عمليات الإجلاء.. ضلع جديد لـ"الدبلوماسية الإنسانية"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى

أوضاع تبدو صعبة للغاية يشهدها السودان الشقيق، في ظل الصدام الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي يبدو مرشحا للتفاقم حال فشل الجهود الراهنة لاحتوائه، خاصة وأنه يأتي في ظل مشهد دولي مرتبك، جراء الأزمات العالمية المتواترة، وفي القلب منها الأزمة الأوكرانية، وقبلها أزمة الوباء التي توقف العالم على إثرها شهورا طويلة، وهو ما يعكس خطورة الأوضاع الحالية، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعاني إلى جانب ذلك، من الكثير من التداعيات المترتبة على الإرهاب، والفوضى التي شهدتها تلك البقعة من العالم خلال العقد الماضي، جراء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والذي كان بمثابة تهديدا لوحدة الدول وتماسكها.

 
ولكن بعيدا عن تفاصيل الأزمة الحالية في السودان، والتي نتطلع فيها إلى جهود جادة، من شأنها تقديم حلول جذرية لإنهاء حالة الصراع الراهنة، تبدو أولويات وضعتها دول العالم على رأس أولوياتها، أبرزها إجلاء مواطنيها، وإعادتهم إلى أراضيها لحمايتهم من المخاطر المحدقة بهم، جراء النزاع الحالي، وهو ما يمثل ترجمة لجزء هام من جوهر العمل الدبلوماسي، والقائم على تقديم غطاء من الحماية، من قبل الدولة الأم، إلى مواطنيها المغتربين، جنبا إلى جنب مع الاحتفاظ بوتيرة العلاقات، مع العالم الخارجي، وهو ما يصب في النهاية في خانة الاستقرار وتحقيق المصالح المشتركة للدول ومن ثم الشعوب، لنجد أن الجهود ارتكزت في الأيام الماضية، خاصة مع فشل عدة محاولات لتحقيق الهدنة، على عمليات الإجلاء، لتكون أولوية قصوى، قبل أي حديث آخر.
 
إلا أن ثمة بعدا دبلوماسيا تولد من رحم عمليات الإجلاء المتسارعة، تجلت في اعتماد الدول البعيدة نسبيا على دول أخرى، يمكنها تقديم غطاء من الحماية لمواطنيهم، عبر الابتعاد بهم عن مناطق الخطر، ونقلهم إلى مناطق آمنة نسبيا، تمهيدا لاستضافتهم، ونقلهم بعد ذلك إلى بلدانهم، وهو ما يمثل انعكاسا مهما لقوة التأثير التي تحظى بها بعض الدول، خاصة فيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع الحالات الدولية الطارئة، في إطار إنساني، وهو ما يبدو في حرص العديد من الدول حول العالم، على التنسيق مع الدولة المصرية حول إجلاء رعاياهم، على غرار هولندا وإيطاليا، وفلسطين وغيرهم.
 
الأمر نفسه ينطبق على قوى إقليمية أخرى، ساهمت في مساعدة دولا على إجلاء رعاياها المتواجدين على الأراضي السودانية، على غرار المملكة العربية السعودية، والتي قدمت يد العون في هذا الإطار إلى جوارها الخليجي، في هذا الإطار، وكذلك عددا من الدول الأوروبية التي ساعدت على إجلاء مواطني الجوار القاري، خارج الأراضي السودانية، على غرار فرنسا وإسبانيا، بفضل ما تملكاه من إمكانات كبيرة، ساهمت في قيامها بهذا الدور.
 
وفى الواقع، تبدو تلك الحالة، التي يمكننا تسميتها بـ"دبلوماسية الإجلاء"، أحد الصور الجديدة لنظرية "النفوذ"، والتي حملت العديد من المشاهد في السنوات الماضية، بدءً من أزمة كورونا، والتي تمكنت من خلالها عدة دول، وعلى رأسها الصين، تقديم نموذجا في قدرتها على الاحتواء في الداخل، ومن ثم الانطلاق نحو تقديم الدعم للدول الأخرى التي عانت جراء أعداد الإصابات الكبيرة لديها، باختلاف إمكاناتها، أو أزمة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وما أسفرت عنه من جهود إغاثية، تجاوزت فيها الدول خلافاتها البينية لأسباب إنسانية، لتصبح جهود الإجلاء، بمثابة وجها جديدا لقدرة الدول على التأثير في المحيطين الدولي والإقليمي، خاصة في زمن الأزمات.
 
وهنا يمكننا القول بأن عمليات الإجلاء، باتت تشكل ضلعا ثالثا، في إطار الدبلوماسية الإنسانية، والتي تجسدت في الاحتواء، خلال أزمة كورونا، والتي عجزت معها أعتى الدول من حيث الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية، ثم الإغاثة، خلال أزمة الزلزال المدمر الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، والتي تجاوزت خلالها الدول خلافاتها، بينما تقدم الأزمة السودانية، والتي نرجو أن تمر سريعا حقنا لدماء أبناء الشعب السوداني الشقيق، بعدا جديدا، يعتمد التعاون بين الدول، من أجل إنقاذ حياة ملايين البشر، بغض النظر عن ألوانهم أو أجناسهم أو دينهم أو دولهم، في إطار إنساني بحت، يتجاوز الأبعاد المصلحية الضيقة المرتبطة بالسياسة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

قرار جديد من النيابة بشأن المتهم بإصابة 4أشخاص وإتلاف 3سيارات بكوبرى أكتوبر

محمد صلاح والصفقات الجديدة في تشكيل ليفربول المتوقع ضد بورنموث

ميلانيا ترامب تطالب نجل بايدن بمليار دولار تعويض بسبب جيفرى ابستين

مسار يرفض رحيل مايا إيهاب رغم تمردها بسبب إغراءات الأهلى

الأرصاد تحذر: اضطراب الملاحة بهذه المناطق ونشاط رياح مثيرة للرمال والأتربة


مصير المطلقة المتمكنة من شقة "إيجار قديم" بعد إقرار القانون الجديد

البريد أبرزها.. 3 طرق لتلقى طلبات حجز وحدات بديلة لمستأجرى الإيجار القديم

العش وعمر كمال على رأس 11 لاعبا يغيبون عن الأهلى أمام فاركو الليلة

أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر

تقليل الاغتراب.. موقع التنسيق يواصل إتاحة التسجيل للمرحلتين الأولى والثانية


"الطفولة والأمومة" يحبط زواج طفلتين بالبحيرة وأسيوط

حسام حسن يستقر على 25 لاعبًا لمباراتي إثيوبيا وبوركينا فاسو

الزمالك يختتم استعداداته لمواجهة المقاولون بالدورى

ترتيب الكرة الذهبية بعد السوبر الأوروبي.. محمد صلاح يطارد ثنائي باريس

بتروجت يصطدم اليوم بكهرباء الإسماعيلية بحثا عن الفوز الأول في الدورى

عمر مرموش يتصدر أغلى اللاعبين الأفارقة في الدوري الإنجليزي الموسم الجديد

100 عام على ميلاد هدى سلطان.. باقية بمسيرتها الفنية وأعمالها الخالدة

أشرف زكى يصدر قرارا بمنع الفنانين الحديث عن أزمة بدرية طلبة بأى وسيلة إعلامية

جريندو يقترب من قيادة هجوم غزل المحلة أمام سموحة

مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى