئها، ليست في الأنظمة الحاكمة فقط، وإنما أيضا في مدى تقبل الشعوب لها، في ظل الارتباط الوثيق بالأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهو ما بدا على سبيل المثال في النموذج العراقي، حيث كان إسقاط النظام الحاكم، ليس السبيل الوحيد لبناء ما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بـ"واحة" الديمقراطية في الشرق الأوسط، ليكون الفشل هو مصير المشروع الأمريكي، بسبب أوضاع اقتصادية صعبة، وحالة انقسام سياسي كبيرة، واستقطاب إقليمي كبير، ساهم بجلاء في إجهاض الرؤية التي تبناها بوش وإدارته.
 
وحتى إذا ما نظرنا إلى دول أوروبا الغربية، ربما نجد أن التزامهم بالمعايير الأمريكية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان مرهونا بالدعم الاقتصادي والأمني، الذي طالما قدمته واشنطن لهم، منذ الخمسينات من القرن الماضي، مما ساهم في حالة من القبول على مستوى الأنظمة للرؤى الأمريكية، تزامنا مع قبول شعبي بفضل الرفاهية الاقتصادية التي عاشها المواطنون، إلا أن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، مع تقليص الدعم الأمريكي، وتراكم الأزمات المترتبة على سياسات الهجرة واللجوء، وتنامي الإرهاب، فصارت توجهات الشارع نحو التيارات اليمينية في أوروبا، بمثابة خروج على الديمقراطية.
 
الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة نفسها، في إطار انقسام غير مسبوق في الشارع الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، بسبب تراجع الاقتصاد، والعجز في التعامل السريع مع الأزمات غير المتوقعة، على غرار كورونا، ناهيك عن تداعيات الأزمة الأوكرانية، وما ترتب عليها من تضخم غير مسبوق، ربما أعاد قدرا كبيرا من الحنين إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، ذو التوجه الشعبوي، مع صعود كبير في أسهمه للعودة مجددا إلى البيت الأبيض، إذا ما قرر خوض السباق الرئاسي المقبل في مواجهة الرئيس جو بايدن، في 2024، في الوقت الذي لم يلتفت فيه الأمريكيون كثيرا إلى مقتل الظواهري بضربة أمريكية في قلب أفغانستان، أو تحدي بيلوسي لبكين، بزيارتها إلى تايوان، حيث كانت مثل هذه التحركات تثير إعجاب الشارع، على اعتبار أنها إشارات واضحة على "قوة أمريكا" وهيمنتها. 
 
وهنا ربما نجد أن ثمة علاقة كبيرة بين بقاء الديمقراطية، واستقرارها، حالة الاستقرار المجتمعي في دول العالم، وعلى رأسهم أمريكا نفسها، والتي تعد المبشر الأول بالديمقراطية، بل وتستلهم قيادتها للعالم من خلالها، وبالتالي فإن استمرار الأزمات الراهنة، وتفاقم تداعياتها في المرحلة المقبلة، لا يدفع سوى إلى المزيد من عدم الاستقرار، وبالتالي تقويض مبادئ الديمقراطية، في قلب العالم الديمقراطي نفسه.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

قطار ينهي حياة طفلة أثناء عبورها السكة الحديد في قرية بالبدرشين

أحمد عبد القادر نجم الأهلى يحتفل بزفافه وسط أسرته فى الدقهلية.. فيديو وصور

أمم أفريقيا 2025.. منتخب مصر يفوز على نيجيريا بعد غياب دام 9 سنوات

موعد مباراة منتخب مصر القادمة فى أمم أفريقيا بعد الفوز على نيجيريا

نتيجة مباراة منتخب مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس الأمم الأفريقية


أهداف مباراة مصر ونيجيريا الودية

أسطورة ليفربول يوجه رسالة نارية إلى كاراجر: محمد صلاح لم يخطئ

تعرف على جميع الفائزين فى جوائز ذا بيست 2025

وظائف فى محطة الضبعة بمرتبات تصل لـ40 ألف جنيه.. اعرف التفاصيل

الإسكان: إعفاء 70% من غرامات التأخير وفرصة ذهبية للسداد خلال ديسمبر


محامى عروس المنوفية: المتهم أقر فى التحقيقات بتعديه على زوجته حتى الموت

أحمد صلاح وسعيد يعودان للقاهرة بعد فسخ التعاقد مع طائرة السويحلى الليبى

إقبال كبير على الأتوبيس الترددى بعد عزل حارته بالطريق الدائرى.. صور

كبيرة موظفى البيت الأبيض: ترامب لديه شخصية مدمن كحول وماسك يتعاطى كيتامين

يورتشيتش: حزين على خسارة الدورى.. وهناك أندية لا تتوقف فى الإشارة الحمراء

الحكومة توضح حقيقة فيديو وجود عيوب هندسية بكوبرى 45 الدولى بالإسكندرية

فتح باب التقديم للإشراف على حج الجمعيات الأهلية حتى 31 ديسمبر.. مؤهل عالٍ والسن لا يزيد عن 60 عامًا.. حصول المشرف على حد أدنى 65 درجة من أصل 100 لاجتياز الاختبار والقبول.. ومشرف لكل 46 حاج

تعرف على مهن الفنانين قبل الشهرة والنجومية

تعرف على رسالة حمزة عبد الكريم إلى الأهلى بسبب عرض برشلونة

رئيس وزراء بيهار الهندية ينزع نقاب طبيبة مسلمة ويثير غضبا واسعا

لا يفوتك


2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش

2025 THE BEST.. عمرو ناصر يخسر جائزة بوشكاش الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 04:37 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى