حماية و"أمان".. معادلة الدولة المصرية لاحتواء معضلة "اللجوء"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى

تبدو قضية اللاجئين أحد أكبر الأزمات التي تؤرق العالم في السنوات الماضية، في ظل العديد من الأزمات المتواترة، بدءًا من حقبة الربيع العربي، وحتى الأزمة الأوكرانية، في ضوء ما تمثله من ضغط شديد على اقتصادات الدول المستقبلة لأعداد كبيرة من الفارين من الصراعات المندلعة في بلدانهم، ناهيك عن التداعيات الكبيرة المترتبة على الأزمة نفسها، وهو ما ساهم في بزوغ نجم العديد من القوى السياسية التي تروج للإغلاق على الذات، حفاظا على الهوية الوطنية، وكذلك مقدرات المواطنين الذين يعانون مخاوف كبيرة، سواء أمنية، إثر اندساس عناصر متطرفة، قد تمارس أعمالًا تخريبية داخل دولهم، أو اقتصادية، جراء منافسة ربما لا تبدو عادلة في سوق العمل، مع قبول المهاجرين برواتب أقل من أبناء البلد.

 
ولعل النظرة إلى قضية اللاجئين شهدت تغييرات عميقة، في السنوات القليلة الماضية، بين الترحيب بهم، على غرار ما شهدته بعض الدول الأوروبية، في العقد الماضي، والتي شهدت استقبالا جماهيريا للقادمين من مناطق الصراع، تماشيا مع سياسات الحكومات، التي أبدت قبولا يحمل صبغة إنسانية، من جانب، وحتى التظاهر والاحتجاج، جراء الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين بالتزامن مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية، كما هو الحال في الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن ظهور نماذج دولية مناهضة لفكرة اللاجئين، على غرار الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اتجه لبناء سور ضخم على الحدود مع المكسيك للحد من دخول الأجانب، من جانب آخر.
 
الغضب الجماهيري في أوروبا، تجاه استقبال المزيد من اللاجئين، دفع إلى توجه الحكومة الألمانية مؤخرا، نحو التحول إلى إرساء ما أسمته بـ"اللجوء إلى دولة ثالثة"، خارج الاتحاد الأوروبي، عبر تصدير أعداد من اللاجئين لديها، إلى دول أخرى، يمكنها استيعابهم، وهو ما يتعلق بمحاولة الاستجابة للضغوط الكبيرة الملقاة على عاتق المواطنين الألمان، جراء المنافسة غير العادلة، التي يواجهونها مع العمالة الوافدة، في صورة لاجئين، حصلوا على الإقامة المؤقتة في الدول المضيفة.
 
إلا أن الأزمة السودانية الحالية ربما شهدت منحى جديدا فيما يتعلق بالتعامل مع القضية، تجسدت في أبعاد جديدة لمفهوم "الإجلاء"، والذي اقتصر في الأزمات السابقة على إعادة المواطنين العالقين في منطقة الأزمة إلى بلدانهم، لتتحمل دول بعينها، خاصة دول الجوار، وعلى رأسها مصر، مسؤولية إجلائهم، إلى أراضيها، فى إطار ما يمكننا تسميته بـ"اللجوء قصير المدى"، تمهيدا لنقلهم إلى دولهم، بالإضافة إلى استقبال السودانيين الفارين من نار الحرب المتقدة، بحثا عن ملاذ آمن، على أرض الأمن والأمان.
 
بين اللجوء والإجلاء، ثمة العديد من المتغيرات في التعامل مع قضية اللاجئين، أبرزها حالة التحول من مجرد استقبال هؤلاء الفارين من الصراع المحتدم، إلى تقديم الدعم الكامل لهم، في إطار من الحماية، سواء لأبناء دولة الأزمة، عبر فتح المعابر على مصراعيها أمامهم للدخول إلى أراضيها، دون التقيد بالوجود في أماكن معينة أو مخيمات، وهو ما سبق وأن طبقته الدولة المصرية مع اللاجئين الآخرين الذين جاءوا إليها في أزمات سابقة، سواء من سوريا أو العراق أو اليمن، أو غيرهم، أو مع أبناء الجنسيات الأخرى، بل والمساهمة فى إجلائهم، والبقاء على أرضيها.
 
وفي الواقع، يبدو النهج المصري في التعامل مع اللاجئين القادمين من السودان أو الآخرين يمثل بعدا آخر لما أسميته في مقال سابق بـ"دبلوماسية الحماية"، والتي باتت تحمل مسارات متنوعة، تدور في أحد جوانبها تقديم غطاء من الحماية لأبناء الدول الأخرى، بينما تقدم في نفس الوقت مساهمة دولية ناجعة في احتواء أزمات دولية، في ظل قدرتها، رغم الظروف الصعبة التي يواجهها العالم بأسره، على تقديم نموذج إنساني في السياسة الدولية، ربما افتقده العالم في التعامل مع العديد من القضايا الأخرى.
 
إلا أن حرص الدولة المصرية على تقديم غطاء الحماية للاجئين، ربما تزامن مع إجراءات أخرى، من شأنها تقديم الدعم للمصريين، خاصة من العمالة، وهي الفئة التي ربما تجد منافسة مع اللاجئين القادمين من الخارج، وهو ما بدا في قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي، تزامنا مع عيد العمال، قبل أيام قليلة، عندما أصدر تغطية تأمينية شاملة، تحت مسمى "أمان"، في رسالة تحمل قدرا كبيرا من الطمأنينة للمواطن المصري البسيط.
 
وهنا يمكننا القول بأن ثمة معادلة مهمة أرستها الدولة المصرية في مواجهة التحديات الكبيرة الناجمة عن التدفق الكبير لأعداد اللاجئين القادمين إليها، مع تطورات الأوضاع في السودان، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من دول أخرى، جراء الأزمات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الماضية، وهو ما يمثل جزء من استراتيجية، تعكس حالة من الانسجام الكبير بين الرؤى، التي تتبناها سواء فيما يتعلق بالأزمات الدولية الملحة أو الأوضاع في الداخل.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موقع معزول ومحصن أمنيا.. تعرف على القاعدة المستضيفة للقاء ترامب وبوتين

رفع سعر دواء لإنقاص الوزن ببريطانيا 3 أضعاف بعد شكوى ترامب

قضية الطفل ياسين.. الاثنين المقبل استئناف محاكمة المتهم على حكم الإعدام

أنقذها القومى للطفولة مرتين.. نجاة فتاة أبو المطامير من الزواج بعمر 16 عاما

أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر


تقليل الاغتراب.. موقع التنسيق يواصل إتاحة التسجيل للمرحلتين الأولى والثانية

مواعيد مباريات اليوم.. ليفربول ضد بورنموث في افتتاح الدوري الإنجليزي والأهلى ضد فاركو

مصرع 25 شخصا بسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية شمال باكستان

كل ما تريد معرفته عن المعهد الشرطى الصحى.. الشروط والمجموع المطلوب للتقديم

ليفربول يبدأ رحلة الدفاع عن لقب الدوري الإنجليزي ضد بورنموث الليلة


الأهلى يبحث عن تصحيح المسار الليلة أمام فاركو بالدوري المصري

المؤبد وغرامة تصل 5 ملايين جنيه عقوبة إغراق المخلفات الخطرة فى البحر

تعرف على الفرق بين اختصاصات مجلسى النواب والشيوخ وفقا للقانون

الإمارات تدين تصريحات نتنياهو بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى" وتصفها بـ"الاستفزازية"

39 عاما على البرىء.. عندما قال نور الشريف "السيناريو ده مايعملوش إلا أحمد زكى"

أعظم العسكريين بالتاريخ الفرعونى.. تمثال الملك تحتمس الثالث بمتحف الغردقة

ليلى علوى: الحمد لله أنا كويسة ومحبتكم نعمة من عند ربنا (فيديو)

غدا.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة للدور الثانى 2025

مالى تعلن إحباط محاولة لزعزعة استقرار البلاد خُطط لها بدعم من دولة أجنبية

الأزهر: المسجد الأقصى لن يكون لقمة سائغة والحق سيعود لأهله والباطل إلى زوال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى