طارق أسعد.. الحكيم الزاهد

محمد أحمد طنطاوى
محمد أحمد طنطاوى
بقلم محمد أحمد طنطاوى

لم أكن بحاجة إلى الدخول للموقع الرسمي للمرحوم الدكتور طارق أسعد، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس لأتعرف على شخصية هذا العالم المرموق، وكيف كان مؤثراً في كل من حوله، بداية من زملائه وتلاميذه، حتى مرضاه أصحاب المحن النفسية الكبيرة، ورغم ذلك يخضعون أمامه ويصبحون أطفالاً صغاراً يبوحون بكل ما لديهم، بعدما يغلب مرضهم بقوة العلم والحكمة، ويسيطر عليهم بما وهبه الله من حلم وهدوء.

الدكتور طارق أسعد، أحد أهم علماء الطب النفسي خلال العقد الماضي، وله الريادة في العديد من الأبحاث المتعلقة بما يعرف بـ"أمراض النوم"، خاصة أن النوم له علاقة مباشر بالعديد من الأمراض النفسية، وغيابه بدرجات متفاوتة عادة ما يصبح أحد الدلالات القوية، التي تؤشر إلى الإصابة بالمرض النفسي، لذلك كانت أبحاثه متطورة، وكان له السبق في تأسيس معمل النوم بكلية الطب جامعة عين شمس، لإجراء التجارب وتأصيل هذا التخصص النادر.

التقيت الدكتور طارق أسعد للمرة الأولى في أواخر العام 2012، عندما ذهبت مع أحد الأقارب، ظهرت عليه علامات مفاجئة تشير لإصابته بالمرض النفسي، وقد سبق ذلك مكالمة هاتفية، حصلت خلالها على عنوان العيادة، التي تقع في مصر الجديدة، وكانت تمتلئ على آخرها، ونمكث فيها بالساعات، خاصة أن المريض النفسي غالباً ما يستغرق وقتاً خلال الكشف، لذلك كنا ننتظر طويلاً، وكنت أرى بنفسي حالات مختلفة ونماذج عديدة من المرضى، النفسيين، الذين هم بالمناسبة مثل أغلب المرضى، بشر عاديون تماماً، لا يمكنك أن تفرقهم عن غيرهم إلا في الحالات الحادة أو الانتكاسات الشديدة.

في اللقاء الأول مع الدكتور طارق أسعد، وجدت رجلاً أنيقاً مهندماً، متوسط الطول، له نظارة كلاسيكية، وصوت هادئ مميز، أظن أنه لو لم يكن طبيب نفسي، لكان مذيعاً شهيراً في الراديو أو التلفزيون، وقد كانت المتلازمة الأساسية في حديثه  كلمة "نشكر ربنا"، مع كل عبارة ينطقها، وقد تحدث معي حينها لدقائق قليلة، ثم طلب الانفراد بالمريض واستأذن في انصرافي لدقائق، حتى يبوح له المريض بكل ما يعترضه من وساوس وهلاوس.

لا أبالغ حين أقول إن رؤية الدكتور طارق أسعد، كانت بمثابة نصف العلاج، فالرجل بهدوئه المبهر، وكلماته الحانية، وتطميناته للمريض ومن حوله، تقطع الشوط الأكبر في العلاج، ومع الأدوية والنصائح  للمريض، يتم الشفاء خلال أيام، ربما أسابيع قليلة، وكأن المرض لم يكن.

بعد متابعة الحالة المذكورة مع الدكتور طارق أسعد، لمدة عام كاملة، التي تحسنت   بصورة كاملة واستعادت حياتها الطبيعية، لكن بعد 5 أعوام تقريباً، أهمل  المريض العلاج، وعاد لانتكاسة حادة، وهنا لم يكن أمامنا إلا الحكيم الزاهد، طارق أسعد، وعيادة مصر الجديدة.

هاتفت الدكتور طارق أسعد لأذكره بتفاصيل الحالة، وما حدث لها من تطورات، وقد ظننته نسي المريض كعادة الأطباء المشاهير، إلا أنه قال:" دي حالة فلان، وأخبرني كل التفاصيل، وكأننا كنا عنده بالأمس، فأدركت أن هذا الرجل يعرف مرضاه كما يعرف أبناءه، ويعيش حالتهم، حتى لو غابوا سنوات.

الترحاب وحسن اللقاء والابتسامة الطيبة كانت في انتظارنا بعد 5 سنوات من الشهرة والنجاح والوصول إلى كل شاشات التلفزيون، ومنصات الصحف، التي لم تغير طارق أسعد الإنسان، فالعيادة لم تتغير بكل تفاصيلها، ومكتبه المملوء بكتب السيرة والتفسير، وبعد جلسات قصيرة استمرت عدة أشهر، عاد المريض لحالته الطبيعية، ونجاه الله من انتكاسته عاصفة، وفي كل مرة أذهب فيها، كنت أشتاق للجلوس مع هذا الحكيم الحاني، لأحصل على جرعة هادئة من المحبة والسلام  النفسي.

في اللقاء الأخير مع الدكتور طارق أسعد، حاولت اقتطاع دقائق قليلة من وقته، وسألته:" لماذا لا تجهز برنامج تلفزيوني دائم ينفع الناس بعلمك بأحد القنوات المهمة؟" فأخبرني بأن لديه بعض التجارب الناجحة مع الإعلام، لكنه ليس رجل إعلام، فقد كرس حياته للعلم والمرضى، ولا يستطع أن يتفرغ لبرنامج أو عمل دائم في الإعلام، ويتخلى ولو قليلاً عن الجامعة والعيادة، وكان رقيقاً كعادته، ولو أنني كنت أعرف أن لقاءنا الأخير، لانفردت به وأجريت معه حواراً صحفياً ممتداً، أفتش خلاله في أعماق هذا الراهب المتواضع، الذي أعطى للعلم كل شيء.

كان موعدنا المقبل مطلع شهر يناير من عام 2019، لكن فوجئت ببيان من جامعة عين شمس، ينعى العالم الجليل في صباح يوم الخميس13 ديسمبر 2018، فلم أتمالك دموعي، واصطحبت معي زميلي محمود راغب، حتى وصلنا مسجد النور في العباسية، وشيعنا جنازة الفقيد طارق أسعد، حيث كان اللقاء الأخير مع روحه الطاهرة، التي حلقت إلى بارئها وفارقت الدنيا، تاركة إرث كبير من الحب في قلوب الآلاف من طلابه ومرضاه، فالسلام والرحمة لقديس العلم وحكيم العقول.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمود سعد: أرقام تحاليل أنغام تتحسن لكن موصلتش لمرحلة الخروج من المستشفى

رادار المرور يلتقط 1131 سيارة تسير بسرعات جنونية خلال 24 ساعة

مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة

منتخب السلة راحة اليوم ببطولة الأفروباسكت لكرة السلة

موعد مباريات اليوم الجمعة 15 -8 -2025 في الدورى المصرى


محمد الشناوي مرشح لحراسة عرين الأهلي أمام فاركو غداً في الدوري

أروكا البرتغالي يضم عمر فايد من فناربخشة على سبيل الإعارة

أبرق قرية ظهرت فيها علامات الإنسان القديم ومخطوطاته قبل التاريخ.. تقع شمال غرب مدينة الشلاتين.. أهم مناطق محمية جبل علبة الشهيرة.. يقع بها أقدم آبار الصحراء الشرقية.. ويعيش بها قبائل العبابدة والبشارية.. صور

ريبيرو في حيرة بسبب مركز الجناح الأيسر في الأهلي.. اعرف التفاصيل

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة


وزارة التعليم: تطبيق أعمال السنة على طلاب الثالث الإعدادى العام الدراسى 2028

البوستر الرسمى للموسم الخامس من سلسلة Only Murders in the Building

رنا سماحة وجابر جمال يتعاونان فى أغنية رومانسية جديدة بعنوان "هختار حبه"

نسرين طافش عن نجاح روقان وسط البومات نجوم الغناء: العمل الحلو بيفرض نفسه

شاهد استعدادات الزمالك لمواجهة المقاولون ..فيديو

وزير خارجية بريطانيا يبلغ عن نفسه بعد رحلة صيد مع نائب ترامب بسبب "سنارة"

السجن المؤبد لأفراد تشكيل عصابى تخصص فى الاتجار بالمخدرات بالقناطر الخيرية

ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو

هنادى مهنى مذيعة بودكاست فى حكاية "بتوقيت 28" والعرض السبت على dmc

ريال مدريد يقدم ماستانتونو لوسائل الإعلام.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى