أيام زمان "ما كانتش" عسل وسمن بالسكر

الكاتب الصحفي محمد غنيم
الكاتب الصحفي محمد غنيم
محمد غنيم

ما من جملة تتقطر منها العذوبة وتفوح بأريج الحنين إلا وقد احتضنت كلماتها، عبارات "الزمن الجميل وأيام زمان".. أعلم أن ذهنك يسبح فى فضاء تاريخ طفولتك وصباك مرورا بأشخاص عاشوا بداخلك وعادات وتقاليد معجونة بتفاصيل حياتك، فلا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يقتحم تاريخك الشخصي، ولكننى ألومك على الإساءة لتجاهل جماليات العصر الحالى، فلكل فترة زمنية نعيشها، قوانينها الحياتية التى تفرض سيطرتها عليها، فمثلما تذكرت أيامك الخوالى ولعب الكرة الشراب والوقفة على ناصية زمان وبنت الجيران، مقارنة بالضجيج والتكتولوجيا والتطور والزحام والأحداث المتوالية للتطوير من ماسنجر وفيس وتويتر وواتس وسناب شات كمان، التى تمثل فى تاريخك الشخصى عصر السرعة، هى بمثابة جماليات يعيشها ويتعايش معها أولادك وأحفادك، سيتذكرونها فيما بعد بأنها أيام الزمن الجميل، الذى عاشوه وتعايشوا معه حتى وإن كان زمن تراه أنت بعين المجهر عصر صاخب.

عصرنا الحالى ليس مليئا بالأشواك وطرقه ليست متعرجة مملوءة بالحجارة، وأن الماضى فى مخيلتك كان كله عسلا وسمن بلدى بالسكر، وأنه يلزمنا الترحم عليه كل صباح، واللعان والسباب على الأيام الحالية صباحا ومساء.

دعنا نترك النظرة التشاؤمية للمستقبل، دون الخضوع لسطوة الحنين المضلل أحيانا، فلكل عصر قوانينه الحياتية، وكما قيل فى المثل "لكل وقت أدان"، فالإنسان واعى الذهن متقد الفكر هو الذى يعيش فى صراع مع العادات والتقاليد السائدة، والانتصار على الملوث منها، هو الذى يدفعك كمفكر أن تنال حرية الإبداع فى نظرة الواقع دون العرقلة فى شباك الماضي.

عالجت الدراما قضية الزمن بأفلام جسدت الواقع، وصنفناه نحن كمشاهدين ماضيا وزمنا جميلا كما نزعم، وهو فى الحقيقة تجسيد لفترة زمنية ما، فقد لفت انتباهى عند قراءتى لكتاب "دليل الأفلام فى القرن العشرين" للناقد محمود قاسم أن الرقابة عام 1933 قد منعت فيلم "الخطيب نمرة 13" من العرض بسبب احتوائه على بعض المشاهد التى تجسد حياة المهمشين ومنازلهم الفقيرة مثل ظهور الحلة والقلة والطبلية والبابور أبو شرايط، فهنا كانت عين الناقد ومقص الرقيب لصالح التطور والرقى التى تسعى له مصر فى ذلك الحقبة دون النيل من حياة الفقراء والمهمشين، بل خطوات المجتمع المصرى نحو التقدم فى ذلك الوقت كانت تتسارع نحو اللحاق بركب الرفاهية على مستوى العالم، بأن تظهر السينما قصور الأثرياء، والموائد العامرة بالطعام الشهى، وإتيكيت السفرة من شوكة وسكينة وفوطة، وإتقان طاقم العمل التعامل مع تلك الأدوات بجدارة.

فحين قدم المخرج محمد بيومى فيلمه الخطيب رقم 13 رفضته الرقابة على الفور، لكون أبطال العمل يتناولون الملوخلية وهم ملتفون حول الطبلية التى تعلوها الحلة الألومنيوم، فكان هذا هو المبرر حتى وإن كان هو الفيلم رقم 25 من حصيلة الإنتاج السينمائى فى مصر.

أعلم أنك اندهشت من هذا الموقف المجسد للمشهد وأنت تلوى شفتيك أو تطقطق أصابع يدك، فماذا لو عرفت عزيزى القارئ أن عام 1939 اعترضت الرقابة أيضا على فيلم بديع لمجرد أن اسمه "الحارة"، فكانت الحارة فى ذلك الوقت هى المكان العشوائى الموبوء المكتظ بالفقراء والمساكين، فظهوره فى السينما بمثابة تشريح الواقع أو كشف جسد الماضى وإظهار عوراته، فى حين كانت السينما عنوانا للرقى والتقدم، فتم تغيره على الفور إلى "العزيمة" بطولة أنور وجدى وحسين صدقي.

تطور المجتمع وتحديد مساره والنظرة للمستقبل بعين الأمل أهم بكثير من الإتكاء على أريكة الماضى، حتى وإن كانت فى حديقة مشمسة مزهرة مفعمة بالورد، وإن جاز القول فهى أقرب بأمية مخيفة لمجتمعات معتمدة على الماضي، فنظرتك بتأمل للحاضر كفيلة أن تفجر طاقتك للخروج من كهف الإخفاق لسفح النهضة على قمة هرم النجاح.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

ممكن ترسمنى؟

ممكن ترسمنى؟ الثلاثاء، 10 يناير 2023 03:43 م

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رجال الحماية المدنية يواصلون عمليات التبريد لحريق مبنى سنترال رمسيس

رضا سليم يُفضل العروض المغربية عن المحلية للرحيل عن الأهلي

تحول مفاجئ فى مستقبل إندريك مع ريال مدريد

طب المنصورة قلعة طبية مصرية مصنفة من أفضل كليات الطب في الشرق الأوسط وأفريقيا.. دشنت برنامج "مانشستر للتعليم الطبي" في 2006 لمنح مستوى عالمي لدرجة البكالوريوس.. ويمكن للطالب السفر للتدريب فى جامعة مانشستر

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم


وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت نتيجة عطل الاتصالات والإنترنت

نتنياهو يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام

بي اس جي ضد الريال.. مبابي يتحدى باريس في مواجهة الثأر والانتقام

مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 10 آخرين في "كمين كبير" بغزة

أخبار 24 ساعة.. 21 مصابا فى حادث حريق سنترال رمسيس ولا وفيات حتى الآن


وزارة الطيران: تأخر محدود في إقلاع الرحلات لعطل بشبكات الاتصالات والإنترنت

شاهد مران الإسماعيلى الأول تحت قيادة الجزائرى ميلود حمدى

فات الميعاد الحلقة 19.. الحكم على أحمد مجدى بالسجن خمس سنوات

المصرية للاتصالات: فصل التيار خلال الحريق سبب تأثر الخدمة.. وتعويض المتضررين

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة.. صور

الصحة تعلن أرقاما بديلة للإسعاف فى بعض المحافظات بعد تعطل الخط الساخن 123

زلزال بقوة 5 درجات يضرب البحر المتوسط قبالة سواحل تركيا

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

تعرّف على سبب تأخّر وصول آدم كايد بعد التوقيع الإلكترونى للزمالك

مواجهة سهلة لميار شريف فى بداية مشوارها ببطولة السويد المفتوحة للتنس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى