جعفر العمدة.. التلصُّص والتعويض ووصفة «سوبر هيرو» الشارع

حازم حسين
حازم حسين
بقلم : حازم حسين
للفن أدوار عديدة، لا تنحصر فقط فى أن يفتح عكّا أو يُفسّر الغامض ويقرأ الطالع كما قد يتصوّر البعض أو يُحبّون سجنه فى معارفهم الخاصة. وخناقة الفن الهادف وغير الهادف قديمة، ومقابل مفهوم «الالتزام» الذى وضعه «سارتر» هناك رؤى مُعتبرة تضع الفن نفسه غاية أولى وعُليا للعبة الفنية.. باختصار يجب أن تتحقّق المُتعة فى الفن أيًّا كانت رهاناته الجمالية، لكنها يُمكن أيضًا أن تكون رهانًا فى حدّ ذاتها!
 
ربما يكون محمد رمضان أكثر من تُثار معارك حول أعماله، حقيقيةً كانت أو مُختلَقة.. أحدث الجولات مسلسل «جعفر العمدة» الذى يحظى باهتمام واسع، بين افتتان عميق ومُتابعة يُغذّيها نَهَم جمهور عريض، ومُلاحظات فنية وثقافية وربما شخصية يُسجّلها آخرون. المُحبّون ينشغلون بالحكاية وتصاعدها بعيدًا من التنظيرات والمداخل النقدية، والمُختلفون يُحاولون تفكيك زخم التجربة على أرضية ظاهرها المنهجية وباطنها الانفصال عن جوهر اللعبة، إلى حدِّ أن تجد فريقا ينزع «الدرامية والفنيّة» عن العمل بالكُليّة! 
 
منذ وضع الإغريق معمار الدراما كانت البطولة للعبة الاستعارة.. أن تستعير حكاية وشخصيات وتُعيد ترتيبهم فى فضاء مُخطَّط مُسبقًا، ورغم قرون التطوّر لم تختلف عناصر الصنعة: الفكرة والحبكة والشخوص والحوار. كلمة دراما نفسها تعنى «فِعل»، وكان من دلالاتها اعتماد المفارقة أو النقلات الحدثية الكاشفة، واختزالا فإن «جعفر العمدة» دراما مُستوفية الشروط، تُخاطب طبقات مُتعدّدة من المُتلقّين وفق تقنيات بصرية وخطابية تُراعى تفاوت السياقات الاجتماعية والمعرفية والجمالية لجمهوره المُستهدف، وحتى الآن يُمكن القول إن الرهان أصاب أهدافه كاملة!
 
المدخل عند محمد سامى، كاتب العمل ومخرجه.. «جعفر» ثالث تجربة ناجحة له مع محمد رمضان بعد «الأسطورة 2016» و«البرنس 2020»، والأول تحديدًا كان ظاهرة كاسحة وقتها وإلى الآن فى حجم المُتابعة وتحوّل شخصيته الرئيسية إلى مستوى يُقارب البطل الشعبى.. «التالتة تابتة» كما يقول المثل، ونحن أمام ثنائى لديهما كيمياء وتفاهم أو يملكان وصفة مضمونة لمخاطبة الجمهور، التبسيط أو عدم الالتفات إلى هذا المدخل يخصم كثيرًا من موضوعية أية محاولة لقراءة ملامح التجربة.
 
دراما «جعفر العمدة» تذهب إلى أهدافها من أقصر الطرق، لا تنشغل بأية تعقيدات ولا تحاول تعلية أبنية ضخمة هندسيًّا لكنها قد لا تجد المُشترين والسكّان.. هكذا يشتغل المسلسل على حبكة بسيطة وتقليدية للغاية، ويقتصد فى شخصياته مع مَسحة لا تخلو من النمذجة والتنميط، ويُطوّر مساره الخطّى بمفارقات وانتقالات تبدو مُتوقّعة وفى المتناول تمامًا، نظريًّا قد لا يبدو أن العمل يُقدّم جديدًا على أى من مستويات الصنعة، وعمليًّا فإنه يصل إلى غايته عبر براعة توظيف هذا العادى فى طبخة لها رائحة جذابة ومذاق حرّيف كأكل الشارع!
يملك «سامى» وصفة واضحة لصناعة عمل جذّاب، تقوم على كتف نموذج البطل الشعبوى أو «سوبر هيرو الشارع».. شخص ابن بلد، يُظلم لكنه لا يفقد ثقته فى نفسه، قادر على هزيمة الآخرين والظروف وأى خصم ولو فاقه قوّة ووجاهة، ورغم «إيده الطايلة» فإنه محبوب وعطوف ورقيق القلب وليّن الجانب وبار بأهله. صناعة هذا النموذج تتأسّس لدى محمد سامى على العاطفية والميلودراما، فيبدأ العمل من تيتر ملىء بالحنين وبكائية على لسان جعفر المُعذّب بمتاعبه والحالم بعودة ماضيه البسيط، وكذلك يصبح خطف ابنه الرضيع أكثر قسوة وإيلامًا من عدم إنجاب شقيقه سيد، أو من وفاة وسجن ابنى غريمه حمادة فتح الله، وفوق ذلك يتفانى فى التخفيف عن أهله بتلفيق موت طفله المخطوف، فأن يحرمك الله من الإنجاب أو تعرف لأولادك قبرًا أهون من أمل اللقاء بعد الضياع، ولا أحد يتحمّل تلك المعاناة سوى جعفر!
 
يبتكر العمل إيقاعا يُوازن بين التأنى والتشويق، بين الاقتراب نفسيًّا من الشخصيات والحفاظ على مستوى من التدفق الحكائى اللاهث، لكن جاذبيته الأساسية تنبع من عناصر تتصل بنفسية المُتلقّين، فالتلصّص على أسرة «نموذج» يتوفر لها المال والجاه والحياة الهادئة أمر مُغرٍ، وخلق سياق من التعويض فى صورة البطل الثرى المُعافى القوى المهاب محبوب النساء دون ميزة استثنائية أو أفضلية اجتماعية أو تعليمية يُحقّق الإشباع للمُتفرّجين الذين يمارسون أحلامهم فى استعارات الدراما.. تلك الصيغة تُعنى بإنتاج صورة نمطية تُغذّى خيال المُتلقى، وفى سبيل ذلك قد يهتز بناء الشخصيات الضدّ، أو تمرّ على الدراما ثغرات أو أحداث منزوعة الدوافع أو غير مُبرّرة، كأن تغيب أية معلومة عن تجارة جعفر ونشاطه ومصادر ثروته الضخمة، أو يبدو التأسيس للصراع مع «فتح الله» ضعيفًا وغير مُقنع، أو تحوّلات «دلال» وهروب «بلال» المتكرّر وشخصية الراقصة وابنتها المُقحمتين لتوفير مسرح للقاء الابن، ومصادفة أن يعيش مع هذا الابن دون علمه.. المنطق ليس السؤال الأساسى، وكل التفاصيل تعمل فى خدمة حالة التشويق وتخليق أسطورة البطل المدهشة من فرط عاديتها!
 
تكتمل الخلطة بموسيقى خالد حماد وما اعتمدته من أجواء ملحمية تُترجم حالات الكشف والتصعيد النفسى وخلق مستوى من التشويق، مع اعتماد الوتريات واللعب بـ«تيمات عاطفية» للتأثير على المتلقى أو شحن مشاعره وتوجيه موقفه من الدراما.. بدا ذلك واضحا فى اختلاف مستوى توظيف الموسيقى بين عائلة العمدة وخصومها من «آل فتح الله» وغيرهم. وانحازت صورة نزار شاكر إلى الجمالية والتكوينات الثرية بصريًّا بتعدُّد مصادر الإضاءة ومستويات تدفقها بدرجة تُبرز معمار اللقطة وتستكمل درامية الحدث، بينما راعى المونتاج طبقات الحكاية فكان هادئًا وصبورًا فى مشاهد الحكى والاسترسال والأجواء العائلية، ومشوّقًا ولاهثًا فى المعارك والمطاردات، فما بين «قلم المخرج» و«مقص المونتير» ظل الإيقاع مشدودًا إما ببهارات الحكاية والحوار أو بتنوّع وانتقالات الصورة.
 
التمثيل أهم مكونات الوصفة، حدث ذلك فى الأسطورة والبرنس سابقًا.. يهتم محمد سامى دائمًا بالشحن العاطفى ومبالغات الأداء، ويُوظّف عناصره التمثيلية وفق قدرتها على تغذية حالة الحشد النفسية وتصعيد المباراة مع الآخرين.. وفق سرّ الخلطة كانت هالة صدقى لامعةً للغاية، ومى كساب ولبنى ونس ومنة فضالى، وتفوّق أحمد فهيم على الجميع بأداء ميلودرامى يُطابق شخصية سيّد ويبرز بالتناقض استثنائية جعفر.. ويُحسب للعمل أنه منح مساحات مُلفتة لوجوه شابة، أبرزها: عماد صفوت وأحمد عبدالله ولمى كتكت، وإجمالاً حقّق «جعفر العمدة» ذيوعًا وانتشارا واضحين للغاية، منحازا للتسلية والترفيه كأحد أهم رهانات الفن، ومؤكّدًا أن «سامى ورمضان» بينهما كيمياء واضحة، وأن لديهما وصفة مُجرّبة لصناعة «سوبر هيرو» من الشارع، قادر فى غالب الأحوال على حجز مساحته لدى المشاهدين وعلى إحراز النجاح!

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يتوج بالسوبر الأفريقي لليد على حساب الترجى ويتأهل لمونديال الأندية (صور)

وكالة الأونروا: وزعنا آخر 277 ألف كيس طحين لدينا منذ 3 أسابيع

أسامة نبيه: سعيد بالتأهل لكأس العالم للشباب.. وتركيزنا الآن على المغرب

الرمادى: أتحمل مسئولية خسارة الزمالك أمام بيراميدز وغير راض عن الأداء

الأهلي يتقدم على الترجى التونسى 11 - 8 بالشوط الأول فى نهائى السوبر الأفريقى لليد


بشرى سارة.. "التعليم" تعلن عن مسابقة فى يونيو لتعيين معلمى الحصة

الحرارة ترتفع لـ 44 درجة.. تغيرات مفاجأة فى حالة الطقس اعتبارا من الجمعة

الزمالك يفقد فرصة المشاركة فى دورى أبطال أفريقيا رسميا بعد الخسارة من بيراميدز.. صور

ترتيب دورى نايل "مجموعة المنافسة على الدورى" بعد انتهاء الجولة السادسة

75 دقيقة.. هدوء نسبى بين الزمالك وبيراميدز وتعديلات فنية للفريقين (0-1).. صور


كروس: كنت أشك في الفوز على برشلونة.. ومررنا بموسم مرهق

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

التحقيقات: التيك توكر أم رودينا تمتلك حسابا بـ2.4 مليون جنيه ومحافظ إلكترونية

جنازة سما عادل إحدى ضحايا حريق خط غاز طريق الواحات من مسجد الحصرى غدا

أفضل 10 إطلالات للنجمات على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائى.. صور

احتفالات فى اليوم السابع وصوت الأمة بفوز الشاذلى بعضوية مجلس نقابة الصحفيين

من يشارك في السوبر الإيطالي 2026؟

سوء الحظ يطارد موهبة الأهلى محمد عبد الله. .إصابة وحادث ورحيل منتظر

شاهد الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة السلاح الأبيض داخل مسجد بالسلام

وزير العمل يعلن 1072 فرصة عمل فى الإمارات بمرتبات تصل لـ55 ألف جنيه

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى