مكارم الأخلاق.. "التسامح" 3

دينا شرف الدين
دينا شرف الدين

"الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، وبمناسة تلك المقولة الشهيرة التي يتشدق بها الكثيرون شفهياً دون اختبار لقدراتهم علي تطبيقها بشكل فعلي، أتحدث بمقال اليوم عن فضيلة جديدة من مكارم الأخلاق والتى تعد من أهم القيم الأخلاقية وهى "التسامح". 

وما أحوجنا ومجتمعنا إليها فى ظل هذا المناخ المشحون بالصراعات بين الناس وبعضها على كافة المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم يترك الخلاف والشقاق. مجالاً من المجالات إلا وطرق أبوابه بعنف يتردد صدى صوته مرات ومرات ليقضّ مضاجعنا جميعاً حتى وإن كنا مستغرقين فى الأحلام الوردية!

فلم نعهد أنفسنا كمصريين من قبل بهذا القدر من التحفز والتربص ببعضنا البعض، إذ كان التسامح من أبرز وأهم شيمنا النبيلة التى يتحاكى بها الآخرون ويحسدوننا عليها!

فقد كانت هذه القيمة الأخلاقية بحق هى جوهر السلام والأمان الذى أحاط بنا منذ قديم الأزل، فالتسامح إن ساد بقومٍ تصالحوا مع أنفسهم ومع بعضهم البعض، واختفت إلى حدٍ كبير الأحقاد من الصدور و تلاشت مكائد الإنتقام وجرائم الثأر، وكثُرت المحبة وازداد الوئام بين أفراد المجتمع.

أى بين الجار وجاره، والعامل وصاحب العمل، والصديق وصديقه، وأصحاب الديانات المخالفة، والآراء و التوجهات السياسية المختلفة، والأذواق المتنوعة، وغيرها من أشكال التسامح والتصالح التى تُعد مفتاح الأمن والأمان والسلم والسلام.

لكننا وبين طرفة عينٍ وانتباهتها تحولنا إلى أعداء لبعضنا البعض، تحديداً بعد اندلاع الثورة على القهر و الفساد فى يناير 2011، والتى كانت بمثابة الضربة القاضية لأخلاقيات وقيم وأعراف المصريين، إذ أطاحت بها إلى مكانٍ بعيد لا نعلم متى نصل إليه لاستعادتها واسترجاعها من جديد!

فقد تحول كلٍ منا إلى عدو شرس لكل من يخالفه الرأى و إن كان أقرب الأقربين إليه ، كالأخ و أخيه والابن وأبيه، فما بالكم بمن لا تربطهم تلك الصلات الأسرية القوية؟

أطاح المختلف مع الآخر بكل ما تربى عليه من قيم مجتمعية وتعاليم دينية معتقداً أنها الحرية التى قد حُرم منها سنوات طويلة والتى جاءت الثورة لتمنحه إياها فيفعل بها آنذاك ما يحلو له !

فتجد مثلاً اثنين من المختلفين فى أى شىء يكيلون الاتهامات، ويتطاولون على بعضمها البعض بشكلٍ لا يليق و يتم تتويج المعركة التى تخلو تماماً من التفاهم و التسامح بقول أحدهما للآخر أن:

 )الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية(!!

عن أى وُد تتحدثون وعن أى قضية؟

فقد حث المولى عز و جل على التسامح بين البشر، فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم:

 بسم الله الرحمن الرحيم "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" سورة يونس 99.

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" سورة الممتحنة 8

 {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134)  سورة آل عمران

كما كان التسامح من أهم القيم الأخلاقية التى تحلى بها المصريون منذ قديم الأزل.  

 فقد أوضحت الدراسة الصادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار أن الفراعنة وحكامهم عرفوا احترام الآخر، وحرصوا على الحفاظ على وحدة وطنهم وانسجام أفراده فى نسيج واحد ، وأن مصر ظلت وطن التسامح و الوحدة عبر تاريخها الطويل، حيث كان قدماء المصريين يعتقدون أن المجتمع المثالى على الأرض صورة مطابقة للنظام السماوى الأعلى.

و كذلك جاءت الأديان السماوية لتؤكد و تبلور فضيلة التسامح 

فعندما جاء النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وجد بها يهودًا ومشركين مستقرين، فلم يتجه فكره إلى رسم سياسة للإبعاد أو المصادرة والخصام، بل قَبِل وجود اليهودية والوثنية، وعرض على الفريقين أن يعاهدهم معاهدة الند للند، على أن لهم دينهم وله دينه.

كما أن الكتب السماوية جميعاً تدعوا للتسامح والإخاء بين البشر ، 

فنجد فى العهد القديم (التوراة ) ...

لا تنتقم مما فعله الآخرين بك، ولا تذكِّر ابن شعبك بذلك، وأحب لغيرك كما تحب لنفسك(.

-وفى العهد الجديد (الإنجيل)

 ) لا تدينوا لكى لا تُدانوا ، لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تُدانون وبالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم (.

"طوبى للرّحماء لأنّهم يرحمون. "

متى 5: 7

"لأنّى أكون صفوحا عن آثامهم، ولا أذكر خطاياهم وتعدّياتهم فى ما بعد». – العبرانيين 8: 12،

نهاية : 

 
فالتسامح هو السلاح الأقوى للقضاء على الإرهاب الذى اجتاح منطقتنا و دولنا الإسلامية حيث استنزفها و دمرها و دفع بها إلى قاع الهاوية ، فالفتن الطائفية و معاداة الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى و تكفير الجميع على حدٍ سواء هو حجة الإرهاب و اختفاء التسامح والتصالح مع الجميع الذى أمرنا به ديننا و أكد عليه هو السيف القاتل الذى يتسلح به هؤلاء القتلة المخربين .
 
و مسك الختام لمقال اليوم عن فضيلة التسامح كلمات النبى صلوات الله و سلامه عليه التى وردت فى هذا الشأن
 
- عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: 
كأنى انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول:
 (اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون) متفق عليه.
 
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ما زاد الله عبد بعفو إلا عزاً  .
 
و إلي لقاء آخر مع فضيلة جديدة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق .
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

القانون ينظم ضوابط فحص الطلبات بعد غلق باب الترشح بانتخابات الشيوخ

اتحاد الكرة يستقر على إقامة السوبر المصري بمشاركة 4 فرق

بالأرقام.. مودريتش يودع ريال مدريد بعد مسيرة أسطورية

باراك: واشنطن لا تدعم إنشاء دولة لـ"قسد" فى سوريا

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك


انفجارات عنيفة تدوي في مدينة جبلة السورية

طلاب الهندسة الحيوية بالإسكندرية ينجحون فى تصميم ذراع روبوت بـ6 درجات حرية.. "6-DOF" يُستخدم كمساعد لأطباء الجراحة فى المستشفيات.. تنفيذه يكلف نحو 22 ألف جنيه.. وأعضاء هيئة التدريس يشيدون بالمشروع.. صور

مانشستر سيتي: هالاند يستمع إلى ألبوم عمرو دياب الجديد

تسونامى المخدرات يهدد أمريكا اللاتينية.. الكوكايين ينتشر فى البرازيل ويضرب 11 مليون متعاطى.. السباق التكنولوجى للتجار فى كولومبيا يؤجج المخاوف.. "مخدر الزومبى" يثير الرعب فى المكسيك.. والفنتانيل ينتشر فى تشيلى

هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل


موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

السيطرة على حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر وبدء عمليات التبريد

عداد صفقات الميركاتو الصيفى.. الأهلى الأكثر حضورا والزمالك وبيراميدز "اختفاء"

25 سيارة إطفاء تكافح حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر

الأسترالي علي رضا فغاني حكما لنهائي كأس العالم للأندية

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

وادى دجلة يهزم غزل المحلة 3 - 0 وديا استعدادا للموسم الجديد

محمد ثروت يهنئ ابنته داليا بعد حصولها على درجة الماجستير من بريطانيا

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

أحمد الرافعى يستعد لتصوير دوره فى حكاية ديجافو بهذا الموعد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى