دلشاد.. سيرة الجوع والشبع فى مسقط كما ترويها بشرى خلفان

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
بقلم أحمد إبراهيم الشريف

نقرأ العديد من الروايات والكتب القصصية، بعضها يمر سريعًا فلا يترك أثرًا يذكر ، وبعضها يستقر أثره فى الذهن لا يفارقه، والمعيار فى ذلك هو الصدق، وبالطبع الصدق لا يتعارض مع الخيال، لكنه يرتبط بما يمكن أن نطلق عليه "اكتمال" الحكاية، وقد انتهيت مؤخرا من رواية "دلشاد" للكاتبة العمانية بشرى خلفان، وهى الرواية الفائزة بجائزة كتارا، وكانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية "البوكر"، وأقول بداية إنها من الروايات التي تبقى.

عندما أقول إن رواية "دلشاد.. سيرة الجوع والشبع" قد أعجبتني فذلك رأي انطباعي، وعليَّ أن أدلل على إعجابي بشكل علمي، لذا سأتحدث عن عدة نقاط استوقفتني فى الرواية.

 

سحر الحكاية وغرابة الشخصيات

 تملك الرواية خيوطًا كثيرة تتشابك وتتقاطع بصورة أو بأخرى، فلدينا "دلشاد" بماضيه المجهول وحاضره المؤلم، بامتداده المتمثل فى "مريم"، وبدائرته المنطلقة من حارة "لوغان" حيث أمه فاقدة العقل، وحيث لقب "ود السيح" الذي يطارده دائما، وحيث "ما حليمة" بأسرتها التي انتهت بموت عيسى عبد الرسول، الذي جعله الناس وليا من أولياء الله.

ولدينا بيت "لوماه" بغطرسة "فردوس" وبحب "عبد اللطيف" وامتداده المتمثل فى "فريدة" ابنته من مريم دلشاد.

بالطبع لا يمكن أن نحصر كل الشخصيات التي تمثل فى مجملها الحكاية الشيقة التي تأخذك منذ أن ولد "دلشاد" يضحك، وانتهاء إلى اقتراب "فريدة" من الموت، بين هذين الحدثين تدور الحكاية عن الجوع والشبع والخوف والطمأنينة والمرض والصحة والعلم والجهل، عن البنوة والأبوة، عن الحب والأمل، عن الغنى والفقر، عن الحرب وأحزانها وكوارثها، عن الدنيا ومقدراتها، إنها سيرة مكتملة لمسقط وما يجاورها، بل هي سيرة للعالم كله فى ذلك الوقت.

التاريخ .. الحياة فى زمن الحرب

إن الحرب العالمية الثانية هي "المحور" الذي يمكن من خلاله أن نراقب الرواية وزمنها، لقد بدأت الأحداث قبل الحرب الكبرى بسنوات، وانتهت بعدها بسنوات،  لكن تظل الحرب وتأثيراتها هي التي أنضجت الشخصيات وصنعت عالمية الرواية.

ليس هذا فقط فلدينا مؤشرات زمنية مهمة  تكشف لنا حال مسقط ومدن سلطنة عمان فى زمن السلطان تيمور ومن بعده السلطان سعيد، وهي إن كانت مشغولة بشخصياتها لكنها تحيطنا علما بما كان يجرى فى السياسة ما بين السلطان والإنجليز وشيوخ القبائل.

ويمكن أن نقول إن الرواية تقدم لنا المجتمع العماني فى تلك الفترة حيث العرب والبلوش والبانيان والهنود وغير ذلك ممن يشكلون المجتمع، وتتحدث بصورة كبيرة أو بإشارات صغيرة عن الهند وقطر ومصر وتشير إلى أماكن أخرى ذهب إليها أبطال الرواية أو سمعوا عنها.

اللغة .. التوازن بين توصيل الفكرة وجمال العرض

امتلكت الرواية لغة مفعمة بالأفكار والمشاعر، فهي من جانب قادرة على بناء الحوار وتصوير الحدث، ومن جانب آخر قادرة على نقل الأحاسيس والمشاعر، فهي ليست لغة جافة، بل فيها الصور الشعرية والبلاغة  الجميلة لكنها ليست صارخة بل "مجدولة" مع الأفكار  فنشعر بجمالها، ولا تأخذنا بعيدا عن عالمها.

كما امتلكت الرواية بعض المصطلحات الخاصة القادمة من التراث واللغة الشعبية، وهي موظفة بشكل مناسب يتوافق مع مكانها فى الرواية والشخصية التي تقولها، وتدل فى الوقت نفسه على ثقافة بشرى خلفان.

محبة الشخصيات

عندما تقرأ رواية "دلشاد" فلن تقف موقف المتفرج المشاهد لما يجري بمشاعر محايدة، لا سوف تنحاز سريعا، وستتورط فى المحبة والتعاطف، كل شخصيات حارة "لوجان" سيكسبون تعاطفك، لكنك ستحب "ما حليمة" العطوفة بقدر إمكانياتها، وستحب أيضا عيسى عبد الرسول رغم ظهوره القليل فى الرواية لكن أثره يظل باقيا، وعندما تخرج إلى السوق وحارات الأغنياء فإنك مثلى لن تحب "البانيان" كثيرا خاصة أنهم كانوا سببا فى إخراج مريم من بيتها، أما "مريم" فستحتل من قلبك مكانة تجعلك تحزن لحزنها وتفرح لفرحها وتضحك معها بسبب أو بدون سبب فى المواقف المناسبة وغير المناسبة، إنها حركة جينية انتقلت إليها من والدها دلشاد الذي خبت ضحكته مع الزمن.

في الجيل الجديد سيعجبك رسم بشرى خلفان لشخصية "قاسم" ذلك المختلف فى كل شيء، إنه عاشق صموت لا يقول شيئا، بينما "فريدة" تصلح بطلة سينمائية بامتياز.

فى النهاية أقول إن رواية دلشاد حافلة بالجمال من زوايا عدة، وقد أحسنت بشرى خلفان إذ جعلت النهاية مفتوحة فيما يتعلق بكل الشخصيات، وجعلتنا فى انتظار جزء ثان تستقر فيها الأحوال آملين أن تتسع رقعة الحب وينتشر الأمان.

موضوعات متعلقة

السنوات

السنوات الأحد، 01 يناير 2023 01:55 م

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"حر نار نهارا متعدل ليلا".. حالة الطقس اليوم الخميس 15 مايو 2025 فى مصر

وفاة عبد الله محمد بطل مصر فى التجديف والاتحاد ينعيه.. صور

1000 وظيفة فى الإمارات ورواتب تصل إلى 4000 درهم شهريا.. رابط التقديم

الدعوات الرسمية للملوك والرؤساء لحضور افتتاح المتحف الكبير خلال 24 ساعة

أغلى من الصفقات.. أمير قطر يهدى ترامب قلما فاخرا من طراز مونت بلانك (صورة)


إحالة أوراق متهم ادعى النبوة وقتل مدرسا إلى المفتى

ريم بسيونى فى ملتقى اليوم السابع للفنون والثقافة.. ما زلت أحتفظ برواياتى المكتوبة فى طفولتى وقد أنشرها يوما.. توقفت 7 سنوات عن الكتابة وعدت بثلاثية "أولاد الناس".. ونجيب محفوظ غيَّر مفهومى عن القراءة

وزارة الرياضة: وصول الرياضيين من ليببا خلال ساعات إلى مطار القاهرة

حسام البدرى يشكر الرئيس السيسي بعد تدخله لعودته من ليبيا

البحوث الفلكية: الهزات الارتدادية الناجمة عن زلزال أمس في "اضمحلال" مستمر


مصرع 3 أشخاص وإصابة 3 آخرين فى حريق هائل بمخزن خردة بالدقهلية

جدل هدية قطر لترامب مستمر.. الطائرة قيمتها 100 ضعف هدايا رئاسة أمريكا منذ 2001

إمام عاشور يتصدر بوستر كأس العالم للأندية قبل شهر من انطلاق البطولة

ترامب يرتدى رابطة عنق بلون العلم القطرى فى الدوحة.. ويشارك بمؤتمر بعد قليل

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء

وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025

رسالة عاجلة من وزارة الخارجية للمصريين المقيمين في ليبيا

اليونان تصدر تحذيرا من احتمال حدوث تسونامى عقب الزلزال

دفاع الفنان محمد غنيم: إنهاء إجراءات إعادة المحاكمة وحبس موكلى لحين تحديد جلسة

الإدارية العليا تؤيد قرار التعليم بإضافة 20% من درجات العربى والتاريخ للمجموع بالمدارس الدولية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى