جسد له خوار قصة قصيرة لـ خالد دومة

خالد دومة
خالد دومة
كانت تريد أن تكون شيئا آخر، لا جسداً تحترق بنار شهوته، كانت تبحث فى الجسد عن مكان النبض، عن النار التى تشعل القلب، وتبقى حامية، تزلزل تيار دمائها، عندما قابلها للمرة الأولى، لمح فى عينيها حيرة عظيمة، كانت تريد أن توقظ الحب من أعماقها، لتكون إنسانا، سئمت أنوثتها، وما تجلب عليها من ذباب، يتكدس على حوفها الأنيقة، والماء العكر يتحلق على ضفتيها.
 
قرأت آلاف الأغنيات، المقطوعة الألحان، غير المكتملة سمعت الأناشيد مبحوحة الصوت، عيناها الراحلتان فى الأفق البعيد. كانت تائهة، تتنفس بصعوبة شديدة، أنفاسها تتهدج، تريد أن تصرخ، لكنها تعلم مسبقا، أن أحداً لن يسمع، فتؤثر البقاء صامتة مكبوتة، إنه سمعت صرختها المكتومة، دون صوت فى اهتزاز شفتيها الضعيفتين، كانت تبحث فى عيون الآخرين عن نفسها، عن الماهية، عن القيّم فيها، كان الحزن يتشعب فيها، ويمتد حتى وصل أطرافها مقلتيها وأهدابها، كانت تبحث عن ذلك الحضن الدافئ، الذى طالما بحثت عنه، ولم تجده، وقد أرقها البحث، وكلت قدميها.
 
أوشكت أن تفقد الأمل، وتؤمن بأن لا إنسانية فى عالمنا، وأننا جميعا وحوش ضارية، وأنها كانت واهمة، حين ظنت أنه يقطن فى الأعماق، أشياء لها معنى، ولكنها فقدت المعنى، شعرت أن الأمل بدأ يتسلل إلى نفسها، وأن هناك من يحاول، أن يستخرج ذلك الكنز الرابض هناك، الخفى عن العيون، وأن ما راودها منذ سنوات الصبا حقيقة، لا خيال فيه، وإنما قد يكون واقع حي، يتحرك فى عالم البشر، وإنها بالفعل قبل كل شيء اسمى من أن تكون جسد له خوار، يستميل الأخرين لعبادته، قالت له: أننى أحب الربيع، الأشجار حين تعلوها الأوراق، والأرض تنتشر فيها الخضرة على امتداد العين، ثم تنفذ إلى الخاطر، تكسوه بالحب والجمال، هل تحب الربيع؟ هكذا سألته، قال لها: إن لها قلب عاشق، أن تهتز لرؤية الجمال، أن تعيشه، ويمتد حتى يملأها، فهى بالطبع إنسان جميل، سكتت قليلا وأشرقت مقلتيها، وفترت شفتيها بابتسامة، كست ملامحها فرحة كبيرة، كانت سعيدة، لأنه رآها من الداخل، وأن وجهها كان النافذة، التى أطلع منها إلى عالمها المجهول، كانت تحب أن يراها أحد، من زاوية أخرى غير زاوية الجسد، كانت فى حاجة، أن يذكرها أحد أنها إنسان، وليست أنثى فقط، ودت لو قبلت يده، لأنه منحها فرصة الشعور بإنسانيتها التى يبدو أنها فقدت الشعور به، منذ زمن بعيد، كانت الكلمات لامست قلبها وروحها، كان شرودها فيما آلت إليه واضح، وما أخذها إليه، إنها انتقلت من عالمنا الحاضر، إلى عالم أخر، كانت ترغب فى الذهاب إليه، لم تدرى ماذا تقول؟ فالكلمات توقفت على لسانها حائرة، ليس فى قاموس كلماتها، ما يقال، ما تشعر به، فى تلك اللحظات، لكنها ودون أن تدرى أيضا نقلته دون كلمة، نقلته باستفاضة، بلغات كثيرة، وبلهجات أوسع، نقلته فى لمحات خاطفة، وصله ألاف المعاني، التى تاه فى معانيها، ما كل هذه التعبيرات، إنه لم يكن إلا شعور أحست به، فنطقته بلا كلمات، كان ردها موضع استغراب منه، من كثرة ما اكتسح ذهنه من فكر وشعور، أنها كانت كصحراء قاحلة، فإذا بالسماء تهطل، والسيول تفيض، بعد ظمأ دام لسنوات، بل قرون، مئات السنين، حتى تشقق كل شبر فيها، وهى الأن قد أرتوت بلا حساب، حتى فاض، تحولت فى غمضة عين، إلى بساتين وحقول وأشجار باسقة، أبتلت عروق، جرى فيها دما دافئا، فقط كانت تريد أن تكون إنسان. لا جسداً له خوار.
 
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

خالد دومة يكتب: شذرات

خالد دومة يكتب: شذرات الأحد، 16 أبريل 2023 03:38 م

صلوات.. قصة قصيرة لـ خالد دومة

صلوات.. قصة قصيرة لـ خالد دومة السبت، 08 أبريل 2023 10:10 ص

خالد دومة يكتب: لا إكراه فى الحب

خالد دومة يكتب: لا إكراه فى الحب الجمعة، 31 مارس 2023 12:19 م

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزارة الطيران: تأخر محدود في إقلاع الرحلات لعطل بشبكات الاتصالات والإنترنت

اتحاد بنوك مصر: استمرار العمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء

ماريسكا: مواجهة فلومينينسي صعبة.. وتشيلسي يسير على الطريق الصحيح

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة. صور

نقل حركة الإنترنت الثابت لعملاء المصرية للاتصالات لمركز الحركة بالروضة


زلزال بقوة 5 درجات يضرب البحر المتوسط قبالة سواحل تركيا

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

يانيك فيريرا يركّز على الجوانب البدنية لرفع معدلات لياقة لاعبي الزمالك

حريق داخل سنترال رمسيس والحماية المدنية تحاول السيطرة على النيران

هل فيلم Jurassic World Rebirth هو الأخير فى السلسلة؟


ريبيرو يخطر الأهلى برفض رحيل 7 نجوم بسبب أزمة وسام أبو علي

إحالة دعوى تطالب بصرف منحة استثنائية لأصحاب المعاشات للدائرة المختصة

وزير التعليم: نظام الثانوية العامة الحالى قاس على الطلاب والأسر

اليونان: اعتراض أكثر من 750 مهاجرا غير شرعى جنوب جافدوس خلال 24 ساعة

أخبار مصر.. السكة الحديد تعلن عودة حركة القطارات على خط القاهرة الإسكندرية

تنسيق الجامعات 2025.. محظورات على طلاب الثانوية تؤدى لإلغاء اختبارات القدرات

وزير التعليم: تعديلات قانون التعليم تحقق تكافؤ الفرص والشفافية وفقا للدستور

وزير التعليم: نظام البكالوريا المصرية خطوة فارقة في تاريخ التعليم المصرى

مايكل دوجلاس يكشف سبب ابتعاده عن التمثيل: لا أريد أن أموت فى موقع التصوير

تفاصيل علاقة العندليب والمجوهرات بمعسكر الأهلي فى طبرقة التونسية..صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى