تشارلز سيميك .. الخالد في ذاكرة الشعر والألم

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف

في 1972 قابلت أحد الرجال الذين قصفونى في 1944، كنت قد قمت بأول رحلة لبلجراد بعد عشرين عاما تقريبا. بمجرد عودتي إلى الولايات المتحدة، ذهبت إلى تجمع أدبي في سان فرانسيسكو حيث قابلت بالصدفة الشاعر ريتشارد هيوجو في مطعم.

تحدثنا، سألني كيف قضيت الصيف، أخبرته أنني عدت للتو من بلجراد.

قال : أي نعم، بإمكاني أن أرى هذه المدينة جيدا.

دون أن يعرف خلفيتى، انطلق يرسم على مفرش المائدة، بقطع الخبز وبقع النبيذ، موقع المبنى الرئيسى لمكتب البريد، الكبارى على نهري الدانوب والسافا، وبعض المعالم الأخرى المهمة. دون أية فكرة عن معنى ذلك، مفترضا طوال الوقت أنه زار مرة المدينة  كسائح،

 سألته كم من الوقت قضى في بلجراد

أجابنى: لم أزرها أبدا، أنا فقط قصفتها عدة مرات

اندفعت قائلا وأنا مذهول من المفاجأة، لقد كنت أنا هناك وقتها وأننى أنا من كان يقوم بقصفه. أصبح منزعجا للغاية. في الحقيقة، اهتز بشدة. بعد أن توقف عن الاعتذار وهدأ قليلا، سارعت أؤكد له أنني لا أحمل ضغينة ضده وسألته ما هو السبب في أنهم لم يقصفوا مقر الجستابو ولا أي مبنى آخر حيث كان يتواجد الألمان.

شرح لي هيوجو أن الغارات الجوية كانت تنطلق من إيطاليا، مستهدفة أولا حقول النفط الرومانية، التي كانت لها أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للنازيين حيث يتم الدفاع عنها بضراوة . في كل غارة جوية كانوا يفقدون طائرة أو اثنتين، ومع ذلك كله، في طريق عودتهم لإيطاليا، كان عليهم أن يتخلصوا من حمولاتهم فوق بلجراد. حسن كانوا في غاية الحذر.

يطيرون على ارتفاع عال ويلقون ما تبقى من الحمولات بأي طريقة ممكنة، في سباق ليعودوا إلى إيطاليا، حيث يقضون بقية اليوم على الشاطئ مع بعض الفتيات المحليات.

 

ما قرأناه سابقا جزء من سيرة الشاعر الكبير تشارلز سيميك 1938- 2023  والذى توفى اليوم وشاعر أمريكى من أصل صربي، ولد في بلجراد عاصمة يوغسلافيا السابقة، عاش سنوات الحرب قبل أن يهاجر إلى أمريكا، وهو فعلا شاعر كبير سيظل خالد بشعره وحكاياته عن الألم.

وبمناسبة الألم  يقول في سيرته الذاتية التي لن تمل من قراءتها والتي صدرت بعنوان "ذبابة في الحساء" ترجمتها الشاعرة إيمان مرسال، وصدرت عن دار نشر الكتب خان:

 "مشردون" هو الاسم الذى أطلقوه علينا فى 1945، وهذا كان وضعنا بالفعل. تخيل أنك تجلس وتشاهد قنابل تسقط فى بعض الأفلام الوثائقية بالقديمة، أو جيوشا يحارب بعضها البعض، قرى ومدنا تتصاعد منها النيران والدخان، لا يخطر ببالك الناس المتكدسون فى الأقبية. لقد دفع السيد البرىء والسيدة البريئة وأسرتاهما ثمنا باهظا فى هذا القرن لمجرد وجودهم هناك.

 "مدانون تاريخيا" - كما كان يحب الماركسيون أن يقولوا – ربما انتموا إلى طبقة خاطئة، جماعة عرقية خاطئة، دين خاطئ، إلى آخره. هم كانوا وما زالوا تذكيرا غير سار بكل أخطاء اليوتوبيات الفلسفية والقومية. لقد جاءوا بخرقهم البالية ومناظرهم التعسة ويأسهم، جاءوا فرادى وجماعات من الشرق.

 

هاربين من الشر بدون أية فكرة عما ينتظرهم. لم يكن لدى أحد فى أوروبا ما يسد رمقه، وهنا جاء اللاجئون المتضورون جوعا، مئات الآلاف منهم فى قطارات، مخيمات، وسجون، يغمسون خبزا يابسا فى حساء مائى، يبحثون عن قمل فى رؤوس أطفالهم، ويندبون، بمختلف اللغات، مصيرهم المروع.

 

رحل تشارلز سيميك لكن يظل ما كتبه صورة معبرة عن إنسان قصفو ذات مرة مدينته بالطائرات فقط من باب التخلص من الحمولة الزائدة.

 

 

 

 

موضوعات متعلقة

السنوات

السنوات الأحد، 01 يناير 2023 01:55 م

شروط النهضة.. القدرة على الإنتاج

شروط النهضة.. القدرة على الإنتاج الإثنين، 26 ديسمبر 2022 11:44 ص

الأرجنتين بطل كأس العالم.. إنه العدل

الأرجنتين بطل كأس العالم.. إنه العدل الإثنين، 19 ديسمبر 2022 11:40 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد مباراة منتخب الشباب والمغرب فى نصف نهائي أمم أفريقيا اليوم

الزمالك يقيم أيمن الرمادى بعد نهائى كأس مصر

الاتحاد يسعى لحسم لقب الدوري السعودي ضد الرائد الليلة

الأردن يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات الجارية فى ليبيا

حدث فى مثل هذا اليوم.. ذكرى النكبة الفلسطينية


فيلم Thunderbolts يحقق 273 مليون دولار حول العالم

اليوم.. نظر محاكمة المتهمين بقتل شاب داخل كومباوند بالشيخ زايد

الإمارات تنفذ إخلاء طبيا عاجلا لـ 188 مريضا من غزة

حريق بكورنيش مصر القديمة.. والحماية المدنية تتمكن من إخماده (صور)

القنوات الناقلة لمباراة مصر والمغرب اليوم الخميس في كأس أمم أفريقيا للشباب


وزيرة خارجية كندا تتهم إسرائيل باستخدام نقص الغذاء سلاحا سياسيا في غزة

موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا

فى فيديو مؤثر.. حسام البدري يشكر الدولة على عودته الآمنة من ليبيا

الفنان محمد غنيم مهدد بالسجن 3 سنوات.. وهذه فرصته الأخيرة

قبل الزحمة.. طرق حجز قطارات العيد ومواعيدها على خطوط السكة الحديد

العقوبات الأمريكية على سوريا.. دامت 46 عاما ورفعها ترامب بقرار واحد

6 مواجهات لا تفوتك فى صراع الهبوط بالدورى هذا الموسم.. الإسماعيلى والمحلة الأبرز

"حر نار نهارا متعدل ليلا".. حالة الطقس اليوم الخميس 15 مايو 2025 فى مصر

أغلى من الصفقات.. أمير قطر يهدى ترامب قلما فاخرا من طراز مونت بلانك (صورة)

حسام البدرى يشكر الرئيس السيسي بعد تدخله لعودته من ليبيا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى