التسويق الجديد وسقوط نظرية ولاء المستهلك

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم محمد أحمد طنطاوى

فاجأتني أحد الشركات الأجنبية العاملة في مصر بمجال المشروبات الغازية والمياه المعدنية، باتصال هاتفي قبل عدة أيام، تعرض إمكانية شراء منتجاتها من خلال أحد مندوبيها بأسعار خاصة جداً، تقل 25% تقريباً عن المتاح في الأسواق لدى تاجر التجزئة، بالإضافة إلى خدمة توصيل مجانية، حتى باب البيت، بأي كميات أطلبها من المياه المعدنية أو المشروبات الغازية.

 مع وجاهة العرض المقدم من الشركة، وقدرة مندوب المبيعات على الإقناع، ووطأة الأسعار التي تتغير يوماً بعد الآخر نحو الارتفاع، لم أستطع المقاومة، ووافقت على تنفيذ "أوردر" عبارة عن 4 كرتونة مياه من الحجم الكبير، نظير 55 جنيها للواحدة، على أن يكون التسليم خلال 24 ساعة من الطلب، من خلال فاتورة معتمدة من الشركة، تشمل كل محتويات الشحنة وتفاصيلها ورقم للشكاوى والمتابعة.

في ظل موجة الغلاء الأخيرة، وارتفاع معدلات التضخم، وما لحقه من تخفيض قيمة الجنيه المصري، 3 مرات في أقل من عام واحد، وصل سعر زجاجة المياه المعدنية أو المعبأة – أيهما أقرب للصواب -  داخل السوبر ماركت 6 جنيهات، أي أن الكرتونة  الواحدة التي يوجد بها 12 زجاجة سعة 1.5 لتر، يصل سعرها 72 جنيها، الأمر الذي يجعل هناك وفر في التكلفة حوالي 17 جنيها، عند المقارنة مع عرض الشركة – 55 جنيها للكرتونة - في 4 عبوات، لتصبح النتيجة النهائية توفير 68 جنيهاً، بالإضافة إلى مجانية خدمة التوصيل، وإمكانية طلب أي كمية يرغب العميل في شرائها.

 التسويق الكمي، والسعي نحو القواعد الشعبية من الجماهير العريضة، واتجاه الشركات الكبيرة إلى مخاطبة  المستهلكين بعروض ترويجية مبتكرة، دون التوقف عند فكرة تسويق منتجاتها  لدى تجار الجملة أو التجزئة، خاصة في ظل الأزمة المالية التي يعيشها العالم، وموجات الركود التضخمي، التي بدأت تضرب الأسواق بعنف، وأول نتائجها سيكون تقليل الاستهلاك والاتجاه نحو السلع والمنتجات رخيصة الثمن، حتى وإن كانت أقل في الجودة.

من وجهة نظري دائماً أرى المشكلة والأزمة الاقتصادية الراهنة ليست مجرد ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم التي فاقت الحدود، لكنها تكمن في الركود التضخمي الذي ينتظر الاقتصاد، نتيجة ارتفاع تكلفة المنتجات، وعدم قدرة المستهلك على الاستمرار في نفس معدلات وأنماط الشراء، التي كان يتبعها طيلة سنوات مضت، وتغيرت نتيجة عدم وجود السيولة الكافية، الأمر الذي تتراجع معه معدلات النمو الاقتصادي بصورة واضحة، ويفقد الآلاف وظائفهم، ومن هنا تبدأ المشكلة، فالبطالة هي الخطر الحقيقي الذي يحاصر العالم في هذه الفترة، خاصة أن الشركات ستتجه إلى تسريح المزيد من العمالة، وتقليص أنشطة التوسع لفترة لحين عودة الأمور إلى نصابها واستقرار مؤشرات الاقتصاد العالمي.

الشركات متعددة الجنسيات سوف تدعم بقائها في كل دول العالم، من خلال العروض الترويجية والتسويق غير النمطي، والوصول إلى مختلف شرائح المستهلكين، وأكبر دليل على هذا التوجه ما ذكرته في السطور الأولى من هذا المقال وتجربتي مع شركة المياه الغازية، التي بدأت تتجاوز التجار والوصول إلى المستهلك في عقر داره، لكن المتضرر الحقيقي في هذه النظرية هو صاحب "الكشك الصغير"، الذي يعول 4 أسر، والبقال البسيط، الذي يوظف 3 عمال في ورديات مختلفة، مع العلم أن المستهلك سوف يبحث في الفترة المقبلة عن أي مكان يقدم تخفيضات بصورة أفضل، ولن يُظهر ولاء لأحد إلا من يقدم أسعار مخفضة وجودة معقولة، وهنا يظهر بشكل واضح سقوط نظرية الولاء للعلامة التجارية أو الولاء لسلاسل تجارية بعينها خلال التسوق، فالمستهلك قطعاً سيتجه إلى من يقدم عروض أفضل، وهذا التحول أظن أنه سيشمل أغلب السلع، حتى المعمرة منها، مادامت الأسعار في مستويات غير مستقرة، وتواجه خلال واضح بين مستويات العرض والطلب.

الدرس المستفاد أن الفترة المقبلة يجب أن تتحرك الحلقات الوسيطة في سلسلة الاستهلاك نحو تقديم عروض وتسويق المنتجات بهوامش ربح قليلة ومعقولة، من أجل الحفاظ على زبائنها والاستمرار في نفس معدلات التوزيع، فالشركات الكبرى ستجد في الأزمة الاقتصادية الراهنة فرصة لتبتلع وحدها الأسواق والسيطرة عليها.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

مطلوب استعادة حالة التفاؤل

مطلوب استعادة حالة التفاؤل الإثنين، 09 يناير 2023 09:58 ص

مطلوب تقليل مستوى الضجيج

مطلوب تقليل مستوى الضجيج الإثنين، 02 يناير 2023 10:04 ص

لا تسرقوا سعادتنا..

لا تسرقوا سعادتنا.. الإثنين، 19 ديسمبر 2022 10:40 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأرصاد: أجواء باردة ونشاط رياح يزيد برودة الطقس والصغرى بالقاهرة 13 درجة

جلسة مع عدي الدباغ فى الزمالك خلال ساعات

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

وزارة التعليم: سداد رسوم امتحان الصف الثالث الإعدادي إلكترونيا وهذه قيمتها

معاش استثنائي للمستحقين.. اعرف إزاي تقدم طلبك لو ظروفك المادية صعبة


توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

الزمالك يستند على الاتفاق مع بتروجت في صفقة حامد حمدان

5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا

فتح الحركة على السكة الحديد بموقع سقوط حاويات من قطار بضائع بطوخ

موعد بداية كأس أمم أفريقيا ومواعيد مباريات منتخب مصر.. إنفوجراف


موعد مباراة الزمالك وحرس الحدود بكأس عاصمة مصر

انهيار سد فى ولاية واشنطن.. والسلطات الأمريكية تصدر أوامر إخلاء للسكان

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية قبل انطلاق بطولة أمم أفريقيا والقناة الناقلة

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

تعرف على موعد استطلاع دار الإفتاء هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا

الأهلى يهزم الجزيرة والاتحاد يتغلب على الزمالك فى دورى سوبر كرة السلة

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

لا يفوتك


العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:00 ص

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى