الاحتجاجات فى الغرب.. وأزمة "البحث عن ملهم"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
الثورات دائما ما يكون لها ملهمون، بينما تبقى حالة "البحث عن ملهم" بمثابة أحد أبرز إرهاصات الثورة، أو ربما مراحلها الأولية، في مختلف الدول، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد الدولية والإقليمية، التي هيمنت على العالم في السنوات الأخيرة، وهو ما بدا أولا فى منطقة الشرق الأوسط، قبل أكثر من عقد من الزمان، حيث شهدت حركات احتجاجية متزامنة، في العديد من دول المنطقة، لتنتهي بانفجار "الربيع العربي"، وهو المشهد الذي ربما بات يتكرر بصورة تبدو منتظمة في الغرب خلال الآونة الأخيرة، سواء بسبب تطورات اقتصادية أو مجتمعية، أو نتيجة أحداث فردية، بدءا من جورج فلويد الذي قتلته الشرطة الأمريكية، قبل عدة سنوات، وحتى الفتى نائل، والذي تخرج جحافل البشر احتجاجا على مقتله في باريس وغيرها من المدن الفرنسية.
 
ولعل الأزمة الحقيقية في الحركات الاحتجاجية التي تستلهم قوتها من بعض الأحداث الفردية، وإن كانت تصل إلى حد الجرائم، تتجسد في طبيعتها "الفئوية"، حيث يصبح "ملهم" الثورة مجرد شخص، يعاني مثلهم، ولكنه تصدر المشهد، أو بالأحرى "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تفتقد في واقع الأمر للرؤية، التي يمكن البناء عليها، كما أنها تفتقد القيادة، فيلجأ الثائرون، وأغلبهم من الشباب الذي يهيمن عليه الحماس، نحو قيادات من نشطاء "السوشيال ميديا"، الذين لا يملكون خبرات كبيرة، سوى في "بناء" الصفحات والمتابعين، عبر الدعاية، فيصبح السقوط في مستنقع الفوضى، بمثابة المصير المحتوم الذي ينتهي به الحال، مما يضع البلاد والعباد على حافة الحرب الأهلية، وهو ما بدا بوضوح في النموذج الإقليمي، الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط، والذي ربما أنقذته العناية الإلهية، في أعقاب 30 يونيو التي أصلحت المسار في مصر أولا، بينما استلهمتها الشعوب الأخرى، في محاولة للعودة مجددا إلى المدار الصحيح.
 
المشهد الغربي، والذي يبدو متجددا، يمثل امتدادا لحالة من الغليان، لا تقتصر في واقعها على حادث فردي مؤلم، وإنما في جوهرها لحال قطاع كبير من المواطنين هنا أو هناك، باتوا يعانون جراء أوضاع صعبة، اقتصادية واجتماعية، وهو ما يمثل انعكاسا لـ"فئويتها"، بينما لم يروا بعد "ملهما" سياسيا، يمكنه قيادة دفة التغيير الجذري، الذي يطمحون إليه، والذي يتعارض في حقيقة الأمر مع "واقع" عملية التغيير، والتي لا يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها، فهي بطبيعتها عملية تتسم بالتدرج، تتاج إلى الوقت والجهد والصبر، حتى يمكن تغيير الأمور إلى الأفضل، خاصة في ظل أزمات متواترة، تتجاوز ظروف السياسة والاقتصاد، ناهيك عن ظروف معقدة ومتشابكة، على المستويين الدولي والإقليمي، من شأنها إرباك حسابات أي قيادة.
 
فلو نظرنا إلى النموذج الفرنسي، ربما نجد أن ثمة مراحل عدة سبقت مظاهرات الغضب المتكررة التي تشهدها شوارع باريس ومارسيليا وليون، ربما أبرزها التقلبات التي شهدتها الانتخابات الرئاسية منذ عهد جاك شيراك، والذي جاء بعده اليميني نيكولا ساركوزي، ثم اليساري فرنسوا أولاند، وكلاهما جلس على عرش "الإليزيه" لفترة واحدة، وعندما فقد المواطنون الأمل في الأحزاب التقليدية، لجأوا في نهاية المطاف إلى حزب وليد، وهو "الجمهورية إلى الأمام"، ليعتلي مؤسسه إيمانويل ماكرون رئاسة البلاد، قبل مرور عام واحد على تأسيسه في عام 2017، ويصبح بعد ذلك أول رئيس يحصل على فترتين رئاسيتين، منذ شيراك.
 
وهنا يمكن للمتابع رصد حالة من انعدام الثقة في الساسة التقليديين، والهياكل الحزبية التي عفى عليها الزمن، وبالتالي غياب القيادة الحقيقية التي يمكنها تحقيق "لم الشمل" ربما بسبب الانغماس في صراعات السياسة، والتركيز على الأيديولوجيات بدلا عن الاهتمام بهموم المواطن وأزماته، لتتطور الحالة المجتمعية نحو التعبير عن الغضب بالخروج إلى الشوارع، وعدم الاكتفاء باللجوء إلى صناديق الاقتراع، مع رغبة تحقيق تغييرات أكبر وأوسع في زمن، وهو ما يرجع في الأساس إلى تراكم الأزمات، لتطال المطالب المؤسسات المنتخبة، على غرار احتجاجات "السترات الصفراء" في 2018.
 
وفي الواقع، يبدو ماكرون هو النموذج الأنجح في فرنسا منذ 2007، بشهادة غالبية الفرنسيين الذين صوتوا له مرتين، إلا أن الفجوة القائمة بين الشارع والسلطة، تبدو في مسارين، أولها معضلة "الزمن"، في ظل رغبة عارمة في تحقيق مطالب المواطنين، وظروف دولية تبدو صعبة ومعقدة، لا يمكن التعامل معها بسرعة، بينما يتجسد المسار الأخر في غياب القيادة الحكيمة للشارع، سواء من الأحزاب السياسية القائمة، أو من الرموز، ليتحول نظر الشارع إلى رموز "هلامية" من ضحايا الأحداث الفردية، والتي يجدون فيها نماذج أخرى منهم، تعبر عن حالهم.
 
وهنا يمكننا القول بأن مظاهرات الغرب المتكررة، على خلفية حوادث فردية، تمثل مرحلة متقدمة من حالة من الغضب الشعبي، جراء سياسات، تحتاج إلى تغيير، وظروف وأزمات، تحتاج إلى إرادة دولية للحلحتها، وبالتالي فإن الأمور تبدو في حاجة إلى إدراك مزدوج من قبل الشعوب إلى خطورة ما سوف تؤول له الأمور حال خروج الاحتجاجات عن مسارها، بينما السلطات لضرورة العمل على مستوى الداخل والخارج لاحتواء ما يشهده العالم من أزمات خطيرة، باتت تؤثر بشكل مباشر على مواطنيهم، بعدما كانت بعيدة جغرافيا عنهم قبل سنوات قليلة.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

فيلم براد بيت F1: The Movie ما بين الحقيقة والخيال

تفاصيل التعاقد مع يانيك فيريرا والجهاز المعاون يضم 5 مساعدين أجانب

تشيلسى يتصدر قائمة الأندية الإنجليزية الأعلى دخلاً من بيع اللاعبين خلال 10 سنوات

المحكمة الإسرائيلية تستدعى ابن نتنياهو لحصوله على جواز سفر دبلوماسى دون حق

الزمالك يجهز بيانًا لتوجيه الشكر لأيمن الرمادى والجهازين الإدارى والطبى


تعرف على البلجيكى يانيك فيريرا المدير الفنى الجديد للزمالك

أخبار مصر.. الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 37 درجة

البلجيكى يانيك فيريرا مديرًا فنيًا للزمالك والإعلان خلال ساعات

الإفراج عن 1027 من نزلاء مراكز الإصلاح بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو.. فيديو

ياسمين يحيى تكتب: مصير شيكابالا فى الزمالك بين الاعتزال والبقاء


محافظ القاهرة يعتمد تنسيق القبول بالثانوى العام بحد أدنى 230 درجة

الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 37 درجة والإسكندرية 31

الرئيس السيسى لـ"حفتر": استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى (إنفوجراف)

حزن يخيم على تونس.. 20 غواصًا يبحثون عن الطفلة مريم فى قاع البحر

المتهم بالتعدى على ابنه فى الشرقية: "كنت بأدبه".. فيديو

انفجار ناقلة نفط تحمل مليون برميل قبالة سواحل ليبيا

الأهلي يضع 3 سيناريوهات للخروج الآمن من أزمة رحيل وسام أبو علي

الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون

نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 فى جميع المحافظات بالاسم ورقم الجلوس الآن

بعد عرض تعديلات قانون التعليم على البرلمان.. اعرف نسبة النجاح فى الدين

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى