تجمع "بريكس".. وصناعة "التعددية" الدولية

بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
بيشوى رمزى
في الوقت الذي تمثل فيه مجموعة "بريكس"، تجسيدا لمناهضة "الهيمنة" وأدواتها، على النحو الذي أوضحته في مقالي السابق، فإنها في الوقت نفسه، تبدو نموذجا مهما لما يمكننا تسميته بـ"صناعة" الحالة التعددية، والتي تمثل السمة الغالبة على الحقبة الدولية الجديدة، وهو ما يبدو في العديد من الأوجه، ربما أبرزها قدرتها على تقديم "أدوات" بديلة يمكنها تعويض الفراغ الناجم عن التراجع الكبير للقوى الدولية الحاكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود كاملة من الزمن، على غرار تقديم سلة من العملات يمكن الاعتماد عليها في التعامل بين أعضائها، أو توحيد عملاتهم، أو غير ذلك من الإجراءات المطروحة من النقاش، والتي تهدف في مجملها إلى طرح بديل لـ"الدولار"، الذي سيطر على أسواق العالم منذ عقود طويلة.
 
ولعل صناعة "الحالة التعددية"، لا تقتصر على تنويع العملات التي يمكن الاعتماد عليها في التجارة الدولية، وهو ما يبدو ضرورة ملحة، في اللحظة الراهنة، في ظل التضخم الناجم عن الأزمات الكبيرة التي تواجه العالم، وإنما تمتد إلى تلافي الأخطاء التي ربما وقعت فيها الولايات المتحدة، عندما أرست أدواتها لخوض طريقها نحو القيادة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، وأهمها اعتمادها على الغرب الأوروبي، باعتباره الطرف الأقوى في المعادلة الدولية، في ظل سيطرته على مقاليد العالم في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتحديدا خلال الحقبة الاستعمارية، رغم ما أصابه من دمار ووهن جراء المعارك التي انغمس فيها خلال النصف الأول من القرن العشرين، بينما استمر اعتماد واشنطن على أوروبا الغربية بعد انقضاء الحرب الباردة، فأصبح تصدير النموذج الغربي بمفرده هو السبيل لتعزيز القيادة الأمريكية، أو بالأحرى هيمنتها، سواء كان ذلك بالترهيب، عبر العقوبات تارة والغزو والاحتلال تارة أخرى، من جانب، أو الترغيب من خلال الحوافز، التي ظهرت في صورة الدعم المقدم للدول، سواء في إطار تنموي أو عسكري أو غير ذلك من جانب أخر، وهو ما بدا في منظومة القيم التي أرستها الولايات المتحدة، والتي شملت الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها.
 
إلا أن منظومة "بريكس" تبنت نهجا مختلفا، يعتمد على التنوع، عبر التمدد نحو نطاق جغرافي واسع، متجاوز الأقاليم التقليدية، من خلال تمثيل قوي لكافة قارات العالم، بدءً من أوروبا، والتي تمثلها روسيا، مرورا بآسيا، وإفريقيا، وحتى دول أمريكا اللاتينية، وهو ما يعكس عدم الالتزام بمنطقة جغرافية معينة، بينما تتقاسم عضويته دول العالم النامي والصاعد، في ظل وجود قوى مهمة، على غرار الصين، والهند، واللتين وإن تمسكتا بـ"لقب" الدول النامية، فإنهما تجاوزا تلك المرحلة عمليا، في ضوء ما يحققاه من نمو اقتصادي وصعود سياسي ملموس على الساحة الدولية، ناهيك عن روسيا، والتي تمكنت خلال السنوات الماضية استعادة جزء كبير من نفوذها على المستوى العالمي.
 
"صناعة التعددية" من منظور "بريكس" يبدو ممتدا إلى عضويتها، وهو ما يبدو في طبيعة العلاقات بين الدول الأعضاء، حيث يبدو للوهلة الأولى أن ثمة حالة من عدم الانسجام بين أعضائها، وهو ما يبدو في العلاقة بين الصين والهند، في ظل ما يشوبها من تنافس، ناهيك عن اختلاف المواقف فيما بينهم تجاه الغرب، خاصة الولايات المتحدة، حيث يحظى العديد من أعضاء التجمع بعلاقات قوية مع واشنطن ودول أوروبا الغربية، وهو ما يعكس قدرة غير تقليدية على دمج مختلف التوجهات، وإن تعارضت أحيانا في "بوتقة" المصالح المشتركة، في ظل الفوائد الناجمة عن العمل على تعزيزها، جنبا إلى جنب مع تحييد الخلافات حتى تتوارى وراءها.
 
فلو نظرنا إلى عضوية "بريكس"، نجد أنها تحمل في طياتها ثلاثة توجهات، منها المعارض للهيمنة الأحادية، وهو الفريق الذي تتزعمه الصين وروسيا، وهناك فريق آخر يحتفظ بعلاقات قوية مع المعسكر الغربي، ويسعى للحفاظ عليها، كالهند والبرازيل، بينما يبقى فريق ثالث ملتزم بالحياد في صورته الإيجابية، وهو الاتجاه الذي يعززه انضمام مصر لعضوية المجموعة في العام المقبل بعد قبول طلبها خلال القمة الأخيرة التي انعقدت في جنوب أفريقيا، بينما تبقى حالة من الإجماع حول ضرورة التعاون بين الأعضاء بمختلف توجهاتهم، لتعزيز حالة الصمود لديهم في مجابهة الأزمات الدولية الطارئة التي يشهدها العالم، لتذوب الخلافات الضيقة داخل بوتقة التنظيم.
 
الحالة "التعددية" التي يتسم بها التجمع الاقتصادي، رغم ما قد تثيره من انطباع أولي حول "عدم الانسجام"، إلا أنها في جوهرها تمثل ترجمة حقيقية لطبيعة العلاقات الدولية، وضرورة انتهاج سياسة جديدة لإدارة الخلافات بين الدول، بعيدا عن ممارسة أدوات الضغط، سواء في صورته السياسية والاقتصادية، وهو ما يتطلب قدرا كبيرا من الحنكة والخبرة في هذا الإطار، مما يعكس نجاعة اختيار الدول العربية (مصر والإمارات والسعودية) بعد ما حققوه من نجاج في إدارة العديد من الملفات الإقليمية في الشرق الاوسط مما أضفى قدرا كبيرا من الاستقرار الاقليمي، تبدو الحاجة ملحة إلى تعميمه في الفترة المقبلة، مع تمدد الصراعات إلى العديد من مناطق العالم.
 
وهنا يمكننا القول بأن تجمع "بريكس" يمثل حالة فريدة تتجاوز أهدافها، والتي تقوم في الاساس على تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضاءه، ليكون نواة لإرساء حالة من التعددية، وتقديم صياغة جديدة لشكل التحالفات الدولية على أساس من الشراكة وليس التطابق الكلي في وجهات النظر على غرار التحالفات التي أرستها حقبة الحرب الباردة
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مرموش على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي أمام وولفرهامبتون في الدوري الانجليزي

الداخلية تضبط 2 تيك توكرز تقدمان محتوى رقص بحوزتهما أقراص مخدرة.. فيديو

فلاش باك.. ذئاب الجبل يهزم الزمالك بهدفين فى آخر مواجهة قبل لقاء الليلة

الأهلي يستفسر من لجنة الحكام عن سبب طرد محمد هاني فى مباراة فاركو

الطقس غدا.. استمرار انخفاض درجات الحرارة وظهور السحب والعظمى بالقاهرة 35 درجة


المعاينة: النيران التهمت مخزن مواسير على مساحة 200 متر ببولاق أبو العلا

ترامب يرسل دعوة إلى قادة أوروبا وزيلينسكى لاجتماع الإثنين المقبل فى واشنطن

حقيقة إعلان المحكمة الرياضية قرارها بشأن شكوى بيراميدز

انفجار في بيرو يخلف إصابات وتضرر 25 منزلا وانطقاع التيار الكهربائي

وزارة التعليم: حظر تحصيل أية مبالغ مالية من أولياء الأمور


فيديو جديد لـ "شهاب بتاع الجيزة" لحظة إنقاذه فتاة المنيب

كليات مسار الطب وعلوم الحياة بالبكالوريا بعد التصديق على قانون التعليم

مصطفى شوبير يعتذر لجهاز الأهلي واللاعبين عن خطأ مباراة فاركو

وزارة العمل: ضبط 11 عاملا أجنبيا دون ترخيص بالغربية واتخاذ الإجراء القانوني ضدهم

علشان تختار لابنك صح.. أبرز 10 فروق بين البكالوريا والثانوية العامة

أشرف داري يواجه شبح الرحيل عن الأهلي خلال ميركاتو الشتاء

قانون الإيجار القديم يحدد نسبة زيادة الأجرة للمحال التجارية.. التفاصيل

وفاة والدة الفنان صبحى خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر بالغربية

1500 فرصة عمل كأفراد أمن بمرتبات تصل لـ9000 جنيه.. اعرف التفاصيل

خالد سليم وسعيد الأرتيست نجما مهرجان القلعة للموسيقى والغناء الليلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى