تجمع "بريكس".. "التعددية" في مواجهة "أدوات الهيمنة"

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بقلم : بيشوى رمزى
عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الأربعينات من القرن الماضي، تغيرت موازين القوى الدولية، فصارت الولايات المتحدة، ليست مجرد طرفا فاعلا في العلاقات الدولية، وإنما أصبحت قوى، تمثل أحد كفتى الميزان العالمي، التي تشكلت على أثرهما الثنائية القطبية، والتي انطلقت منها حقبة ما يسمى بـ"الحرب الباردة"، والتي استمرت حتى التسعينات، عندما انهار الاتحاد السوفيتى، فبدأت بعد ذلك "الهيمنة" الأحادية، التي سيطرت خلالها واشنطن، على مقاليد العالم بمفردها، ليختل التوازن الدولي، جراء عدم وجود قوى حقيقية يمكنها مزاحمة بلاد "العم سام"، فصارت العقوبات بمثابة "العصا" التي تلاحق "المارقين"، بينما الغزو وإسقاط الأنظمة السبيل لإخضاعهم، وهو ما بدا في العديد من النماذج التي زخرت بها العقود الثلاثة الماضية.
 
ولكن بعيدا عن تقييم "الهيمنة"، وتداعياتها الكبيرة على العالم، ربما نبدو في حاجة إلى تأمل المشهد الدولي، إبان عملية "الترتيب" التي تتزامن مع انطلاقة كل حقبة من الحقب المذكورة، فمع نهاية الحرب العالمية الثانية، نجد أن ثمة مؤتمرات عقدتها القوى الجديدة الصاعدة، والتي أرادت فرض قواعدها على العالم، أو بالأحرى الأدوات، التي من شأنها إرساء قيادتها فعليا على العالم، على غرار مؤتمر "بريتون وودز"، في عام 1944، والذي أرسى هيمنة الدولار، وكذلك مؤتمر "سان فرانسيسكو" في أكتوبر 1945، والذي تأسست عليه منظمة الأمم المتحدة، لتكون الوريث الشرعي لعصبة الأمم، بالإضافة إلى معاهدة واشنطن في عام 1949، والتي أسست حلف شمال الأطلسى "الناتو".
 
وهنا اعتمدت الولايات المتحدة في قيادتها للمعسكر الغربي على أدوات، منها ما هو اقتصادي، يتجسد في الدولار، وسياسي، عبر الذراع الأممي، الذي من شأنه منح الشرعية الدولية للخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة، وحلفائها تجاه العالم، وأخرى عسكرية، عبر تشكيل "الناتو"، والذي يمثل ذراعا عسكريا، لإضفاء غطاء من الحماية، على الحلفاء في أوروبا الغربية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية وما تركته من آثار كبيرة عليها، وهي الأدوات نفسها، التي اعتمدتها بعد ذلك بما يزيد عن أربعة عقود، في أعقاب الحرب الباردة، وإن زاد عليها، الاتحاد الأوروبي، والذي جاء ليملأ الفراغ الناجم عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وإضفاء مزيد من الشرعية على القرارات الأمريكية، خاصة إذا ما فشلت "الشرعية الأممية"، على غرار الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي رفضه مجلس الأمن، فنالت واشنطن مباركة أوروبا الغربية.
 
وفي الواقع، فإن الإرهاصات الحالية، والتي تنم عن انطلاقة حقبة دولية جديدة، تبدو واضحة، ليس فقط مع صعود قوى جديدة يمكنها مزاحمة الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي، وإنما أيضا في عملية "الترتيب" لها، وهو ما يبدو في صعود واتساع مجموعة "بريكس"، والذي عقد قمته الأخيرة في جنوب إفريقيا، الأسبوع الماضي، حيث يمثل في جوهره، نقطة انطلاق جديدة، تعتمد حالة من التعددية، يظهر فيها بوضوح تأثير القوى الصاعدة، على غرار الصين وروسيا والهند، بما يمتلكوه من إمكانات هائلة تمكنهم من مزاحمة القوى المهيمنة على العالم، بينما يسعى إلى إنهاء "هيمنة" الدولار، على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى إضفاء قدر كبير من الحماية الاقتصادية إلى دول العالم النامي، بعدما نالت قسطا كبيرا من التجريف بسبب سيطرة القوى الكبرى وحلفائها على مقدراتهم الاقتصادية، في ظل صياغة الحالة الصراعية الدولية الجديدة، والتي ستنطلق في جزء كبير منها في إطار "طبقي" بين دول العالم المتقدم، والنامي، وهو ما يبدو في محاولات القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، لتقديم نفسهم في صورة المدافع عن تلك "الطبقة الدولية النامية" في مواجهة "شراسة" القوى الكبرى.
 
ولعل أهم ما يميز "بريكس" مقارنة بأدوات "الهيمنة" الأمريكية سالفة الذكر، هو أنه يعتمد مبدأ "الشراكة" بين أعضاءه، بعيدا عن التحالفات التقليدية، التي تبنتها الولايات المتحدة، وهو ما يبدو بالنظر إلى أعضاء المجموعة، والتي نجد أن ثمة خلافات بين أعضائها، على غرار العلاقة بين الصين والهند، وبينما تعتمد في عملها على التركيز على المصالح المشتركة، وهو ما يمثل انعكاسا لطبيعة النظام الدولي، في حقبته الجديدة، والتي ربما لن تعرف "تطابقا" في وجهات النظر، وهو ما يبدو في حالة التصدع الملموس في المعسكر الغربي، في الآونة الأخيرة، بدءً من تراجع دور الاتحاد الأوروبي، بل المساعي الأمريكية لتقويضه، مرورا بالتلويح الأمريكي بالانسحاب من المنظمات التي أسستها بنفسها منذ ما يقرب من ثماني عقود كاملة، على غرار الناتو والأمم المتحدة، في عهد ترامب، وحتى الخلافات الأمريكية الأوروبية حول الموقف من روسيا والوضع في أوكرانيا، وكذلك العودة لزمن التعريفات الجمركية، وغيرها من القضايا الخلافية.
 
وهنا يمكننا القول بأن صعود "بريكس" هو بمثابة خطوة جديدة لتجريد الولايات المتحدة من هيمنتها الاقتصادية، عبر الدولار، من خلال خلق سلة عملات جديدة يمكن الاعتماد عليها في التجارة بين أعضائها، خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يمثل حلقة جديدة من مسلسل "مطاردة" النفوذ الأمريكي والغربي، أو بالأحرى مواجهة "أدوات الهيمنة"، سواء سياسيا، من خلال صعود دور منافسيها في العديد من مناطق العالم، على غرار الشرق الأوسط، وإفريقيا والتي طالما اعتبرها الغرب بمثابة عمقا استراتيجيا له، ناهيك عن إرهاصات تبدو واضحة حول تشكيل كتلة "أوروآسيوية"، بين روسيا والصين وحلفائهما، ربما تمثل نواة لتحالف عسكري محتمل، يمثل نداً للناتو في المستقبل القريب.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية قبل انطلاق بطولة أمم أفريقيا والقناة الناقلة

الصقر: لم يكن هناك تنسيق مع حسام حسن وضغطت على طولان لاستكمال المهمة

سقوط حاويات فارغة من أعلى قطار بجوار طريق الإسكندرية الزراعي دون إصابات

البطل الأسترالى أحمد الأحمد يوجه رسالة لأمه من المستشفى.. فيديو

حالة الطقس اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار بعدة مناطق


سيف زاهر: توروب رفض رحيل عابدين وعبد الله.. وهيثم تلقى عرضا من الدورى البرتغالى

حسام حسن ومصطفى محمد «سمن على عسل» قبل أمم أفريقيا.. صور

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما

لحظات رعب في المغرب.. فيضانات إقليم آسفى تخلف 51 قتيلا ومصابا والحصيلة فى تزايد.. استمرار البحث عن مفقودين.. تعليق الدراسة 3 أيام.. الوكيل العام للملك يفتح تحقيقا موسعا.. والأرصاد تحذر من طقس عنيف غدا.. فيديو


الأردن يفوز على السعودية ويواجه المغرب فى نهائى كأس العرب 2025

كيف تنضم لمنظومة التأمين الصحى الشامل؟.. هيئة الرعاية الصحية تجيب

دخل علينا غرفة النوم.. تفاصيل اقتحام أتوبيس مدارس شقة سكنية فى بدر.. صور

ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

موعد مباراة مصر ونيجيريا الودية استعدادا لكأس أمم أفريقيا

حقيقة تصنيف مواليد الثمانينيات ضمن كبار السن في منظمة الصحة العالمية

صور الأقمار الصناعية.. تدفق السحب وتوقعات أمطار بهذه المحافظات تصل للسيول

الأرصاد تحذر: تدفق السحب الممطرة وأمطار على هذه المحافظات الساعات المقبلة

حلمى عبد الباقى بعد خضوعه للتحقيق: المستشار أوقف قرار إحالتى للتحقيق

بعد عام من الغموض.. اتهام زوج ملكة جمال سويسرا بتقطيع جثتها وطحنها فى الخلاط

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى