القمر يقترن بالنجم الأحمر.. عبادة الكواكب والنجوم فى تاريخ العرب

القمر
القمر
أحمد إبراهيم الشريف

اقترن فجر اليوم الأربعاء 18يناير 2023، وقبل شروق الشمس، القمر بنجم قلب العقرب باتجاه الأفق الجنوب الشرقى فى مشهد مرئى بالعين المجردة، وتحمل الكواكب فى التاريخ العربي مكانة مميزة، ومما أشار إليه كتاب المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام لـ المفكر الكبير جواد علي، عبادة الكواكب عند العرب.

يقول جواد علي:

يشير القرآن الكريم آخر إلى عبادة الجاهليين للأجرام السماوية، ولا سيما الشمس والقمر، ففيه " (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

وهذه الأجرام السماوية الثلاثة هي الأجرام البارزة الظاهرة التي بهرت نظر الإنسان، ولا سيما الشمس والقمر. والزهرة، وإن كانت غير بارزة بروز الشمس والقمر، غير أنها ظاهرة واضحة مؤثرة بالقياس إلى بقية الأجرام ذات مظهر جذاب، ولون باهر خلاب، وقد يكون هذا المظهر الجميل الأخاذ هو الذي جعلها ابنًا للشمس والقمر في أساطير العرب الجنوبيين.

واعتبر الجاهليون القمر أبًا في هذا الثالوث، وصار هو الإله المقدم فيه، وكبير الآلهة. وصارت له منزلة خاصة في ديانة العرب الجنوبيين. وهذا ما حدا ببعض المستشرقين إلى إطلاق ديانة القمر على ديانة العرب الجنوبيين على سبيل التغليب، وعلى الذهاب إلى أن هذا المركز الذي يحتله القمر في ديانة العربية الجنوبية لا نجده في أديان الساميين الشماليين، مما يصح أن نجعله من الفروق المهمة التي تميز الساميين الجنوبيين عن الساميين الشماليين.

ويرجع أولئك المستشرقون هذا التباين الظاهر بين عبادة الساميين الجنوبيين وعبادة الساميين الشماليين وتقديم القمر على الشمس عند العرب الجنوبيين إلى الاختلاف في طبيعة الأقاليم وإلى التباين في الثقافة، ففي العربية الجنوبية يكون القمر هاديًا للناس ومهدئًا للأعصاب، وسميرًا لرجال القوافل من التجار وأصحاب الأعمال في الليالي اللطيفة المقمرة، بعد حر شديد تبعثه أشعة الشمس المحرقة، فتشل الحركة في النهار، وتجعل من الصعب على الناس الاشتغال فيه، وتميت من يتعرض لأشعتها الوهاجة في عز الصيف القايظ. إنها ذات حميم حقًّا، فلا عجب إذا ما دعيت بـ"ذت حمم"، "ذات حميم"، "ذات الحميم" عند العرب الجنوبيين، ولذلك لا يستغرب إذا قدمه العرب الجنوبيون في عبادتهم على الشمس، وفضلوه عليها. وإذا كانت الشمس مصدرًا لنمو النباتات نموًّا سريعًا في شمال جزيرة العرب، فإن أشعة الشمس الوهاجة المحرقة تقف نمو أكثر المزروعات في صيف العربية الجنوبية، وتسبب جفافها واختفاء الورد والزهر في هذا الموسم، فلا بد أن يكون لهذه الظاهرة أثر في العقلية التي كونت تلك الأساطير.

ويرى "هومل" أن ديانات جميع الساميين الغربيين والعرب الجنوبيين هي ديانة عبادة القمر أي أن القمر فيها مقدم على الشمس، وهو عكس ما نجده في ديانة البابليين. ويعلل ذلك ببقاء الساميين الغربيين بدوًا مدة طويلة بالقياس إلى البابليين. ويلاحظ أيضًا أن الشمس هي أنثى، وأما القمر فهو ذكر عند الساميين الغربيين، وهو بعكس ما نجده عند البابليين.

والاسم الشائع للقمر بين الساميين، هو: ورخ، و"سن" "سين"، وشهر. وشهر خاصة هو الاسم الشائع المستعمل للقمر في الكتابات الجاهلية التي عثر عليها في العربية الجنوبية وفي النصوص التي عثر عليها في الحبشة، وفي الأقسام الشمالية الغربية من جزيرة العرب. ويلاحظ أن الصور التي ترمز إلى القمر مما عثر عليه في تلك النصوص هي متشابهة تقريبًا، ومتقاربة في الشكل، مما يدل على أن الأسطورة الدينية التي كانت في مخيل عبدة القمر عنه كانت متشابهة ومتقاربة ومن أصل واحد. أما كلمة "قمر"، فلم ترد حتى الآن في النصوص الجاهلية التي وصلت إلينا، وهذا مما حمل بعض المستشرقين على القول بأن هذه التسمية متأخرة.

ويلاحظ أن النصوص العربية الجنوبية لا تسمى القمر باسمه دائمًا في النصوص، وإنما نشير إليه بكناه وصفاته في الغالب. ويظهر أن ذلك من باب التأدب والتجمل أمام رب الأرباب. ونجد هذا التأدب في مقام الأرباب عند جميع البشر، فلا يخاطب الإنسان ربه كما يخاطب غيره من الإنس، أي باسمه المعتاد؛ لأنه الرب والإله، وهو فوق الإنسان. وهو إذا خاطبه باسمه، فإنما يفعل ذلك على سبيل التودد والتقرب والتحبب إلى الرب، فهو نوع من أدب التقرب إلى الآلهة.

ولما كان القمر هو الأب، خاطبه المؤمنون به بـ"ودم أبم"، وبـ"أبم ودم"، أي "ود أب"، و"أب ود"، ولا غرابة في ذلك. فإذا كان القمر أبًا للآلهة، فلِمَ لا يكون إذن أبًا للإنسان عبده، وهو في حاجة شديدة إليه، حاجة العبد إلى سيده والولد إلى والده؟

ودعوه أيضًا بـ"عم"، ولِمَ لا؟ أليس العم في مقام الأب؟ ثم إن العرب لا تزال تخاطب الكبير بـ"عم" دلالة على تقديره واحترامه، فليس بغريب إن نادى المؤمنون إلههم القمر: يا عم! ليرحمهم وليبارك فيهم، إن في هذا النداء تقربًا وتواضعًا وإشعارًا بضعف السائل تجاه المخاطب.

والأب عند العرب كل من كان سببًا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره. ويقوم العم عندهم مقام الأب، ولذلك سمي مع الأب الأبوين وقد عثر على أخشاب وأحجار حفرت عليها أسماء ود، أو جمل "ودم  أبم"، أو "أبم ودم"، وذلك فوق أبواب المباني؛ لتكون في حمايته وللتبرك باسمه وللتيمن به، كما وجدت كلمة "ود" محفورة على أشياء ذات ثقوب، تعلق على عنق الأطفال لتكون تميمة وتعويذة يتبرك بها. فعلوا ذلك كما يفعل الناس في الزمن الحاضر في التبرك بأسماء الآلهة والتيمن بها لمنحها الحب والبركة والخيرات.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صور أثار حريق شقة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

ليفربول يبلغ وكيل محمد صلاح موقفه من رحيل الملك المصرى

الزمالك يكشف تطورات شكوى زيزو فى اتحاد الكرة

7 ممرات لوجستية متكاملة.. شرايين جديدة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للتجارة

150قناة عالمية تذيع مباريات كأس أمم أفريقيا 2025


مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي

الدوري الإنجليزي يخسر نجومه في أمم أفريقيا 2025.. صلاح ومرموش الأبرز

الأهلي مهتم بضم محمد توريه لتدعيم هجومه في يناير

جار نيفين مندور يكشف تفاصيل مصرعها فى حريق منزلها بالإسكندرية

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها


بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

السلامى VS السكتيوى.. نهائى مغربى خارج الخطوط فى نهائى كأس العرب

الطقس اليوم الأربعاء 17-12-2025.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار

مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 17-12-2025 والقنوات الناقلة

المخرج أشرف فايق: محيى إسماعيل بخير وإصابته بغيبوبة شائعة

ليلة زفاف نجم الأهلى.. أحمد عبد القادر يحتفل وسط أسرته وأصدقائه فى الدقهلية.. عمر كمال وأحمد رمضان بيكهام أبرز الحضور.. وعصام صاصا وأورتيجا يشعلان الأجواء بالأغانى.. فيديو وصور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى