إذاعة القرآن الكريم.. لا تحرمونا من "الونس"

مصطفى عبد التواب
مصطفى عبد التواب
مصطفى عبد التواب

1

في الماضى القريب كانت جدتى تستأنس بصوت إذاعة القرآن الكريم، كانت الإذاعة ونيسها عندما ينام الجميع، وكانت بوصلتها للوقت قبل أن تنطق الساعة، كان بإمكانها أن تعرف من خلالها " في أي وقت الآن" عندما تسمع قول الله تعالى "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ"، وكانت تستعجل تحضير السحور عندما يقول المذيع "مع خواطر فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى"، لأن المحطة اللاحقة هي الانتقال إلى إذاعة خارجية لنقل صلاة الفجر.

ماتت جدتى وورثنا عادتها، باتت الصلة الممتدة بيننا وبينها "إذاعة القرآن الكريم" فهى لا تزال تشدو فى منزلنا صباح مساء، ولم نرث الإذاعة فقط، بل ما تحويه الإذاعة من كنوز نستأنس بها فى أوقاتنا المختلفة، فكنا صغارًا نلملم أغراضنا على صوت المذيع محمد عويضة وهو يقدم برنامج "بريد الإسلام"، وإذا ما انتهى البرنامج ونحن لا زلنا لم نجهز بعد، كنا نعرف أننا تأخرنا على المدرسة، كبرنا قليلا وصرنا نسهر لمنتصف الليل، وصار صوت الشيخ إبراهيم الشعشاعي وهو يقول "وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلً" مؤشرا لأن برنامج قطوف من حدائق الإيمان حان موعده، وهو ما يعنى أن الليل قد انتصف، ولابد أن نننام الآن لنصحوا فى الصباح.

2

على ذكر قطوف من حدائق الإيمان، تعود الذاكرة للأشهر القليلة الماضية، عندما دشن رواد الإذاعة حملات من أجل التمديد للإذاعى الكبير "شحاتة العرابى"، وخيرا فعل القائمون على الإذاعة وجددوا له استجابة لجمهور الإذاعة، لكن خيطا لم يلتقطه القائم على الأمر داخل أروقة الإذاعة العريقة، أن الجيل الذى لا يزال يستمع للإذاعة ويستأنس بها، يسحره أصوات الإذاعة التاريخية، عدم التقاط الخيط دفع المجددون على أسير موجات الإذاعة، تقديم أصوات جديدة تعيد تقديم ابتهالات العمالقة، وهو تجديد جانبه الصواب، فمن ذا الذى سيحب أن يسمع ابتهال حفر فى الذاكرة بصوت نصر الدين طوبار أو النقشبندى بأصوات جديدة غير مألوفة على آذان جمهور الإذاعة، وهو ما بات متكررا، بل دفع البعض إلى هجر الإذاعة.

- رباه ها أنا ذا خلصت من الهوى واستقبل القلب الخلى هواك.. وتركت أنسى بالحياة ولهوها ولقيت كل الأنس فى نجواك... كلمات لن تقبل الأذن أن تستمع إليها إلا بنغمات صوت العملاق نصر الدين طوبار.

- لما بدا في الأفق نور محمد.. كالبدر في الأشراق عند كماله.. واخضر وجه الأرض ليلة وضعه.. وانهل كل الغيث باستهلاله.. نشر السلام على البرية كلها وأعاد فيها الأمن بعد زواله.. "الحال نفسه، لن تقبل الأذن أن تسمع هذه الكلمات إلى بنغمات صوت النقشبندى".

 

3

لا يمكن لعاقل أن يكون ضد التطوير والتجديد، فهذه سنة الكون وضمان استمراريته، وهو الموقف ذاته من تطوير وتجديد الإذاعة، خصوصا أننى مشغول بالأساس بحال تطوير الصناعة التي أعمل بها "الإعلام" في ظل توغل "وسائل الإعلام الجديدة بما فيها السوشيل ميديا" على الوسائل التقليدية التي تربينا عليها، لكن التجديد مضمون النتائج يكن للمزيد من الرقى ولا يهدد التراث، وحال إذاعتنا الغالية الآن بعد بعض التجديد الذى أصابها "أنها صارت طاردة لجمهورها القديم" فلم يعد يجد فيها آنسه، وصار غريبا بين أصوات لا تقدم ما هو أفضل من الأصوات التي طالما ارتبطنا بها لسنوات، وباتت صلة بيننا وبين من رحلوا من الجدات والجدود، وبين رائحة بيوتنا القديمة".

فواصل إعلانية لا ترتقى بجمال الإذاعة وبحلاوة الأنس بها، أصوات جديدة غير مألوفة، وفقرات اتصالات هاتفية مفتوحة تزعج من يستمع لها ولا تترك له مساحة للاستماع إلى السائل أو الشيخ الذى يوضح له مسألته، صارت الإذاعة غريبة على مسامعنا، رغم أننا جمهورها الوفى حتى اليوم، وصار البعض يهجرها واحدا تلو الآخر، فأى تطوير هذا الذى يجعل الإذاعة في نهاية المطاف بلا مستمعين.

 

4

إن كانت الإذاعة تراهن على جيل جديد من الجمهور، وتضحى بالجيل القديم من مستمعيها الذين تربوا على صوت الإذاعة ويعرفون نغمات الفواصل ومقدمات البرامج، فيؤسفنى أن أبلغ القائم على الأمر أن الأجيال الجديدة التي لم تستأنس بالإذاعة وقتما كانت الرافاهيات محدودة، لن تجذبهم الفواصل الإعلانية والأصوات الجديدة فى الإذاعة، فطبيعة الأجيال الجديدة ووسائطهم الذين يستمعون من خلالها مختلفة، هل سمع القائم على الأمر عن "البودكاست"؟

وأن كانت الإذاعة تريد أن تجنى أمولًا أكثر تدعم مواردها وتضمن بقاءها فلن يجدى ذلك نفعا مع "تطفيش الجمهور القديم" الذى أظنه غير مقصود، بل "العز كل العز" وملايين الجنيهات تكمن في مكتبة الإذاعة القديمة، إذا ما أحسنت الإذاعة استغلالهم بما يتناسب مع الوسائط الجديدة، وإذا ما وضعت الإذاعة خطة لتوسيع انتشارها، وجني المكاسب بدلا من لصوص مكتبة الإذاعة الذين يربحون الملايين عبر الإنترنت من محتوى هو بالأساس ملكا للإذاعة، فالأولى أن تصل الإذاعة لجمهورها القديم، وأن تعيد تقديم مكتبتها في صور جديدة بما يتناسب مع الوسائط الحديثة، وأن تلاحق لصوص المحتوى، بدلا من أن تقدم لنا فواصل إعلانية تنفر الجمهور، أو فقرات اتصالات لا تؤدى ربع دور بريد الإسلام.

وأخيرا لا يختلف أحد على حتمية أن تقدم الإذاعة مواهب جديدة، تعيد أمجاد دولة التلاوة والابتهال، لكن تقديم الأجيال الجديد لا يكون على حساب التراث المحفور داخل ذاكرة ووجدان جمهور إذاعة القرآن الكريم".

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلى يرحب برحيل أفشة فى يناير.. وسيراميكا مهتم بضمه

باريس سان جيرمان يتحدى فلامنجو فى نهائى كأس القارات للأندية الليلة

معلومة قانونية.. تعرف على عقوبة دفن جثة بدون تصريح

هل يشترط امتلاك توكتوك للتقديم فى منظومة الإحلال والحصول على السيارة الكيوت؟

موعد مباراة الزمالك وحرس الحدود فى كأس عاصمة مصر


تصعيد أمريكى خطير ضد فنزويلا.. ترامب يعلن حصار كراكاس

مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 17-12-2025 والقنوات الناقلة

مواعيد إجازة نصف العام 2026 لصفوف النقل والثانوية والإعدادية

موعد مباراة الأهلى وسيراميكا فى كأس عاصمة مصر والقنوات الناقلة

شبورة وأمطار على عدة مناطق.. تفاصيل طقس اليوم الأربعاء 17-12-2025


حمادة صدقى: أداء منتخب مصر أمام نيجيريا مطمئن.. وإمام عاشور يصنع الفارق

أهداف مباراة مصر ونيجيريا الودية

منتخب مصر يهزم نيجيريا 2 - 1 فى البروفة الأخيرة قبل أمم أفريقيا.. صور

تعرف على أصوات محمد صلاح وحسام حسن فى جائزة ذا بيست

غيابات بالجملة فى الزمالك أمام حرس الحدود

أسطورة ليفربول يوجه رسالة نارية إلى كاراجر: محمد صلاح لم يخطئ

تعرف على جميع الفائزين فى جوائز ذا بيست 2025

الأهلى يترقب موقف توروب من عرض المصرى لضم محمد سيحا

وظائف فى محطة الضبعة بمرتبات تصل لـ40 ألف جنيه.. اعرف التفاصيل

التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى