أحمد حسن عوض يكتب: الشعر والتجربة

أحمد حسن عوض
أحمد حسن عوض
يبدو أن مقولات الحداثة وما بعدها قد نجحت أن تخفى كثيرا من المصطلحات النقدية التى كان النقد الأدبى يحتفى بها كثيرا ويجعلها حجر الزاوية فى تقييم منجز الشاعر وقصائده المتعددة.
 
ويكاد مصطلح التجربة أن يكون أحد هذه المصطلحات التى خفت بريقها بعد أن كان هذا المصطلح ملء السمع والبصر فى أغلب فترات القرن العشرين منذ أن جعله العقاد رأس الحربة فى هجومه على شعرية شوقى بوازع من أن شوقى كان يكتب شعر المناسبات التى لا تعبر عن تجاربه الشخصية؛ لذلك فهو "شاعر صنعة" لا "شاعر تجربة" وقد رأى العقاد فى تلك الآونة أن التجارب الشخصية العميقة هى التى تميز الشعراء الكبار مستدلا على ذلك الوعى النظرى الذى أصله فى كتاب الديوان وكثير من كتبه النقدية بوعى تطبيقى مواز مرره بأصالة لافتة فى كتابه ابن الرومى حياته من شعره على سبيل المثال.
 
وبعيدا عن تلك المعركة الأدبية الدسمة بين العقاد وشوقى التى مازلت أصداؤها تتردد حتى الآن فى الكتب الدراسية والمنتديات الأدبية، فإن ما يهمنى فى هذا السياق هو التأكيد على أهمية مفهوم التجربة وضرورة أن يعرف الشعراء أن التجارب الإبداعية الأصيلة -سواء كانت حقيقية عاشها الشاعر فى الواقع أو متخيلة عايشها فى الخيال- هى التى تمنح الشعراء عالمهم الخاص ومذاقهم اللافت -بشرط امتلاك أدوات الصياغة بالطبع- لكن ما يلفت النظر فى الآونة الأخيرة بامتداداته المعاصرة أن أغلب تجارب الشعراء هى تجارب فى "القراءة" أكثر من كونها تجارب فى "الحياة" بعد أن افتقد العالم عنفوانه القديم وانسحب الحس النضالى من المشهد الشعرى بعد أن انسحب -أو كاد- من المشهد العربى لذلك لم يتبق للشاعر فى أغلب الأحيان إلا فضاءات القراءة التى تتيحها مصادر المعرفة المتنوعة؛ مما فتح الباب لأن تدخل الأفكار النظرية فى نسيج التجارب الشعرية.
 
وصار من المألوف أن نتقبل مفهوم صلاح عبدالصبور للتجربة باعتبارها "كل فكرة عقلية أثرت فى رؤية الإنسان للكون والكائنات، فضلا عن الأحداث المعاينة التى تدفع الإنسان إلى التفكير"، وأضحى من البدهى أن نتفهم قول حجازى : "لقد صارت الأفكار والتصورات تلهمنى بنفس القدر الذى تلهمنى به الخبرات والتجارب العاطفية".
 
وهذا الأمر لا يبدو غريبا -ولا ينبغي- شريطة أن يتنبه الشعراء فى وقتنا الراهن إلى أهمية حضور البعد الذاتى الذى ينم عن أصالة الشخصية الشعرية باعتبارها -كما كان يقول إليوت عن شكسبير - شخصية، حية، متسقة، متطورة، ذات دلالة.
 
وإذا كانت ثقافة الشاعر الآن هى التى تقود التجربة الشعرية وتحتويها، بعد أن أمسى الشاعر ابنا "للثقافة" أكثر من كونه ابنا "للفطرة"، فيجب أن ترتبط المؤثرات الثقافية بالمثيرات العاطفية الحياتية التى استدعتها تجربة الشاعر فى عمقها الانفعالى الممتزج بالحواس القادرة على تحويل الفكر التجريدى البارد إلى جسد نابض بدم الحياة وحيويتها  الدافقة؛ فجمال الفكر فى الشعر ألا يكون ابنا للعقل وحده بل ابنا للجسد بجميع حواسه.
 
 

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

فايننشال تايمز تبرز أسرع الشركات نموًا في أفريقيا 2025 .. 6 منها فى مصر

مصرع 3 أشخاص وإصابة 3 آخرين فى حريق هائل بمخزن خردة بالدقهلية

جدل هدية قطر لترامب مستمر.. الطائرة قيمتها 100 ضعف هدايا رئاسة أمريكا منذ 2001

تميم وترامب: اتفاقيات تاريخية ترفع العلاقات القطرية الأمريكية لأعلى المستويات

مصر تتعرض لزلزال بقوة 6.3 ريختر.. البحوث الفلكية: مركزه جزيرة كريت النشطة زلزاليا بالبحر المتوسط.. عمقه ساهم فى شعور سكان الدلتا به.. والزلازل العميقة أقل ضررًا على سطح الأرض.. وتوابعه ضعيفة وغير مؤثرة


لاستيعاب الكثافة المرورية.. مجلس الوزراء يوافق على طلب لمحافظة الجيزة

روسيا تؤكد استعدادها لاستئناف المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا غدا في إسطنبول

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء

وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025

وزارة التعليم: إضافة 20% من درجات العربى والتاريخ بالثانوية الدولية للمجموع


الأوبرا تعلن نفاد تذاكر حفل فيروز قبل إقامته غدا بالمسرح الكبير

الأهلي يناقش مع ريفيرو استمرار النحاس وشوقي في جهازه المعاون

رئيس الزمالك يتوجه إلى فرنسا للخضوع لفحوصات طبية

التحقيق فى اتهام طالب بمحاولة الامتحان بدلا من رمضان صبحى

ترامب يدعو الشرع إلى الانضمام لاتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل

وفاة شخص وإصابة 14 آخرين فى انقلاب ميكروباص بالفيوم

مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى 2025.. إنفوجراف

البحوث الفلكية يكشف أسباب شعور المصريين بزلزال البحر المتوسط

زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب تونجا

اشتباكات مسلحة وفوضى أمنية فى ليبيا.. فرار أخطر السجناء من سجون طرابلس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى