سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 16 إبريل 1957.. استشهاد السفير كمال الدين صلاح فى «مقديشو» بطعنة سكين بعد ثلاث سنوات عاشها بين الصوماليين من أجل استقلال بلادهم

السفير كمال الدين صلاح
السفير كمال الدين صلاح
سعيد الشحات
«كان السفير كمال الدين صلاح مندوب مصر فى مجلس الأمم المتحدة بالصومال يعبر الشارع أمام بيته بالعاصمة «مقديشو»، وفجأة هجم عليه رجل يحمل سكينا طويلا، وطعنه فى ظهره، وظل يطعنه إلى أن سقط مضرجا بدمائه، وتمكن بعض الذين رأوا الحادث من القبض على القاتل، أما «صلاح الدين» فكانت لديه بقية من قوة مد بها يديه إلى الوراء وانتزع السكين المغروس فى ظهره، وعندما وصلوا به الى المستشفى، أسلم الروح فى 16 أبريل، مثل هذا اليوم، 1957 وفقا للكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «مؤامرة فى أفريقيا».
 
كان كمال الدين صلاح، من طراز وطنى ودبلوماسى فريد، ولد يوم 28 مايو 1910، وبدأ حياته مناضلا فى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، حسبما يذكر فتحى رضوان، فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب»، وفى عمله الدبلوماسى تنقل من عاصمة إلى أخرى منذ تعيينه بالقدس عام 1936، وفى إبريل 1954 كان قنصلا لمصر فى مرسيليا ثم تلقى قرار الحكومة المصرية بنقله إلى الصومال ليكون ممثلا لمصر فى لجنة ثلاثية مكونة من مصر وكولومبيا والفليبين، وشكلها مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة، وتقيم هذه اللجنة فى الصومال لمراقبة عملية نقله من مرحلة الوصاية إلى الاستقلال، وكان الصومال الخاضع للسيطرة الإيطالية ضمن 11 دولة أغلبها من أفريقيا يقعون تحت هذه الوصاية.
 
يذكر «بهاء الدين» أن كمال الدين صلاح، ظن فى البداية أنه سيحيا حياة هادئة فى الصومال، لأنه بلد صغير فقير لم يعرف العالم عنه أنه يثير مشاكل من أى نوع، وأن الوصاية ستنتهى فى عام 1960 يصبح بعدها مستقلا، وسافر بهذا التصور، ولم تمض أسابيع قليلة حتى وقع فى غرامها، ووقع أهلها فى غرامه.
 
تجول فى أنحاء الصومال أسبوعين قطع خلالها ثلاثة آلاف ميل بسيارة جيب، واختلط خلال الرحلة بالأهالى وتحدث إليهم وصلى معهم فى المساجد وخطب فيهم شارحا وضع بلادهم والدور الذى يجب أن يقوموا به ليحققوا استقلالهم، ويسجل مشاهداته وانطباعاته عن الصومال وأهلها فى رسالة إلى زوجته، يذكر بهاء الدين نصها، وقال فيها: «كثيرون هنا يعيشون على الفطرة كيوم هبط جدنا آدم إلى الأرض، وعشرات الألوف فى الغابات والمراعى شبه عرايا، ليس على أبدانهم سوى ما يستر عوراتهم ويأكلون مما يحصلون عليه من جيد الغابة وألبان الإبل والأغنام، وفى المناطق الصحراوية والمراعى يبيت الناس فى العراء، وقد يكون لسلطة القبيلة أو زعمائها أكواخ من القش وفروع الأشجار، وحتى العاصمة مقديشو، أحياء الوطنيين فيها فقيرة كئيبة، ورغم أن هناك مساحات واسعة من الأراضى تصلح للزراعة، فإن أغلب الناس منصرفون عنها، فهم لا يعرفون طرق الزراعة ويعجزون عن مجاراة الإيطاليين الذين يزرعون المناطق القريبة من النهرين بالآلات الحديثة».
 
يكشف كمال صلاح الدين فى رسالته إلى زوجته: «هؤلاء الفقراء الذين يأكلون من صيد الغابات يتقدمون فى فهمهم السياسى والقومى بشكل عجيب، ففى أقصى الغابات وجدت واحدا عنده راديو بطارية يسمع منه الآخرون نشرات الأخبار، ووجدتهم يعرفون أخبار مصر معرفة دقيقة، إنهم يتتبعون مواجهة الجلاء والحلف العراقى التركى وسفر جمال عبدالناصر إلى مؤتمر باندونج، إنهم يتعلقون بمصر تعلقا شديدا وينتظرون منها أن تساعدهم».
 
هذا الغرام جعله يعمل كل جهده من أجل هذا البلد، ووفقا للدكتور محمد عبدالمؤمن عبدالغنى، فى كتابه «مصر والصراع حول القرن الأفريقى «-1954 1981»: «كان له دور كبير خلال فترة عمله التى استمرت ثلاث سنوات تقريبا، وكان نشاطه مع الصوماليين كبيرا فى توعيتهم ضد سياسة الإدارة الإيطالية التى تخالف مصالح الصومال، وكان يخلق رأيا عاما داخليا ضد مآرب إيطاليا، وتم ذلك من خلال جهود مصر فى مجال الدعوة الإسلامية ودعم اللغة العربية، وهدد خطط إيطاليا لربط الصومال بها بعد استقلاله».
 
فى ضوء ذلك حاربته إيطاليا، وشجعت الجماعات الصومالية المرتبطة بها على مضايقته، ويعبر عن ذلك فى خطاب إلى زوجته: «بعض المسؤولين هنا يتعمدون مضايقتى والإساءة إلى حتى تصبح إقامتى غير محتملة»، لكن ووفقا لبهاء الدين: «تتضاعف قوته لأن أبناء الشعب الصومالى المخلصين يقدرون جهاده ويعتبرونه واحدا منهم».
 
 لم تجد إيطاليا وأعوانها أمام ذلك إلا الاغتيال وسيلة للتخلص منه، وفى يوم 16 إبريل 1957 أثناء عبوره الشارع أمام بيته، هجم عليه شخص يدعى «شيخ عثمان» بسكين طويل طعنه به فى ظهره، وتمكن بعض الذين رأوا الحادث من القبض على المتهم، وبالرغم من قدرة «كمال الدين» على انتزاع السكين، ونقله إلى المستشفى، إلا انه أسلم الروح فيه، وودعه الصوماليون فى جنازة مهيبة وصلوا عليه فى مبنى البرلمان، ورافق جثمانه إلى مصر وفد صومالى قابل الرئيس جمال عبدالناصر. 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

انتخابات مجلس النواب.. بدء الصمت الانتخابي فى 55 دائرة ضمن المرحلة الثانية

ريال مدريد يواجه ألافيس لاستعادة الثقة فى الدوري الإسباني.. موقف ألونسو

المونوريل أول نظام حضرى متكامل فى الشرق الأوسط وأفريقيا.. تفاصيل

الظهور الأول لـ هدير عبد الرازق وطليقها أوتاكا أمام المحكمة

روبوت يختفى تحت جليد القطب الجنوبى 8 أشهر ويعود بمعلومات تثر الذعر.. ما القصة؟


مواعيد مباريات الزمالك فى بطولة كأس عاصمة مصر

لو أولادك مش على بطاقتك التموينية.. اعرف تضمهم إزاى

توروب: هدفى تطوير أداء لاعبى الأهلى.. وهذا موقفى من عودة معلول

إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج

أحمد السقا: صعبت علىّ نفسى بعد فيديو محمد صلاح.. وهذا سبب حديثى بالإنجليزية


شاهد أول صور من حفل زفاف التونسية دارين حداد فى دبى

أكاديمية الشرطة تعلن نتائج اختبارات المتقدمين للعام الدراسى.. غدا

المتسابق عبد الله عبد الموجود يحصل على أعلى الدرجات ببرنامج دولة التلاوة

ابن جليلة محمود يكشف لـ اليوم السابع تطورات حالتها بعد دخولها العناية المركزة

كوناتى مدافع ليفربول يكشف مستقبل محمد صلاح بعد مباراة برايتون

بسبب الميراث.. شقيقان يعتديان على شقيقهما ويحاولان هدم غرفته بكفر الشيخ

فلامنجو يهزم بيراميدز 2-0 فى نصف نهائى القارات ويتوج بكأس التحدى.. صور

جماهير ليفربول تغنى لـ محمد صلاح بعد مباراة برايتون.. فيديو

أول تعليق من آرني سلوت عن محمد صلاح بعد التألق في مباراة ليفربول ضد برايتون

نتنياهو وكاتس: أصدرنا أوامر اغتيال رائد سعد القيادي بـ"حماس" لإعادة تسليح الحركة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى