"ثنائية" مصر والأردن.. وصياغة جديدة لـ"الجغرافيا الإقليمية"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
شراكات متعددة، حرصت الدولة المصرية على عقدها في السنوات الماضية، كانت مدخلا لعلاقات أوسع، حيث اتسمت بطابعها "الثلاثي"، بينما اتسعت إلى نطاق أكبر سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، من حيث عدد الدول المشاركة، وكذلك امتدت في أفقها لتتجاوز مجالات التعاون التي دشنت من أجله في الأساس، وهو ما بدا أولا في الشراكة مع اليونان وقبرص، في مجال الغاز الطبيعي، والتي تجاوزت الحالة "الثلاثية"، إلى منتدى أكبر يضم عددا كبيرا من الدول (منتدى غاز شرق المتوسط)، في حين خرج من رحمه بعد ذلك ما يسمى بـ"منتدى الصداقة"، والذي يجمع بين الدول الثلاثة بالإضافة إلى فرنسا والعراق والأردن والسعودية والإمارات والبحرين، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لحالة إقليمية تتشكل، لا تبدو مقيدة بالجغرافيا التقليدية، وإنما تحكمها المصالح المشتركة، والعمل على تعزيزها.
 
ولعل الانطلاق من "الثلاثيات"، يمثل نهجا مصريا خالصا في عقد الشراكات الدولية والإقليمية في السنوات الماضية، حيث يعد خروجا عن الحالة "الثنائية" التقليدية، والتي تتأثر في أغلب الأحيان عن خصوصية العلاقة بين دولتين، بينما يبقى اعتماد الإطار "الثلاثي"، والتي ترجمتها القمم المصرية المتواترة، هو في واقع الأمر مؤشرا مهما لقابلية الشراكات التي تعقدها مصر للتمدد والاتساع، سواء على مستوى المشاركة الدولية، أو مجالات التعاون، وهو ما يعكس تعاطيا مهما مع الواقع الدولي الجديد، والذي أصبح يقوم على أساس من التعددية، بعيدا عن "الهيمنة" الأحادية، سواء على المستوى الإقليمي الضيق، أو الأفق الدولي المتسع.
 
إلا أن الحالة "الثنائية" ربما لم تكن غائبة عن الدبلوماسية المصرية، في ظل ما تحظى به من خصوصية، لا يمكن تجاهل أهميتها بأي حال من الأحوال، عبر تعزيز العلاقات من جانب، والانطلاق منها نحو "الثلاثيات"، التي تمثل السبيل نحو شراكات أوسع، من جانب أخر، وهو ما يبدو العلاقات مع الأردن، والتي تمثل "لبنة" مهمة في الشراكات الإقليمية التي عقدتها الدولة المصرية، خلال السنوات الأخيرة، بدءً من "ثلاثيتهما" مع العراق، ثم شراكتهما الصناعية مع الإمارات، ليكونا معا تحالفا أكبر يضم الدول الأربعة مع البحرين، يتسم بحالة من التنوع من حيث مجالات التعاون، في إطار سياسي واقتصادي وأمني، يتواكب بصورة كبيرة مع متطلبات المرحلة الجديدة، جراء تواتر الأزمات الدولية والإقليمية.
 
وتبقى "خصوصية" العلاقة بين مصر والأردن انعكاسا صريحا لحالة من التوافق، فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية والإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، والتي تمثل نموذجا لـ"الرعاية التكاملية"، ففي الوقت الذي لعبت فيه القاهرة دورا رئيسيا في رعاية القضية والدفاع عنها سياسيا، كانت عمان راعيا للمقدسات الدينية في مدينة القدس، وهو ما يمثل لحالة من تكامل الأدوار، التي يمكن تعميمها على مختلف القضايا الدولية والإقليمية الأخرى، بعيدا عن الرؤية القائمة على الاستئثار، والتي تمثل أحد أهم سمات الحقبة الدولية المنقضية، والتي سعت خلالها القوى الدولية الحاكمة للعالم إلى تعزيزها، في إطار يمكن من خلاله تعزيز هيمنتها، عبر تقوية دور حلفائها، في مختلف مناطق العالم، مقابل الدوران في فلكها.
 
ولكن تحمل "خصوصية" العلاقة بين مصر والأردن، في طياتها العديد من الأبعاد الأخرى، ربما أبرزها البعد الجغرافي، فرغم تقارب موقعهما، وتطابق هويتهما العربية والإسلامية، فإنهما يمثلان جانبا مهما من التنوع في إطار العمق الجغرافي لكل منهما، حيث تبقى الأردن (ذات العمق الآسيوي) أحد أهم بوابات مصر لتعزيز علاقتها بالقوى الآسيوية، بينما تمثل القاهرة مدخلا مهما لعمان للتقارب مع إفريقيا، بينما تبقى علاقتهما معا مدخلا مهما للعرب للتوغل إلى عمقهما القاري، وهو ما يعكس أهمية البعد "الأفروآسيوي" في الخريطة الإقليمية الجديدة، في ظل تصاعد أهمية إفريقيا على الخريطة الدولية، وهو ما يبدو في محاولات استقطابها من قبل القوى المتنافسة على الساحة الدولية، من جانب، والصعود الكبير للقوى الآسيوية على الساحة العالمية، على رأسها الصين، إلى الحد الذي يسمح لها بمزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولي، من جانب أخر.
 
العمق القاري لمصر والأردن، في إطار شراكتهما مع العديد من الدول العربية الأخرى، يمثل في حقيقة الأمر استثمارا مهما في إطار العمل العربي المشترك، خلال المرحلة المقبلة، في ظل دعمهما المتواصل لتعظيم الدور العربي، في صورته الجمعية، ليتجاوز الحالة الإقليمية المحدودة، نحو إطار عالمي أوسع، عبر شراكات جديدة مع قوى مهمة، أو عبر المساهمة الفعالة في حل الأزمات العالمية، وهو ما يبدو على سبيل المثال في مشروع خط النقل العربي الذي يهدف الي ربط افريقيا بآسيا عبر العقبة مرورا بسيناء ثم الى العريش ومنها الي شواطئ المتوسط ومنها الي العالم، وهو ما يساهم في تعزيز التبادل التجاري، ليس على مستوى الثنائي أو الإقليمي المحدود، وإنما على مستويات أكبر في نطاق قاري وعالمي.
 
وهنا يمكننا القول بأن "ثنائية" مصر والأردن، والتي تمثل مشتركا مهما في معظم الشراكات الإقليمية الأخيرة ذات النطاق الإقليمي والجغرافي الواسع، تمثل نموذجا مهما لحالة من الخصوصية، التي يمكن استثمارها في إطار يتجاوز الإطار "الثنائي" المحدود، نحو شراكات أوسع لا تتقيد بالجغرافيا الإقليمية في صورتها التقليدية، وهو ما يمثل انعكاسا لحقيقة مفادها أن النهج المصري القائم على تعزيز العلاقات متعددة الأطراف، سواء عبر "الثلاثيات" أو ما تجاوزتها، لا يعني تجاهل الخصوصية التي تحظى بها العلاقة مع أطراف محددة، في ظل التوافق الكبير في الرؤى، حيث تبقى فرصة مهمة للانطلاق نحو أفاق أوسع في العلاقات الدولية، والتعاطي مع تشابكاتها الجديدة، وأزماتها المتواترة.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

زيادة 15٪ سنويا.. قانون الإيجار القديم يضع قواعد جديدة للأجرة

ريال مدريد ضيفا ثقيلاً على تالافيرا فى كأس ملك إسبانيا

الأهلى يرحب برحيل أفشة فى يناير.. وسيراميكا مهتم بضمه

باريس سان جيرمان يتحدى فلامنجو فى نهائى كأس القارات للأندية الليلة

مصر فى مواجهة تغيرات المناخ.. استراتيجية متكاملة للتكيف والحماية من أخطار السيول.. تطهير 117 مخر سيل بأطوال 318 كيلومترا.. وكيف يتنبأ مركز الفيضان بالسيول؟.. وهذه طرق التمييز بين المطر الغزير والسيل المدمر


تفاصيل رقم قياسى للأهلى فى ذكرى التتويج باللقب الأفريقى الثانى

هل يشترط امتلاك توكتوك للتقديم فى منظومة الإحلال والحصول على السيارة الكيوت؟

فاكسيرا توجه رسائل هامة لمنع عدوى الالتهاب الرئوى فى الشتاء

تصعيد أمريكى خطير ضد فنزويلا.. ترامب يعلن حصار كراكاس

ليلة زفاف نجم الأهلى.. أحمد عبد القادر يحتفل وسط أسرته وأصدقائه فى الدقهلية.. عمر كمال وأحمد رمضان بيكهام أبرز الحضور.. وعصام صاصا وأورتيجا يشعلان الأجواء بالأغانى.. فيديو وصور


مواعيد إجازة نصف العام 2026 لصفوف النقل والثانوية والإعدادية

محمد عبد الله مطلوب فى الدوري البرتغالي.. واللاعب يحيل العروض للأهلي

مصدر مقرب من أحمد حمدى يكشف كواليس أزمته مع أحمد عبد الرؤوف

أحمد عبد القادر نجم الأهلى يحتفل بزفافه وسط أسرته فى الدقهلية.. فيديو وصور

أهداف مباراة مصر ونيجيريا الودية

منتخب مصر يهزم نيجيريا 2 - 1 فى البروفة الأخيرة قبل أمم أفريقيا.. صور

تعرف على أصوات محمد صلاح وحسام حسن فى جائزة ذا بيست

أسطورة ليفربول يوجه رسالة نارية إلى كاراجر: محمد صلاح لم يخطئ

تعرف على جميع الفائزين فى جوائز ذا بيست 2025

تفاصيل عملية التصويت بـ 55 دائرة فى إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى