سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 فبراير 1988.. نزار قبانى فى رسالة لرجاء النقاش: «الشعر فضيحتنا الجميلة..وكبار الشعراء فى العالم هم شعراء مفضوحون»

نزار قبانى
نزار قبانى
ابتهج الشاعر الكبير نزار قبانى، بالاستقبال الأسطورى والإقبال الجماهيرى غير المسبوق على أمسيته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب يوم 4 فبراير 1988، حسبما يؤكد الكاتب الصحفى أيمن الحكيم فى كتابه «رسائل لها تاريخ - العوالم الخفية للمشاهير».
 
كان الكاتب والناقد رجاء النقاش، ممن يرتبطون بعلاقة صداقة عميقة مع نزار، شهدت مساندة قوية له من «النقاش» فى مواجهة الحملات الصحفية المغرضة التى كانت تشنها أقلاما وصحف مصرية بين الحين والآخر، وبعد انتهاء أمسية نزار فى معرض القاهرة، عاد إلى مقر إقامته فى جنيف، وتلقى من «النقاش» رسالة تهنئة بنجاح ندوته، فرد عليها برسالة جميلة، فى 25 فبراير، مثل هذا اليوم، 1988، وينشر «الحكيم» نصها فى كتابه:
 
«الحبيب الحبيب رجاء.. رسالتك تفتح القلب بعدما سد هذا الزمان العربى الرمادى أكثر شرايينه، ولأن الرسالة صادرة عن رجاء النقاش بالذات، ولأنك ضميرنا النقدى المشتعل والنظيف، فإننى اعتبرها شهادة من الشهادات الناصعة والنادرة التى أعطيت لى خلال أربعين عاما من العمل الشعرى، لقد بددت خوفى يا رجاء على مستقبل الشعر، وأعدت ثقتى بالكلمة القادرة على التغيير، وعلى التفجير، وعلى إشعال الحرائق فى ثياب الناس وفى ضمائرهم، لقد أُعطيت أمسيات شعرية كثيرة فى حياتى، ولكن أمسية القاهرة كانت بالنسبة لى ولادة ثانية، وصار بإمكانى أن أؤرخ شعرى على الشكل التالى: قصائدى قبل أمسية القاهرة فى 4 فبراير 1988، وقصائدى بعد 4 فبراير 1988، تماما كما يتحدث المؤرخون عن وقائع ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد.
 
لقد أعطتنى أمسية القاهرة الشعرية القناعة أن الشعر لا يزال سلاحا خطيرا بإمكانه أن يفتح الممالك، ويقتحم القلاع، ويمنح الثواب، ويفرض العقاب، ويدق بعنف على أبواب الظالمين، وأن الشاعر ليس رديفا للسلطة، أو هو سلطة فوق السلطة، إننى فخور أن تكون قصائدى - حسب تعبيرك الجميل - «منظمة للتحرير العربى»، وأن تفتح أمام الناس باب الجهاد الأكبر ضد نفوسهم، والحقيقة أنك أعطيتنا تعريفا جديدا للشعر حين جعلته «حركة تحرير» تستهدف تخليص الإنسان من قوى القمع، والظلام، والظلم، والابتزاز، وإشعال قناديل الحرية فى داخله، واكتشاف مناطق الخير والجمال والصدق فى أعماقه.
 
ليست هناك مجانية، أو عبثية فى الشعر، واللغة ليست أداة ترفيه، وفرفشة وطرب، إنما هى كتيبة مسلحة لمقاتلة التخلف والغيبوبة والأفيون الفكرى، ليست هناك خيارات كثيرة أمام الشعر، فهو إما يكون مع الناس وإما يكون ضدهم، ولا قيمة لشعر يقف فى الوسط، وينضم إلى مجموعة الحياد الإيجابى، ويلبس طاقية الإخفاء حتى لا يلقى القبض عليه متلبسا بجريمة قول الحقيقة.
 
الشعر يا أخ رجاء، ليس حفلة تنكرية ندخلها دون أن يعرفنا أحد ونخرج منها دون أن تثير الشبهات، أو نتعرض للفضيحة.. الشعر هو فضيحتنا الجميلة وكبار الشعراء فى العالم هم شعراء مفضوحون، المتنبى كان شاعرا مفضوحا.. وأبونواس كان شاعرا مفضوحا، وعروة بن الورد كان شاعرا مفضوحا، وبودلير وفيرلين ورامبو، كانوا شعراء مفضوحين.
 
البكارة فى الشعر غير مطلوبة، وعذرية الشاعرة لا تزيد عدد العرسان بل هى تنقصهم، لذلك تجدنى دائما هاربا من «بيت الطاعة» الشعرى والثقافى والاجتماعى والسياسى، وتجدنى دائما فى حالة صدام مع الشرعيات غير المشروعة، طبعا إن خروجى على السطر كلفنى الضرب على أصابعى العشرة منذ الأربعينيات حتى اليوم، لكننى لم أرتدع، فأصابع الشاعر مثل نبات الفطر، أومثل الأخطبوط، كلما قطعوا ذراعا منها نبت مكانها عشر أذرع.
 
إننى أعرف ضريبة الشعر جيدا، وأقبلها بغير اعتراض ومكافأتى الوحيدة، ولا أريد مكافآت من أنى نوع آخر، هى أن أرى صورتى محفورة فى أحداق الشعب العربى، وصوتى معرشا على جدران القاعات، كما جرى فى أمسيات القاهرة الشعرية، عندما يصبح الشاعر جزءا من ذاكرة الجماهير العربية، وجزءا من دورتها الدموية، فإنه يكون فى قمة الصحة والعافية، ولا عافية لشاعر غير مقروء».
 
يصل نزار إلى المحطة الأخيرة فى رسالته، ونفهم منها أن «النقاش» أبدى فى رسالته إليه إعجابه ببرنامج إذاعى أثناء زيارته للقاهرة ربما يكون البرنامج الشهير «زيارة لمكتبة فلان» فعلق «نزار» قائلا: «لا أتذكر ما قلته فى برنامج «زيارة إلى مكتبة نزار»، كل ما أذكره أننى خرجت عن السطر، كعادتى..ولخبطت فى الأسئلة التى وضعتها المذيعة بكل عناية ووقار، وفضلت أن ألعب.. لا أن أدرس.. على كل سعدت برأيك فى البرنامج، فهو عندى أعظم الآراء.
 
سأبعث لك بأول فرصة بأعمالى الشعرية الكاملة، وأعمالى النثرية المتفرقة، وسأوافيك قريبا بمجموعتى الشعرية الجديدة «تزوجتك أيتها الحرية» ومسرحيتى النثرية «جمهورية جنونستان».
 
يختتم نزار رسالته بالسلام على أسرة «النقاش» حيث تمتد العلاقة بينهما أسريا، يقول: «إلى أن نلتقى مرة أخرى.. لك وللعزيزتين هانية - زوجة رجاء - ومنى - يقصد لميس ابنة رجاء - كل الشوق، وكل الحب.. نزار قبانى.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

الأكثر قراءة

المصرى يبدأ فى إنهاء إجراءات السفر لتونس لانطلاق المرحلة الثانية من الإعداد

تعويض مليون جنيه لمطلق بسبب تهديد زوجته السابقة له.. اعرف التفاصيل

ترامب: نحاول وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا

نتنياهو يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام

تغير المناخ يهدد أفريقيا.. تقلبات الطقس المتطرفة تهدد المجتمعات المحلية.. توقع بارتفاع الحرارة بمعدل 4 درجات بحلول 2050.. ارتفاع مستوى البحر 20 سم منذ عام 1900.. والظواهر الجوية الشديدة زادت 3 أضعاف في 35 عاما


البنك الأهلي يسافر للإسكندرية السبت المقبل لبدء المرحلة الثانية من الإعداد

سيدة تطالب زوجها بنفقة 50 ألف جنيه بعد شهر زواج بمصر الجديدة.. التفاصيل

وزارة الصحة توجه نصائح هامة لتجنب مخاطر ارتفاع درجات الحرارة

عقوبات مشددة لمخالفة قانون ممارسة الحياة السياسية.. الحبس وغرامات تصل إلى مليون جنيه.. 500 غرامة المتخلف عن التصويت واسمه بالبيانات بغير عذر.. واحذر إتلاف أو سرقة صندوق الانتخابات أو التعدى على أعضاء اللجان

موسم باريس سان جيرمان المثالى يهدد حلم ريال مدريد المونديالى


أوليس وجونزالو جارسيا في الصدارة.. الثنائي الأكثر تأثيرا بكأس العالم للأندية 2025

للمرة الثانية..السيطرة على حريق مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تبدأ التبريد.. صور

المصرية للاتصالات: فصل التيار خلال الحريق سبب تأثر الخدمة.. وتعويض المتضررين

ختام معسكر الحكام المرشحين للحصول على رخصة VAR

بعد عام على استشهاده فى غزة.. العثور على رفات اللاعب رامز الكفارنة

الزمالك يواجه أورانج فى أولى ودياته استعدادا للموسم الجديد

مواجهة سهلة لميار شريف فى بداية مشوارها ببطولة السويد المفتوحة للتنس

الزمالك يستعد للإعلان عن صفقة يد جديدة

رسامة جديدة تعلن: مها الصغير نسبت لوحتى لنفسها.. لست الأولى فقد سرقت 3 آخرين

توم كروز يخطط لإنهاء الخلاف مع نيكول كيدمان وإعادة لم شمل العائلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى