محمود بكرى الأمين يكتب: قراءة فى ديوان ظل وروح للشاعر رفيق الرضى

ظل وروح
ظل وروح
عندما تنسكب القصيدة من روح مبدعها، تبثُّ ما يختلج فى تينك الروح من لواعج واضطراب، تعبُر مفاوز الغياب كى تصل إلى آبار الحضور، فمنذ الحضور الأول للقصيدة العربية والشعراء يبكون أطلال الديار، يتحسسون الأثافى والسعف لعلها تخبرهم بما كان من حياة فائضة بالغرام والحبور؛ ولأن الشاعر يمتلك روحًا شفافة، فالغياب والحضور يمثلان هاجسًا لا يزول لديه، وما فتئ الشعراء يدهسهم الاغتراب، فيبكون أطلالًا درست، وأوطانًا تترنح تحت فتنٍ لا تُحصى، وأحبابًا حالت الأيام دون لقائهم، ولعل ديوان "ظل وروح" للشاعر رفيق الرضى واحدًا من الدواوين التى تعج بمشاعر اللهفة، والشوق، وكأنه زفرات يبثها الشاعر إثر إحساسه بالاغتراب.
 
ومنذ أول عتبة من عتبات الديوان وهى عنوانه "ظل وروح" يرمى بنا الشاعر فى أتون الحيرة، فالظل يمثل الغياب، والهامش، لكنه يمثل فى الآن نفسه حضورًا ومتنًا غير حاضر فى الصورة، أما الروح فهى التى تبحث فى الظل عن الضوء الذى كونه، تفتش فى الغياب عن الحضور، وفى الحضور عن الغياب، هذا القلق والتوتر والحيرة التى يثيرها العنوان تستكملها القصائد وكأنها تعبر عن حالة اغتراب شديدة الوطأة على روح الشاعر القلقة.
 
وتنفتح قصائد الديوان على مصراعيها أمام أفق التأويل، فأول ما يلفت الانتباه هو حديث الشاعر بضمير المؤنثة الغائب، فيقول مثلًا:
 
ووجهُكِ النورُ والنيرانُ فى كبدى    للبدرِ فى وجهكِ الوضاءِ أنوارُ
وفى حنَاياى أشواقى تلازمنى    وفى حنَاياى لو فارقتنى نارُ
 
فنتساءل من هذه التى ألهبت مشاعره، هل هى الوطن؟ أم القصيدة؟ أم المحبوبة؟، كما أن ورود ألفاظ مثل "النور" النيران" "أنوار" "نار" فى مقطع واحد تبيِّن مدى تأجج مشاعره، وما يفيض من بين ضلوعه من شوق وحنين.
ونراه فى قصيدة أخرى وكأنه أخذته سِنَةٌ من الحنين الفائض فيعاتبها عتاب الحب للأحبابِ: 
هذا فؤادى الذى أخلفتِ موعده   يذوى شقاءً وبُعدا فى عناويني
إن الفؤاد الذى أنكرتِ صاحبهُ  يئنُ حتَّى تعودى لى وتغويني
ففؤاده يضطرم بشوق يفوق الحد، فهو يرزح تحت نير الشقاء ولا يكف عن الأنين، ولنا أن نتوقف قليلًا عند كلمة "عناويني" وما تمثله من اضطراب بوصلة الشاعر عقب الفراق، فمعها كان لديه عنوان واحد، جهة واحدة لا يعرف سواها، لكن بعد الفراق تعددت العناوين، ولم يعد لسفينة القلب مرفأً ترسو عليه، بل إنه يصل إلى مرحلة من الضياع حتى أنه لا يعرف إلى أين يذهب؛ لذلك فهو ينتظر عودتها حتى تعود إليه حتى وإن كانت فى عودتها غواية له.
 
وتتجلى الحقائق فى قصيدة كاشفة لما يريد الديوان أن يقوله، وكاشفة للواعج الشاعر وما يبثه من أشواق حين يصرح بمن يهوى ومن ينتظر عودتها: 
السماواتُ التى تبكي
وصنعاء والثكالى
تحت أقدامِ الأسى
والجوعُ كافر
مات أنقى النَّاسِ
والأطفالُ غدرا
والحرائرُ
فهو يبكى يمنه السعيد، يحن إلى الوطن، ويبكى أحبابًا دهسهم قطار الموت فغابوا، فروحه يتنازعها الحزن على وطنه، واغترابه عنه، وأحبابه الذين افتقدهم بعد أن غيبهم الموت تحت الثرى. 
 
وعلى الرغم من هذا الألم الذى يعتصر قلبه ويكاد يأخذ بالألباب، إلا أنه فى ثورة غضبه وحزنه لا يفقد الأمل، بل يبشر بغدٍ آتٍ فيقول: 
 
سيعودُ لا خوف عليه
من اندثار
سيعودُ حُرَّا
باقتدار
سيعودُ لا خوف عليه
من الضَّياع
سيعودُ مهما كذبوه 
سيعودُ مهما حاربوه
شعب
وإن أغووه، واع
يسمو على الأهواءِ
والظلماتِ
حتَّى يستقيم الحالُ
كالماضى 
وحتَّى ينتهى هذا الخلاف
 
فهو لا ييأس، بل يراهن على شعب يضرب بجذوره فى التاريخ لألوف السنين، شعب واعٍ يدرك غوايتهم، وتكرار جملة " سيعودُ لا خوف عليه" تشى بثقة الشاعر فى وطنه، فالأوطان تبقى رغم كل المحن والأهوال، طالما أن أهلها آمنوا بها، ودافعوا عنها، وكأنه يذكِّر بنى وطنه بماضٍ بعيد فيقول:
 
تساءلت بلقيسُ: أفتوني
وطار الهُدهُد السبئي
يحكى عرشها
عاد مُحملا برسالة التوحيد
بسمِ الله
لا تعلو فإن الله أرسلني
لتأتوا مُسلمين
 
فهو يستلهم قصة إيمان الملكة "بلقيس" إثر دعوتها من نبى الله سليمان _ عليه السلام _ على لسان الهدهد الأشهر على مر الزمان، وكأنه يضع "روشتة" للعلاج مما لحق بوطنه، على رأسها التوحيد لله وما فيه من اتحاد وامتثال لأوامر الله ونواهيه.
 
وعلى الرغم من أن الديوان بدأ بنظرة حزينة وتفجع ولوعة، إلا أنه ينتهى بنهاية تفيض أملًا فى المستقبل:
سيعودُ النورُ
نورًا
سيغيبُ الجهل عنَّا
والظلام
وسنمضى للأمام
.......................
يختفى الليلُ الكئيب
ينتهى الصمتُ الرهيب
دون أن نترُك للغدِ جراحا
يتلاشى الليل
يشعُ النورُ
كالماضي
صديقي
ونغنى للحياة
للضياءِ
وللصباح
 
إنه يبشر بالمستقبل الذى يشبه الماضى العظيم الذى عاشه اليمن السعيد، إنه ديوان يمثل فيوضًا من سبحات الروح فى أفلاك الوطن، يمثل موقف كل إنسان على وجه الأرض يشتاق لوطنه، يحزن لأجله، يجتر ذكريات تاريخه التليد، يعيش اغترابًا وروحًا قلقة، بين هذا الماضى وما يرجوه من مستقبل يعيد النقاط فوق الحروف، وتعود الروح إلى سكينتها الأولى بعد أن تخرج من ضيق الغربة إلى رحابة الوطن.
 
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

«شالت كتير».. رسالة مؤثرة من المتسابق بدولة التلاوة على عثمان لوالدته

الزمالك يكشف تطورات إصابة رباعى الفريق

دولة التلاوة.. المتسابق محمد القلاجي: هذه السورة أجد نفسى فيها

شاهد احتفالات نجوم منتخب مصر خلال جلسة التصوير استعدادا لكأس أمم أفريقيا

قائمة الزمالك لمواجهة حرس الحدود.. عودة الونش وعواد واستبعاد أحمد حمدى


بالحذاء الجديد.. محمد صلاح يظهر بلقطات فنية رائعة من مران منتخب مصر

الأرصاد تحذر من انخفاضات فى درجات الحرارة غدا.. الصغرى بالمدن الجديدة 8

صحتك بالدنيا.. نصائح للوقاية من التهابات الأنف.. علامات للخرف تظهر على الساقين.. روشتة مرضى القلب لبداية صحية فى العام الجديد.. 5 عادات صباحية شائعة تسرع الشيخوخة.. وهذا ما يحدث للكبد عند تناول السكريات

كيروش وألمانى وإسبانى مرشحون لمنصب المدير الفنى لاتحاد الكرة خلفا لعلاء نبيل

الأرصاد تحذر من طقس شديد البرودة وشبورة كثيفة وانخفاض فى درجات الحرارة


دفاع والدة الإعلامية شيماء جمال يكشف موعد خروجها بعد إخلاء سبيلها بكفالة

إكرامى الشحات وابنته حبيبة يحرصان على زيارة رمضان صبحى لمؤازرته

الإمارات تغلق المطارات والطرق وتعلق خدمات «فيرى دبى» بسبب الأمطار

ترتيب مجموعة الأهلى فى كأس عاصمة مصر قبل مواجهة سيراميكا الليلة

تعرف على تطورات مفاوضات الأهلى مع هداف كأس العرب لتدعيم الهجوم الأحمر

أطفال مصر لـ محمد صلاح: مهما كان الطريق صعبًا لن تسير وحدك.. فيديو وصور

موعد مباراة الزمالك وحرس الحدود فى كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة

أحمد حسام ميدو يواجه خطر الحبس بسبب صافرة محمود البنا.. التفاصيل

مشاهد من غناء جنا عمرو دياب والهضبة فى حفل زفاف مدير أعماله

موعد مباراة منتخب مصر وزيمبابوى فى كأس أمم أفريقيا 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى