التنافس الأمريكى – الصينى (2).. الحضارات بين الصراع والحوار

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم : بيشوى رمزى
تبدو محاولات الصين لتهدئة وتيرة الصراع على الساحة الدولية، طبقا لما أسميته في مقالي الأخير بمبدأ "إرساء الاستقرار"، لا تقتصر بأي حال من الأحوال على النزاعات الدولية بصورتها التقليدية، سواء الثنائية، على غرار نجاحها في الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، أو على غرار المعسكرات، كمساعيها الحالية للدخول على خط الأزمة الأوكرانية، والتي تمثل إحياءً للصراع التاريخي بين روسيا والغرب، وإنما تحمل إطارا أشمل، في إطار إقليمي ودولى أوسع، وهو ما يبدو في العديد من المواقف التي تتبناها للدفاع عن أقاليم بعينها، منها إفريقيا والعديد من الدول النامية، سواء فيما يتعلق بقضية المناخ أو الاحتفاظ بحقوقهم فى تحقيق التنمية، بعد سنوات من التجريف جراء استنزاف مواردهم من قبل القوى الكبرى التي سيطرت على مقاليد العالم لعقود طويلة من الزمن.
 
الموقف الصيني، لتحويل الصراعات الدولية إلى توافق، عبر القيام بدور الوسيط، بات يحمل أبعادا أوسع، خاصة لا يقتصر على العلاقات القائمة بين الدول، وإنما يمتد رأب الصدع الناشئ بين الحضارات، والذي أرسته الولايات المتحدة، نظريا منذ التسعينات من القرن الماضى، عبر نظرية صموئيل هنتنجتون، أو عمليا، بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي لم تقتصر تداعياتها على المعارك التي شهدها العالم الإسلامي، سواء في العراق أو أفغانستان، وإنما حملت أثارا عميقة داخل المجتمعات الغربية نفسها، وهو ما بدا في هيمنة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، جراء حملات إعلامية ضخمة، خلال تلك الحقبة، استهدفت الإسلام والمسلمين، دفعت إلى التحرش بهم، والإساءة إليهم، وهو ما لم تنجح الجهود المبذولة في احتوائها، مع ظهور بعض المتطرفين الذين يتعمدون الإساءة للدين الإسلامي في العديد من العواصم الغربية، بينما شنت جماعات الإرهاب هجمات استهدفت تلك المجتمعات على الجانب الأخر.
 
الرؤية الصينية، لتحويل العلاقة بين الحضارات من الصراع إلى الحوار، تجلت في مبادرة أطلقتها بكين تحت مسمى "الحضارات العالمية"، والتي تعتمد نهجا يهدف إلى التقريب بين الحضارتين العربية والصينية، في انعكاس صريح للأولوية التي تحملها أجندة بكين لتعميق دورها في المنطقة، وهو ما بدا في العديد من الخطوات المتواترة، ربما أبرزها الحرص الشديد على توسيع نطاق علاقاتها مع الدول العربية فرديا وجماعيا، ناهيك عن التقارب الملموس الذي شهدته العلاقة بين الصين وجامعة الدول العربية، والتي شهدت زيارات متواترة لمسؤولي بكين، إلى مقرها، وآخرهم وزير الثقافة والسياحة، هيو هيبنج، وذلك للتأكيد على ضرورة التبادل الثقافي بين الجانبين في المرحلة المقبلة، من أجل توطيد العلاقة ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي، وإنما اقتحام الأخر ثقافيا لتحقيق تقارب فكرى متزامن مع خطوات السياسة.
 
رؤية الصين لتحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التوافق بين الحضارات" ربما يحمل أبعادا أوسع في المستقبل، في ظل قدرتها الكبيرة على القيام، بدور يقوم على الوساطة بين الحضارات "المتصارعة"، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع السياسة التي تتبناها بكين في إدارة مختلف الصراعات، والتي تسعى إلى اعتماد دور "الوسيط" لتحقيق المزيد من الصعود على الساحة الدولية ومزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولي.
 
والملاحظ للنهج الصيني، في السيطرة على زمام المبادرة للقيام بدور الوساطة، يجد أنها تعتمد أسلوبا يقوم في الأساس على الاستحواذ على ثقة أحد أطراف الصراع، ليكون منطلقا نحو قبول الأطراف الأخرى بدورها، وهو ما يبدو في الأزمة الأوكرانية، حيث تعتمد بصورة كبيرة على علاقتها القوية بموسكو، بالإضافة إلى حالة التراجع الكبير في الثقة الدولية بالولايات المتحدة، مما يجبر الطرف الأوروبي على التفاوض مع بكين، والقبول، ولو على مضض، لدورها، وهو ما تجلت بوادره في الزيارة التي أجرتها رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير أورسولا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين، في مؤشر لتراجع، ولو جزئي في الموقف الأوروبي الرافض تجاه الدور الصيني، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على التقارب "الحضاري" مع العرب، باعتبارهم "بوتقة" الهوية الإسلامية واللغوية، والتي تمثل أحد أهم أطراف الصراع الذي أرسته واشنطن منذ التسعينات.
 
ولعل القبول العربي الكبير للصين، مؤهلا مهما لها للقيام بمثل هذا الدور، ناهيك عن جذور بكين الحضارية، والتي تحمل في طياتها ثقافة تبدو محايدة، بين الغرب المسيحي والحضارة الإسلامية في الشرق، مما يساهم في حالة أكبر من الاندماج، بين أكبر قدر من الثقافات، تدفع إلى التعددية، والتي تمثل أحد أركان الرؤية الصينية للنظام العالمي الجديد، الذي يناهض الحالة الأحادية، ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي، وإنما يمتد إلى الحالة الثقافية، في ظل رهانها على النجاح في توجيه بوصلة العالم نحو قبول الاختلاف والتوجه نحو التضامن والتكامل في مختلف مجالات الحياة.
 
وهنا يمكننا القول بأن تحويل الحضارات من حالتها الصراعية، إلى الحوار، يمثل بعدا مهما من أبعاد الاستراتيجية الصينية، في إطار التنافس مع الولايات المتحدة، في ظل تقديم نفسها، على الساحة الدولية في دور الوسيط، بعيدا عن الانغماس المباشر في أية صراعات، ومحاولة تبني مواقف معتدلة تجاه الأزمات الراهنة التي يشهدها العالم في اللحظة الراهنة.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد مباراة الزمالك وبتروجت فى الدورى المصرى والقناة الناقلة

اصطدام سفينة بجسر بروكلين فى نيويورك وإصابة 19 شخصا.. فيديو

اليوم.. سفر أول أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى المدينة المنورة

موعد مباراة الأهلي القادمة أمام فاركو فى دوري nile والقناة الناقلة

بكاء نور الشربينى وفرحة والدها بعد تتويجها ببطولة العالم للاسكواش.. فيديو وصور


صراع الأبطال.. يوفنتوس يواجه أودينيزي وروما يتحدى ميلان فى الدوري الإيطالى

قانون العمل الجديد.. غرامة 50 ألف جنيه عقوبة تشغيل العامل سخرة أو ممارسة العنف اللفظى والجسدى عليه وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت فى شأنهم الجريمة.. حظر التمييز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس

المتحدة للرياضة تعلن فتح باب حجز تذاكر ودية الأهلي وباتشوكا استعدادًا لكأس العالم للأندية

هدايا منحت الأهلى قمة الدورى.. فاركو بدأها والبنك أكملها

نهضة بركان يقترب من لقب كأس الكونفدرالية بثنائية ضد نادي سيمبا.. فيديو


درجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 18 مايو 2025 فى مصر

الأرصاد: غدا انكسار الموجة الحارة على أنحاء الجمهورية ما عدا الأقصر وأسوان

النيابة تُحذر من فوضى المحتوى الكاذب: لا تشارك جريمة.. وبلّغ فورًا على 01229869384

افتتاح مشروع توسعة كورنيش الإسكندرية والتشغيل التجريبى قريبا.. انتهاء أعمال الرصف من المنتزه حتى البوريفاج باتساع 5 حارات.. استكمال أعمال كوبرى "محمد نجيب".. وتوسعة "سيدى بشر" و17 بوابة للشواطئ.. فيديو وصور

أهداف مباراة بيراميدز وبتروجت فى الدورى

موعد مباراة الأهلى القادمة أمام فاركو فى ليلة حسم لقب الدورى

جوارديولا يعلق على إهداء هالاند ركلة الجزاء لمرموش في نهائي كأس إنجلترا

موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية

كريستال بالاس بطلا لكأس الاتحاد الإنجليزي على حساب مان سيتي.. فيديو وصور

صدمة فى واشنطن.. الحوثيون كادوا يسقطون طائرة F-35 أمريكية.. اعرف التفاصيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى