جسرٌ أوطد من الحياة يا علّام

حازم حسين
حازم حسين
حازم حسين

مثقل الخطوة أمشى؛ كأننى أدوس حقل شوك منذ غافلنى الموت وداس بقدمٍ ثقيلة على قلبى، مُختطفًا أبى وأنا ما زلت طفلا. واحد وثلاثون عاما مرّت وما يزال الجرح أخضر، أهونه أننى لا أعرف معنى كلمة "بابا" ولا اختبرت تفاصيلها؛ لهذا أشدّ ما آلمنى فى علام ولداه "محمد وحليمة".

لمن لا يعرف. "علام" شاب لم يُغادر الطفولة بعد، من حيث إنها براءة وصدق وعفوية وابتسامات غير مُبرّرة أحيانا. كان زميل مهنة ومكان عمل، وظلمٌ بيّن أن يُختزل فى تلك الصفة. يحدث أن تلمس فى الناس ويلمسوا فيك ما يتجاوز حدود الدراما والأدوار المشتركة التى اختارتها لكم التدابير على مسرح واحد. كان ابن الخامسة والثلاثين ربيعًا واحدًا من هؤلاء، لا يبذل مجهودًا ولا يتكلّف عناء حتى ينفذ إلى عميق قلبك. كان يحتاج فقط أن يجمعكما سياق واحد - أيًّا كانت حدوده وتفاصيله - حتى يُورّطك فى محبّته؛ راضيًا أو مُرغمًا. كل من عرفوا "علام" أحبّوه، وأحسب أنه كان مُحبًّا للجميع. قد لا يفهم الجميع أسباب المحبّة، لكن ما أصدّقه قطعًا أن السماء لا تهبها مجانًا أو من دون استحقاق!

يُمكن فى مقام الرثاء أن نُطيل القول فى كفاءة "علام" وإتقانه وتفانيه فى عمله. يشهد بكل ذلك ما تحفظه له صالة التحرير وغرف الهواء فى البرامج والقنوات، وما أحرزه من نجاح وتدرّج لامع رغم سنواته القصيرة، لكن ما يلفت النظر أكثر إلى تلك الرحلة القصيرة يتجاوز نطاق العمل وآيات الإجادة وتعداد المآثر. كان "علام" مكافحًا عظيم الأمل، وضعته الحياة فى حكاية صعبة فتخطّى فخاخها، واختبرته الظروف اختبارات مُتلاحقة فلم يركن أو ينكسر. شاب من بيئة بالغة التواضع خطّ لنفسه مسارًا صاعدًا بالعلم والعمل، والأهم أنه لم يخسر براءته أو يتخلّ عن فطرته فى تلك الرحلة. عبر الولد الريفى طريقه الوعرة بمهارة لاعب سيرك، وقلب قديس، وضحكة طفل يستقيم عالمه ما دام على صدر أمه؛ ربما لهذا لم يهتز قلبه وينشرخ إلا برحيل "حليمة الأم" قبل سنوات!

داس "علام" حقل الشوك الذى أدمى قدمىّ قديمًا، وأورثه اليوم على غير هوى منه أو إرادة إلى طفلين غضّين سيُعاينان ما عانى. تدابير مُوجعة توزّعها الدراما على الناس، ولا يبقى منها إلا الأثر. وأحسب أن أثر "علام" باقٍ، ليس بالصحافة وصنعتها فقط، وإنما باليُتم الصادق الشفيف الذى هذّب روحه فزاده ودًّا على ودّ، وبالروح المُضيئة التى تسرّبت فى صدرى "محمد وحليمة" فأنبتت نباتًا طيبًّا، لن تزيده شوكة اليُتم إلا طيبة ورقّة وأملاً فى الله والغد!

مضى علام عبد الغفار إلى الله، لم تُمهله الحياة فرصة أوسع لأن يُغلّظ توقيعه بالحضور؛ لكننى أحسب أن اسمه لن تذروه الرياح أو تشطبه الأيام عفوًا وباستسهال. لهذا الشاب البسيط أُلفة لا تذوب، ورائحة روح لا تُخطئها القلوب، وذكرى لطيفة مع كل شخص عبر عليه فى رحلة قطاره السريعة. أذكر له أحاديث ظريفة وضحكات صافية ونقاشات عن مقالات أو موضوعات صحفية، أذكر له رسائل كانت تقطُر ودًّا ورهافة، وأذكر دموعًا رأيت التماعها فى عينيه كلمّا حضرت سيرةُ أُمّه أو هبّت نسمة اليُتم الساخنة على حديث لنا أو ذكرى، فلفحت جلد وجهينا معًا كأننا نُقيم فى يُتمٍ واحد!

لا على الله يغلو ولا الثرى، وكُلنا إلى المآل ذاته راحلون، لكنه الفراق كرباج يُشقّق القلوب بغلظةٍ ويترك ندوبًا فى الروح تعرفنا بها الأيام ويعرفنا الناس؛ كلما فقدنا عزيزًا فانحنت ظهورنا ملليمترا أو يزيد. هكذا نمضى على وجه الأرض حمّالين للذكرى، تئن أكتافنا وتُعتم صدورنا وتتردّد روائح الراحلين فى مخيالنا صباح مساء. إلى الله يا "علام" نُشيِّعك على أمل اللقاء، لا رحلت أنت تمامًا عنّا، ولا باقون نحن هنا. بيننا جسرٌ يا صديقى كالذى كان بينك وبين أمك فى قبرها إلى أن التقيتها أخيرًا، بيننا جسرٌ باقٍ لا يزول، وأوطد وأصدق من الحياة!

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

أحمد شوبير: محمد شريف أهلاوي

أحمد شوبير: محمد شريف أهلاوي الأربعاء، 02 يوليو 2025 06:56 م

الأكثر قراءة

مصر تدين التصريحات الإسرائيلية بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية

اليوم السابع: مجلس النواب يوافق نهائيا على تعديلات قانون الإيجار القديم

بعد حذف أغانى أحمد عامر.. الغناء حلال أم حرام؟.. رأى الغزالى وعبد الحليم محمود

الأهلى يدرس التراجع عن التعاقد مع أسامة فيصل

اعتقال يوسف بلايلى نجم الترجى فى مطار شارل ديجول.. فيديو


النص الكامل لقانون الإيجار القديم بعد موافقة مجلس النواب

بحث عنه بين الشهداء.. فلسطينى يحتفى بنجاة شقيقه فى فرحة ممزوجة بالدموع

مجلس النواب يرفع الجلسة العامة بعد الموافقة على قانون الإيجار القديم

قانون الإيجار يصل المحطة الأخيرة.." النواب" يوافق نهائيا على التعديلات الأخيرة.. الحكومة: لن نترك مواطنا بلا مأوى.. ونتعهد بتوفير بديل قبل انتهاء مدة الإخلاء.. وتشكيل لجان لتصنيف الأماكن تمهيدا لزيادة الأجرة

الحكومة تطمئن كبار السن: الوحدات البديلة للمستأجرين فى مناطق مأهولة بالسكان


انتداب مفتش الصحة لتوقيع الكشف على جثمان المطرب أحمد عامر داخل المسجد

النواب يوافق على اقتراح عدم إخلاء المستأجر الأصلى وزوجته قبل توفير بديل

مجلس النواب يوافق نهائيا على قانون الإيجار القديم

الحكومة: "قانون الإيجار القديم ما ذكرش الإخلاء.. والمادة 8 ستثلج الصدور"

مجلس النواب يوافق على نص المادة 2 بمشروع قانون الإيجار القديم

إيلون ماسك يعلق على تصريحات ترامب حول ترحيله إلى جنوب أفريقيا.. تفاصيل

وزير الإسكان عن تمويل السكن البديل للإيجار القديم: مدعوم أو فترة سداد 20 سنة

ترتيب هدافى كأس العالم للأندية 2025.. جارسيا يعادل وسام أبو على

مواعيد مباريات ربع نهائى كأس العالم للأندية.. مواجهات نارية

فرص عمل بمشروع الضبعة النووية بمرتبات تصل إلى 11 ألف جنيه

لا يفوتك


أحمد شوبير: محمد شريف أهلاوي

أحمد شوبير: محمد شريف أهلاوي الأربعاء، 02 يوليو 2025 06:56 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى