فتوى اليوم.. حكم حرق قش الأرز وحطب القطن

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية
كتب لؤى على
يواصل "اليوم السابع" تقديم خدماته "فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء نصه: ما حكم قيام قطاع كبير من المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن؟ خاصة بعد أن ثبت أنّ هذا التصرف عامل كبير من عوامل تَكَوُّن السحابة السوداء التي هي من أكبر مظاهر التلوث البيئي والإضرار بالصحة، والبعض يبرر ذلك بأنه للقضاء على دورة حياة الحشرات الضارة بهذه الزراعات. فما هو الواجب حيال ذلك؟، وجاء رد الدار كالآتى: 
 
 
هذا التصرف حرامٌ شرعًا، وفاعله آثم؛ لأنه من المقرر في المقاصد الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، أي أنه لا يجوز للإنسان أن يضر نفسه ولا أن يسعى في إيصال الضرر لغيره؛ كما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، فليس للمزارع أن يتخلص من بقايا محاصيله بطريقة تَجُرُّ الضرر إلى الناس؛ حيث أثبتت الأبحاث العلمية الطبية أنّ الأطفال هم أكثر الفئات تأثُّرًا بِتلوُّث الهواء الذي تُسببه هذه الأفعال وغيرها؛ فيُصَابون بضيق التنفس، وأمراض الشُّعب الهوائيّة، وزيادة احتمال الإصابة بالرّبو، والتهابات العين، التي تسبّب عدم وضوح الرؤية، وخفْض مناعة الجسم، ومن أكبر مكوِّنات هذه السحابة غاز أول أكسيد الكربون الذي يسبب أضرارًا بخلايا المخ، ويؤثر في الدورة الدمويّة والجهاز العصبي، وعنصر الرصاص الذي يسبب أمراض الْكُلى، وزيادة التخلف العقْلي.
 
وإذا كانت هذه الحرائق سببًا في كل هذه الأضرار الصحية -كما أثبتته الأبحاث العلمية- فإن القيام بها والتسبب فيها يُعَدُّ إفسادًا في الأرض وبغيًا بغير الحق، وهذا من الكبائر التي نص الله تعالى على تحريمها بل وقرنها بالشرك به في قوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33]، ونعى على من يفعل ذلك وبيَّن أن هذا العمل غير محبوب عنده سبحانه فقال عز وجل: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 205-206]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وقد أمر الله تعالى بالتعمير والإصلاح لا بالتدمير والإفساد؛ فقال سبحانه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وعلَّمَنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف نسعى في عمارة الأرض ونجعل هذا في نفسه غرضًا شريفًا لنا حتى ولو لم نلمس نتائجه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما.
 
وإذا كان الشرع الشريف يأمر بالخير المجرد القاصر فإنه ينهى في المقابل عن الشر كله القاصر منه والمتعدي من باب أَولى، والإضرار بالناس على هذا النحو المدمِّر يُعَدُّ تعدِّيًا على حدود الله تعالى وانتهاكًا لحرمة البشر، وهذا أمرٌ محرَّمٌ غاية التحريم. ولا يشفع لِمن يفعل ذلك أنه يريد بهذا الحرق قتل الحشرات الضارة بهذه الزراعات؛ فإنه يمكن الاستعاضة عن هذه الطريقة بطرق أخرى آمنة يعرفها المختصون، ولا يجوز للإنسان أن يضر الناس تحت دعوى حماية زرع نفسه، فإن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وإذا تعارضت مفسدتان روعي ارتكاب أخفهما لدفع أعلاهما، هذا مع أن درء المفسدة الأخف ممكن أيضًا باللجوء إلى الوسائل الآمنة.
 
وحينئذ فهذه قضية خطيرة لا يجوز التهاون فيها ولا السكوت عليها، وعلى الدولة أن تسعى بكل ما لديها من إمكانات وقدرات للحد من خطورة هذا البلاء؛ بالمساهمة في توفير الأساليب اللازمة التي تساعد المزارعين على نقل قش الأرز وحطب القطن إلى حيث يُستفاد منه في الوقود والسماد مثلًا أو يُتَخَلَّصُ منه بطريقة آمنة، حتى لا تُحمِّل المزارعين ما لا يطيقون، وحتى لا تترك مجالًا لتبرير هذه الأفعال، وأن تعمل على تتبع من يفعلون ذلك واتخاذ ما يلزم حيالَهم لردعهم عن إيذاء الناس والإضرار بالخلق، على أن يكون ذلك على قدم المساواة والعدالة في التطبيق بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته.
 
كما أن على الناس أن يسعَوا سعيًا جادًّا لمكافحة هذا الخطر الداهم، وأن يأخذوا على أيدي أولئك العابثين بمقدَّرات الخلق من غير إدراك أو وعي منهم لعاقبة فعلهم ولا لوبال إفسادهم، ودور الجماهير في ذلك أهم وأكثر تأثيرًا؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وتهاون الناس في هذا الأمر مع قدرتهم على المنع أو التبليغ يجعلهم مشاركين لِمَن فعل ذلك في الإثم، وإن لم يفعلوا مثل ما فعل، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
 
وقد جعل الله تعالى هذه الأمة خير أمة أُخرِجَتْ للناس، وجعل خيريتها قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الواجب تُكلَّف به الجماعة كما يُكلَّف به الفرد، فعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تسعى في توعية الناس بخطر هذه التصرفات، وأن تساهم أيضًا -قدر جهدها- في مساعدة الفلاحين على التخلص من قش الأرز وغيره بطريقة آمنة، وعلى أئمة المساجد وخطبائها ومعلمي المدارس دور كبير في الوعظ والإرشاد والنصح لكافة فئات المجتمع وطبقاته، وعلى مَنْ عَلِمَ بشيء من ذلك أن يعمل على منعه بنصح صاحبه أو تبليغ الجهات المسؤولة عنه، وليعلم أن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعًا، لا كما يظن البعض خطأ أنه من باب الستر، فإن الستر إنما يكون على المعصية القاصرة التي لا يتعدى ضررها غير أصحابها، أما ترك من يؤذي الخلق ويفسد في الأرض مِن غير أخذٍ على يديه فهو تَسَتُّرٌ على الفساد وليس من الستر المشروع.
 
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ابنا فضل شاكر وعاصى الحلانى يحييان حفلًا غنائيًا فى لبنان

سيدة استولت على أموال الشباب بزعم العمالة بالخارج والجهات المختصة تباشر التحقيق

موعد مباراة الأهلى أمام فاركو اليوم الجمعة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

محمود سعد: أرقام تحاليل أنغام تتحسن لكن موصلتش لمرحلة الخروج من المستشفى

شواطئ مطروح والساحل الشمالى مقصد الباحثين عن المتعة داخل وخارج مصر.. إقبال على الشواطئ والقرى والمنتجعات السياحية.. أفواج مصايف الشركات والأندية والنقابات تزيد زخم المصيف.. وتزايد كبير لرحلات اليوم الواحد.. صور


رادار المرور يلتقط 1131 سيارة تسير بسرعات جنونية خلال 24 ساعة

داكر مونتجمرى يكشف سبب ابتعاده عن النجومية وهوليوود

مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة

منتخب السلة راحة اليوم ببطولة الأفروباسكت لكرة السلة

ورطة نتيناهو تنسف وهم "إسرائيل الكبرى".. فشل تمديد استدعاء قوات الاحتياط فى جيش الاحتلال.. ائتلاف نتنياهو يفشل فى تأمين الأغلبية للتصويت على تمديد الخدمة.. انتقادات للحكومة وضباط يرفضون الامتثال للخدمة العسكرية


بالرغم من وداع المونديال.. مواهب مُبشرة فى صفوف منتخب ناشئى اليد

زوجة تلاحق زوجها بدعوى حبس بسبب 200 ألف جنيه.. التفاصيل

رئيس شركة Skydance: فيلم Top Gun 3 لـ توم كروز أولوية الشركة

المصري يواصل ثلاثيات الدوري بالفوز على الطلائع ويحافظ على الصدارة (فيديو)

انتحار ضابط احتياط إسرائيلى بعد مشاركته فى معارك بقطاع غزة

رجل يلاحق زوجته بسبب تحايلها بمستندات مزورة للزج به فى السجن.. التفاصيل

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة

موعد مباراة الأهلى أمام فاركو فى الدوري المصري والقناة الناقلة

وزير خارجية بريطانيا يبلغ عن نفسه بعد رحلة صيد مع نائب ترامب بسبب "سنارة"

ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى