شيخ الأزهر: الإسلام شرع الطلاق لإخراج المرأة من سجن الجاهلية المظلم

 فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
كتب لؤى على

واصل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، حديثه عن «فوضى الطلاق» في برنامجه الرمضاني الإمام الطيب، حيث تناول فضيلته في الحلقة الحادية والعشرين حادثة الطَّلاق وموقف شريعة الإسلام منها، والتأكيد على ما ذكر فى الحلقات السابقة من أنَّ فلسفةَ الإسلام في بناءِ الأُسرة تستبعدُ جَذْريًّا اللجوء إلى هذا الحل ما أمكن تفاديه وإنقاذ الأسرة من عواقبِه الأليمة.

 

وأضاف فضيلته خلال الحلقة الحادية والعشرين من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» أن أوَّل ما يَلفت أنظار الباحث في أمر الطَّلاق هو أنَّ الإسلام لم يُشرِّعه للمسلمين كشرع جديد لم يكن للناس عهدٌ به من قبل، وهو في ذلك يشبه موضوع تعدُّد الزوجات، بحيث يصح القول بأن أيًّا من فوضى «التعدُّد» وفوضى الطَّلاق ليس تشريعًا إسلاميًّا جديدًا على الناس مسلمين وغير مسلمين، بل العكسُ هو الصحيح تمامًا، وقد مرَّ بنا أن التعدُّد بين الزوجات في الجاهلية قبل الإسلام لم يكن له سقف يتوقف عنده، وأنَّ الإسلام هو الذى حدَّد هذه الفوضى بأربع فقط، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بموضوع الطلاق، الذى وقف منه الإسلام نفس الموقف من تعدُّد الزوجات.

 

وأوضح فضيلة الإمام الأكبر فى برنامجه الذي يذاع عبر عدد من الفضائيات المصرية والعربية أن الإسلام ظهر وللرجل كامل الحق في أنْ يُطلِّق زوجته أي عدد شاء من الطلقات، ويراجعها في عِدَّتها فتعود إلى عصمته متى شاء، وقد ترتَّب على هذه الحرية الهوجاء في التطليق والإمساك لحوقُ أضرار بالغة بالمرأة جعلت منها أسيرة كَرٍّ وفرٍّ، وجزرٍ ومدٍّ، لعصمة هؤلاء الرجال ونزعاتهم اللاإنسانيَّة.. وقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الحال، وأصاب المرأة المسلمة في بداية الإسلام ما أصاب مثيلاتها الجاهليات من هذا العبث المستقر والمبرر في أعراف الجاهلية.

 

وتابع فضيلته أن المفسِّرين ذكروا أن رجلًا هدَّد زوجته في عهد النبي ﷺ بأنه لن يأويها إليه، ولن يدعها تحل لزوجٍ غيره، ولما استفسرت منه الزوجة عن هذا الأسلوب الوحشي في سحق المرأة قال لها: أطلقك، فإذا أوشكتْ عِدَّتك على الانتهاء راجعتك، فرفعت الزوجة أمرها إلى النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، وأوقف هذا العبث، وإلى الأبد، وجعل للزوج الحق في أن يطلق الزوجة مرة ويردها في العِدَّة، وثانية ويردها في العِدَّة أيضًا: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}.

 

ولفت شيخ الأزهر إلى أن القرآن بذلك أوَّلًا: حدد مرَّات الطلاق بمرتين فقط قابلتين لرجعة الزوجة لزوجها، ثانيًا: إذا طلَّقها الثالثة فليس للزوجِ إمساكها، بل عليه تسريحها بإحسان – ولا يحل له أن يمس حقًّا من حقوقها المالية بحالٍ من الأحوال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، ثالثًا: استثناءٌ من حرمة أخذ حقوق المرأة، هذا الاستثناء هو ما يُعرَف بالخُلْع، فهاهنا يجوز للمرأة التي تكره زوجها أن تخالعه وترد إليه ما أعطاها من مهرٍ وما يجري مجرى المهر شرعًا وعُرفًا: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

 

وأكد شيخ الأزهر أن المستفاد من ذلك أن تشريع الطَّلاق في الإسلام إنَّما جاء لإخراج المرأة من سجنٍ مُظلمٍ، ولتحريرها من شريعة جاهلية ومنهاجٍ ظالمٍ، وإذا سأل سائل: ما هو حُكم الطَّلاق في الإسلام؟ فالجواب: أنَّ اختلاف العلماء فيه أمر معلوم، إلَّا أنَّ الرأي الذي تدعمه الأحاديث النبوية والقيم الإنسانية الاخلاقيَّة التي عرضنا لها في بداية هذه الحلقات، وقُلنا: إنَّها الظهير الثابت وراء كل تشريع – هو الرأي القائل بأن الأصل في الطلاق هو: الحظر، بمعنى: الحُرْمَة، أي: حُرْمَة الإقدام على تطليق الزوجة، اللهمَّ إلَّا لأسبابٍ تحول بين تحقيق الهدف أو الغاية من العيش في إطار هذا الرباط المقدَّس.

 

ونقل شيخ الأزهر عددًا من الأدلة من آراء أئمتنا في حكم الطلاق، وأنَّ الأصلَ فيه هو: الحظر، أي: المنع.. وفي شيء من التصرُّف يقتضيه تبسيط لغة هذه النُّصُوص، يقول فيلسوف المذهب الحنفي: الكمال بن الهمام: «والأصح في الطلاق حظرُه إلَّا للحاجة»، ويقول صاحب الجوهرة: «الأصل في الطلاق الحظر، لما فيه من هدم الأسرة التي تعلَّقت بها المصالح الدِّينيَّة والدُّنيويَّة»، وفي درر الحكام: «الأصح حظره إلَّا لحاجة»، وعند الإمام أحمد: «يحرم الطلاق ويباح عند الحاجة»، ويقول ابن تيمية: «الأصل في الطلاق الحظر، وإنَّما أُبيح منه قدر الحاجة».

 

وتابع شيخ الأزهر عرض الأدلة بذكر النَّصِّ الذي أَوْرَدَهُ الفقيه المُجَدِّد «ابن عابدين»، والذي يقولُ فيه: «إنَّ الأصلَ في الطَّلاق الحظر، بمعنى أنَّه محظور إلَّا لعارض يُبيحه، وهو معنى قولهم الأصل فيه الحظر؛ والإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي ومجرَّد كفران بالنِّعمة، وإلحاق الإيذاء بها وبأهلها وأولادها، فحيث تجرَّد عن الحاجة المباحة المبيحة له شرعًا يبقى على أصله من الحظر، ولهذا قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}، أي: لا تطلبوا الفِراق».

 

وحذر شيخ الأزهر من تفسير «الحاجة» التي يُباح معها الطَّلاق أنَّها الرغبة في التغيير، أو الوقوع في الغرام بأُخرى، أو غير ذلك مِمَّا يرجع إلى حظوظ النفس ورغباتها وشهواتها، أو مِمَّا يرجع إلى مَكيدةٍ للزوجةِ أو لأسرتها؛ فكل هذه حاجات هابطة وغير مُعتبرة في ميزان شريعة الإسلام، ولا تصلح أن تكون من العوارض التي يتغيَّر معها حكم الطلاق من الحظر والحُرْمَة إلى الإباحة.. وأنَّ الحاجة التي يعتبرها الفقهاء، ويتغير معها حكمُ الطلاق هي الحاجة الشرعيَّة وليست الشخصيَّة، ويستدل الفقهاء على ذلك بالحديث الشريف: ««تَزَوَّجوا، ولَا تُطَلِّقُوا، فإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الذوَّاقينَ، ولا الذوَّاقاتِ» أي: عبيد المتعة الحِسِّيَّة والشَّهَوَات الغريزيَّة.

 

واختمم شيخ حلقته الواحدة والعشرين بأن جُملة القول فيما سبق: «أنَّ الأصْلَ في الطَّلاق، فيما يقولُ هؤلاء الأئمَّة الأعلام، الحظر بمعنى: الحُرْمَة، وأنَّه لا يُباح إلَّا لحاجةٍ تدعو إليه، والحاجة المعتبرة في الاستثناء من حكم الحُرْمَة، هي الحاجة التي تتعذَّر معها المعيشة الزوجيَّة المشتركة».

 

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأسئلة مع الإجابات.. امتحان الإنجليزى للثانوية العامة على جروبات الغش

رئيس البرلمان الإيراني: لا مصداقية لمواقف ترامب.. ونواجه حربا نفسية

مواعيد مباريات اليوم.. سان جيرمان أمام إنتر ميامي وفلامينجو ضد البايرن بمونديال الأندية

تداول أسئلة امتحان اللغة الإنجليزية للثانوية العامة.. والتعليم تحقق

دي ماريا يتخطى وسام أبو علي ويتصدر ترتيب هدافي كأس العالم للأندية


الأهلي يرحب برحيل حسين الشحات وأفشة فى الميركاتو الصيفى

عيد ميلاد فريدة فهمي.. رحلة "فراشة الاستعراض" التي أبهَرت العالم

65 مليون دولار تنعش خزائن الفرق العربية فى كأس العالم للأندية

مقترح فى الزمالك بعدم خوض الفريق تدريباته بميت عقبة.. اعرف السبب

الطقس اليوم.. ارتفاع بدرجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة والإسكندرية 31


مواعيد مباريات كأس العالم للأندية اليوم 29-6-2025 والقنوات الناقلة

بايرن ميونخ وفلامنجو فى ملحمة أوروبية لاتينية بمونديال الأندية.. الليلة

باريس سان جيرمان وإنتر ميامي فى مواجهة نارية بمونديال الأندية

تشيلسى يتأهل لربع نهائى مونديال الأندية برباعية ضد بنفيكا فى 120 دقيقة مثيرة

القومى لحقوق الإنسان يستعد لانتخابات 2025 بنشر ثقافة المشاركة السياسية

قبة الحرارة.. إعصار يواجه أوروبا ويسبب موجة حر شديدة.. يونيو يحطم الأرقام القياسية.. الفوضى تعم باريس ومصرع شخصين وانقطاع الكهرباء.. وفاة شخص بسبب ارتفاع الحرارة بإسبانيا.. تأهب فى اليونان وقبرص خوفا من الحرائق

محافظة الدقهلية تدعم الإنتاج الزراعى بعدة مشروعات قومية.. إنشاء ثلاجات لحفظ الخضروات والفاكهة.. زيادة الإنتاج فى الدواجن واللحوم عن طريق تطوير مزارع التربية وتسمين الماشية.. وإقامة محطات جديدة للفرز والتعبئة

160 مليار جنيه لدعم السلع التموينية والخبز في موازنة 2025/2026

شاهد صورة سائق النقل المتسبب فى حادث الطريق الإقليمى ومصرع 19 حالة

كيف كشفت النيابة العامة تفاصيل حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية؟

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى