سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 يناير 1848.. البعثة الروسية تغادر القاهرة إلى السودان لإنشاء أول مصنع لاستخلاص الذهب فى عهد محمد على باشا

محمد على باشا
محمد على باشا
عرف محمد على باشا «والى مصر» أن الروس توصلوا إلى طريقة جديدة لاستخلاص الذهب من الرمال، فاستدعى القنصل العام لروسيا «ميديم» إلى القلعة يوم 28 يونيو 1838، وطلب منه الحصول على وصف دقيق ومفصل لهذه الطريقة، وكان ذلك بداية قصة إنشاء أول مصنع روسى لاستخلاص الذهب فى عهد محمد على، حسبما يأتى فى كتاب «ذهب سنار»، تأليف المؤرخ الروسى والمستشرق «أنتوشين»، ترجمة، وليد أحمد طلبة، وتقديم، الدكتور حسين الشافعى.
 
يتناول «أنتوشين» فى كتابه تاريخ العلاقات الروسية المصرية فى منتصف القرن التاسع عشر، ويتركز محور الحديث على يوميات أحد خبراء المناجم الروس واسمه «ايفان بارودين»، وتتناول فترة وجوده فى مصر والسودان مع بعثة أرسلتها روسيا فى أربعينيات القرن التاسع عشر إلى مصر، لإنشاء أول مصنع ميكانيكى لاستخلاص الذهب من الرمال فى السودان الذى كان يخضع لحكم محمد على وقتئذ.
 
يذكر «أنتوشين»، أنه بعد مقابلة محمد على باشا للقنصل الروسى فى 28 يونيو 1838، كتب القنصل رسالة إلى العاصمة الإمبراطورية «سانت بطرسبورغ»، واستغرق الرد عليها ثلاث سنوات، وفى سبتمبر 1841 كلف محمد على رجاله أن يعكفوا على دراسة الرد، فاقترحوا أن توفد روسيا خبراء لإنشاء معمل لاستخراج الذهب من الرمال المصرية، لكن روسيا اقترحت فى مكتوب يوم 7 ديسمبر 1843 إرسال مهندسين مصريين للاطلاع، ومشاهدة المعامل الروسية، واستجاب محمد على للاقتراح، واختار شابين مصريين هما، على محمد وعيسى الدهشورى، للسفر، وكتب قنصل روسيا فى الإسكندرية إلى بلاده مكتوبا بهذا الشأن يوم 26 مارس 1845، ولأن المهندسين موفدين من «والى مصر» شخصيا، تابع امبراطور روسيا بنفسه بعثتهما، وأصدر تعليماته باستقبالهما، وأن يظلا تحت إشراف أساتذة معهد التعدين، ويسافر معهما مرافقون إلى مصانع التعدين فى «الأورال».
 
يذكر «أنتوشين» أن المهندسين المصريين عادا إلى مصر بعد عام أنجزا فيه مهمتهما التى تخللها رحلة طويلة بين المصانع والمعاهد الروسية، وعثرات صحية مرا بها، وفى عام 1847 جدد محمد على طلبه القديم لروسيا بأن ترسل مهندسين للمعاونة فى إنشاء صناعة استخراج الذهب، فاستجاب الامبراطور الروسى، وأشر بخط يده «خاضع للتنفيذ» على مكتوب محمد على، وفى نوفمبر 1847 وصل إلى ميناء الإسكندرية على متن باخرة روسية قادمة من ميناء أوديسا فيلق يتكون من مهندس التعدين «كوفاليفسكي»، يرافقه عاملان تعدين ومهندس لعلوم الطبيعة، وانتقلوا إلى القاهرة للقاء محمد على لدراسة خططهم، ثم استعدوا لمهمتهم.  
 
يصف «أنتوشين» كيف غادرت البعثة الروسية القاهرة إلى السودان لعمل المصنع، قائلا: «حانت لحظة الرحيل عن القاهرة المضيافة فى الثامن من يناير، مثل هذا اليوم، 1848، تجمع بعض الروس لدى رئيس البعثة وجلسوا القرفصاء وفقا للعادات القديمة، ورسموا علامة الصليب فى خشوع وطلبوا المغفرة، وضم محمد على إلى البعثة ترجمانا للعربية هو الدكتور «تريمو»، سلافى الجنسية وتربى فى فرنسا، وكذلك رسام فرنسى، كما أوكلت حل المشاكل الخاصة بتأمين الحملة إلى المقدم يوسف أفندى وهو من الشراكسة، واصطحبت البعثة خبراء تعدين روس وخدم من جميع الجنسيات».
 
يذكر «أنتوشين» أنه تم شحن متاع البعثة على سطح المركب، وفى الساعة الثانية ظهر 8 يناير 1848 بدأ المركب فى الإبحار باتجاه أعالى نهر النيل، وكانت البعثة تتوقف فى طريقها على شواطئ المدن والقرى، من بينها مدينة بنى سويف، التى كانت أحد أهم المراكز الاقتصادية لمصر فى عهد محمد على، وتوقفت فى أسيوط للتزود بالفحم، ووصلت إلى جرجا فى العاشر من يناير 1848، وأكملت طريقها عبر نهر النيل وقامت بزيارة مدينة طيبة والأقصر القديمة والكرنك.
 
يعطى «أنتوشين» ملامح عن طبيعة الأماكن التى مرت بها البعثة، يذكر: «فى 13 يناير 1848 بلغت البعثة مدينة أسوان، وكان تعداد سكانها 5 آلاف مواطن، ومعظم مبانيها فى حالة مزرية ومهدمة تقريبا، ومن لم يحصده وباء الطاعون وعوامل الزمن حصدته غزوات النوبيين»، وفى 15 يناير تعبر البعثة خط الاستواء بالقرب من قرية «كالابشا»، وبعد يومين تصل إلى «كورسكا»، ثم تواصل بالجمال فى صحراء النوبة، ولا ترى فيها ماء ولا عشب ولا غابة، بينما ترى جبال سوداء قاحلة ورمال تحترق من الشمس، وانتهت المسيرة فيها يوم 29 يناير 1848 بعد 12 يوما من العبور فيها.
 
مرت البعثة إلى «بربر» و«شندى» ثم «الخرطوم»، ومنها إلى «وادى مدنى» ثم «سنار» و«روصيرص»، وفى الثانى من مارس 1848 وصلت إلى «جيال كاسان» لتلتقى هناك بالمهندسين على محمد وعيسى الدهشورى، وفى 4 مارس وصلت إلى مقصدها وهو اختيار مكان بناء ورشة غسل الذهب الذى بدأ العمل فيها الأول من إبريل 1848، وتلك قصة أخرى.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مليونية حب فى الزعيم عادل إمام بعد ظهوره..والجمهور يعبر عن اشتياقه

إيقاف 7 مهندسين بسبب بناء جسر بزاوية 90 درجة فى الهند.. فيديو

"معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعى مصرى محلى الصنع بالكامل

مواعيد مباريات اليوم.. نهائي مثير فى كأس الكونكاكاف الذهبية

أوكرانيا: أسقطنا 117 مسيرة روسية هاجمت 157 منطقة الليلة الماضية


الأهلى يرفض ضغوط وسام أبو علي للتراجع عن دفع 10 ملايين دولار للرحيل

تنسيق الجامعات 2025.. خريطة أماكن اختبارات القدرات لكليات الفنون التطبيقية

إدارة الزمالك تطالب جون إدوارد بتوفير 30٪؜ من ميزانية الكرة

توافد طلاب الثانوية العامة بالجيزة على اللجان لأداء امتحان الرياضيات البحتة

التعليم تواصل تصحيح كراسات الإجابة فى الفيزياء والتاريخ واللغة الأولى للثانوية.. تقدير الأسئلة المقالية إلكترونيا ويدويا للتأكد من تطابق درجات الأسئلة.. والطلاب يؤدون امتحان فرع الرياضيات البحتة بعد دمج الكتاب


صراع نارى على التتويج بجائزة هداف كأس العالم للأندية 2025

مواعيد مباريات نصف نهائى كأس العالم للأندية 2025

بعد الخطأ الفادح.. ميسى يصنع ويسجل فى تقدم إنتر ميامى على مونتريال 2-1

صدق أو لا تصدق.. ميسي يُهدي هدفا لمنافسه بتمريرة كارثية "فيديو"

وداعا للبلطجة.. محافظة القاهرة تطبق منظومة جديدة لتقنين وضع السايس.. فيديو

ملخص وأهداف مباراة ريال مدريد ضد بوروسيا دورتموند 3-2 فى كأس العالم للأندية

موعد مباراة ريال مدريد ضد باريس سان جيرمان فى نصف نهائى مونديال الأندية

ريال مدريد يهزم دورتموند ويواجه باريس في نصف نهائي مونديال الأندية.. فيديو

فرص عمل للصيادلة بمرتبات شهرية تصل إلى 9400 جنيه.. تفاصيل

كومباني بعد خسارة البايرن أمام سان جيرمان وإصابة موسيالا: ما حدث مؤلم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى