إعلان شعبى بـ«دحر الإرهاب» على شواطئ سيناء

حازم حسين
حازم حسين
مشهد كان خيالا بعيدا قبل سنوات، استغرق بضع ساعات على شواطئ العريش؛ لكنه يُلخّص مسيرة طويلة من الجهد والتضحية ومُكابدة أقسى التحديات.. عندما اجتمع آلاف من أهالى شمال سيناء على مائدة إفطار واحدة فى 27 رمضان لم يكونوا وحدهم فى هذا الزحام المبهج العظيم، وإنما كانت قلوبنا جميعًا تُقاسمهم الفرحة والطمأنينة، وقبلنا أرواح مئات الشهداء وجروح آلاف المصابين ممّن أنفقوا أثمن ما فى الصدور أو حملوا تذكارات قاسية على الأجساد؛ حتى نعبر الشوك والفِخاخ وصولاً إلى اللحظة الاستثنائية اللامعة.. كأن أرض الفيروز تُمدّد ساقيها بوداعة وأريحية فى المتوسط، وكأن الجميع يصطفّون فى السلم كما اصطفّوا فى الحرب ليُسجلوا شهادة ميلاد جديدة للحياة ها هنا، ويشطبوا بالممارسة العملية الدامغة آخر ما تبقّى من خيالات الماضى الصعب.
 
بساط أخضر يمتد قرابة 6 كيلومترات، وآلاف الأُسر يحملون طعامهم أو يلتقون على أطباق الآخرين.. أخبرنى صديق شهد الحدث أن نصف أهل العريش حضروا التجمّع الأكبر فى المدينة منذ سنوات، وجُهّزت الوليمة بـ31 عجلا بنحو 9 أطنان تكفى أكثر من 30 ألف شخص، فضلاً عن مساهمات العائلات؛ وحتى لو كان فى حديثه شىء من المبالغة فإن الصور والحكايات والأرقام تُؤكد أن مائدة الشاطئ العملاقة كانت واحدة من أضخم تجمعات الإفطار، على كثرة ما فى بلادنا من موائد وأجواء عامرة طوال رمضان، والمعنى العميق من وراء المشهد ليس الاحتفال باستعادة الحياة والأمن بعد دحر الإرهاب فقط، وإنما تأكيد أن الحرب الطويلة كانت معركة بلد كامل، خاضها الجميع معًا ويقتسمون ثمارها معًا، أمنًا وسلامًا فى معاشهم أو تنميةً ورخاءً لمستقبلهم، وقبل كل ذلك تأكيد سردية سيناء الماثلة فى وعينا العام دائما، فالبوابة الشرقية أكبر من كونها سُدس مساحة البلد، بل ومن رمزيتها التاريخية والعقائدية، وإنما هى كتاب حى لنضال المصريين قديما والآن، ودُرة التاج فى جغرافيا مصر، والجوهرة العصيّة على التطويع والاستكانة لأى غاصب أو طامع.
 
عانت سيناء طويلا من الإرهاب، والحكايات الكثيرة لا تحتاج تذكيرًا بحلقاتها، كلّنا عشنا الأجواء المُلتهبة وانخلعت قلوبنا مع الحوادث السوداء.. بدأ الأمر قبل قرابة عقدين؛ لكنه توسّع مع تداعيات 2011، وتكفّل الإخوان فى سنتهم السوداء بإشاعة الفوضى ودعم مطاريد الساحات الإقليمية المُشتعلة؛ حتى تجاوزت الحركات النشطة ثلاثة عشر تنظيمًا، فضلا عن مجموعات الهاربين والمهرّبين، بنحو اثنى عشر ألف إرهابى أو يزيد، وبتوظيف واسع للحدود البرية والبحرية والأنفاق، ودعم غير محدود من دول وأجهزة؛ صحيح أن مصر لم تكن غافلة وبدأت الحرب مُبكرا بالعملية «نسر» فى 2011، إلا أن مناخ السيولة الناجم عن حالة الانفلات صعّب المهمة، وكأن أصعب ما فيها أن نُنجز التطهير دون إضرار بالمدنيين، وتتابعت الجهود من عملية سيناء وقت تحرير الجنود المخطوفين فى مايو 2013، إلى حق الشهيد 2015، ثم العملية الشاملة، ومنذ 2018 انكسرت الموجة السوداء وانحسرت وتيرة العمليات، حتى استتبّت الأوضاع قبل ثلاث سنوات إلى درجة تُقارب الأحوال العادية.
 
أواخر فبراير الماضى شهد الرئيس السيسى اصطفافا للمعدات المشاركة فى تنمية سيناء، وكانت الرسالة الأوضح فى احتفاله مع قوات شرق القناة مطلع إبريل الجارى بذكرى العاشر من رمضان، فى إشارة عميقة إلى اكتمال عملية التطهير، كما أكمل الآباء التحرير فى معركة أكتوبر الخالدة.. اختلف العدو والزمن وشكل الصراع؛ ولكن انتصرت سيناء وأهلها كالعادة، بدأ الانتصار مع انطلاق مسار التنمية تحت أصوات النيران وضربات الإرهاب منذ 2014، واكتمل بتسارع وتيرة الإنجاز والتقاء أهل العريش معًا على مائدة واحدة فى 2023.
 
قال الرئيس خلال لقائه مشايخ وعواقل سيناء على هامش الإفطار، إن اتحاد الأهالى مع الدولة كان وقود المعركة الفعّال، وأحبط غاية الإرهاب فى تعطيل الحياة والتنمية، وإن المرحلة تقتضى حضورا أوسع لكل أجهزة الدولة، ووتيرة عمل أسرع لتعويض ما أخّرته الظروف، لا سيما مع استراتيجية وطنية طموحة للتمدُّد أفقيًّا وتوسعة المعمور من نحو 7 إلى 12 %.
 
وأشار الرئيس إلى أن تكلفة تنمية سيناء تتراوح بين 40 و50 مليار دولار، وتؤكد الأرقام بحسب الهيئة الهندسية أن السنوات التسع الماضية شهدت إنفاقًا يُقارب 480 مليار جنيه وُجّهت لـ460 مشروعا انتهت 340 منها ويجرى إنجاز 102 وتتبقى 18 للتنفيذ، شملت 3 مدن جديدة ونحو 1600 كيلو من الطرق والمحاور و22 مشروعا لتحلية المياه و45 تجمّعًا بدويًّا، فضلا عن مناطق استثمار واستصلاح زراعى ومدارس ومرافق صحية وخدمية وغيرها وفق برنامج تنموى شامل.
 
رؤية الدولة لسيناء تغيّرت؛ لم يعد مقبولا أن تظل مجالاً مفتوحا تكويه العزلة عن الجسد الأم.. وفق تلك الفلسفة ترافقت خطّة التنمية مع تعميق ارتباط جغرافيا سيناء الفسيحة ببقيّة الخريطة، عبر حزمة من الجسور والأنفاق، ومعابر تنموية تصل ضفتى قناة السويس لتكون مُرتكزًا لإعادة تخطيط المنطقة بكاملها ديموغرافيًّا، واليوم تحضر القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بكامل ثقلها، وتعمل عشرات الشركات الوطنية وآلاف المهندسين والعمال، ويعبر المجرى الملاحى يوميًّا قرابة 12 ألف سيارة و32 ألف مسافر، وهو مستوى من الزخم لا يقل عن اتصال أية محافظة مصرية بجارتها أو بقلب الدولة ومركزها.. كل أعدائنا أرادوا أن يُحصّنوا أطماعهم فى سيناء بالموت، وعبر تسييجها بدائرة حصار من النار والرعب، وأرادت الدولة أن تُعيدها إلى حضن الوطن مُحصّنة بالحياة، وعلامة الحيوية أن يكون العمل فى كل مكان، وأن يجتمع الناس على الفرحة باحتشاد وإخلاص اجتماعهم على التنمية والبناء.
 
المائدة التى افترشت أكثر من نصف ساحل العريش، وتواصل التحضير لها عدة أيام، لم ترافقها ترتيبات أمنية استثنائية - فضلا عن صعوبة تغطية مجالها الفسيح - وبطبيعة الحال لم تكن سِرّية أو مفاجئة، والمعنى أنها كانت فى حماية ضيوفها الذين أتوها مُطمئنين، وأن الإرهاب لا يعيش كُمونًا أو تراجعا مؤقّتا، وإنما انتهى وجفّت مستنقعاته وبات من أحاديث الماضى، والآن شواطئ شمال سيناء جاهزة لاستقبال ضيوفها فى الصيف، كما قال محافظها خلال الإفطار الحاشد؛ لم تعد محرومةً من البهجة ولا ممنوعة على المقيمين أو الزوّار. 
 
دلالة مشهد شاطئ العريش أعمق من اجتماع حشود على مائدة إفطار تشهد مصر آلافًا منها يوميًّا، المعنى ليس فى استثنائية اليوم؛ وإنما فى العودة إلى الحياة الطبيعية.. أصبحت سيناء مثل أى شبر آخر على امتداد الوطن، يعيش أهلها الأجواء نفسها التى تعيشها أية مدينة أو محافظة آمنة فى حضن الدلتا، يخرجون ويأكلون ويعملون ويبتهجون معًا، لا يرهبهم صديق ولا يُفرض عليهم حصار من عدو.. الانتصار كل الانتصار أنّ صور الحياة على شط أقصى شمالنا الشرقى لا يمكن تفرقتها إن وُضعت إلى جانب صورنا على شواطئ الإسكندرية أو مطروح أو دمياط أو بورسعيد أو البحر الأحمر، هكذا يُمكننا القول باطمئنان وسعادة غامرة إننا انتصرنا وعادت مياه الحياة إلى مجاريها، صافيةً ودافئةً كما كانت مياه المصريين وحياتهم دائمًا.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يتوج بالسوبر الأفريقي لليد على حساب الترجى ويتأهل لمونديال الأندية (صور)

حر نار.. تحذير عاجل من الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الأربعاء 14 مايو 2025

مصر ترحب بتصريحات ترامب الخاصة بحق الشعب الفلسطيني في مستقبل أفضل

روبرت دي نيرو منتقدا ترامب من مهرجان كان: الفن تهديد للمستبدين والفاشيين

بشرى سارة.. "التعليم" تعلن عن مسابقة فى يونيو لتعيين معلمى الحصة


فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية

الحرارة ترتفع لـ 44 درجة.. تغيرات مفاجأة فى حالة الطقس اعتبارا من الجمعة

الزمالك يفقد فرصة المشاركة فى دورى أبطال أفريقيا رسميا بعد الخسارة من بيراميدز.. صور

التحقيقات: التيك توكر أم رودينا تمتلك حسابا بـ2.4 مليون جنيه ومحافظ إلكترونية

جنازة سما عادل إحدى ضحايا حريق خط غاز طريق الواحات من مسجد الحصرى غدا


الداخلية تضبط المتهم بالاستعراض بسيارة بموكب زفاف.. فيديو

الزمالك يفسخ عقد كوستا وندياى بالتراضى

سوء الحظ يطارد موهبة الأهلى محمد عبد الله. .إصابة وحادث ورحيل منتظر

البيت الأبيض: السعودية ستستثمر 600 مليار دولار فى الولايات المتحدة الأمريكية

استبعاد فينيسيوس من قائمة ريال مدريد ضد مايوركا فى الدوري الإسباني

"رونالدينيو أفريقيا".. معلومات لا تفوتك عن صفقة الأهلي المحتملة

القبض على الفنان محمد غنيم لتنفيذ حكم 3 سنوات فى اتهامه بتهديد طليقته

رئيس الوزراء يسقط الجنسية المصرية عن عدد من الأشخاص لانضمامهم لهيئة أجنبية

موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

إيقاف مباريات الدوري الليبي في طرابلس.. والبدري ممنوع من مغادرة الفندق

لا يفوتك


مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025 الثلاثاء، 13 مايو 2025 09:25 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى