خالد دومة يكتب: وجوه

خالد دومة
خالد دومة
إن معرفة الإنسان الحقيقة، لا تتوقف على المعرفة الظاهرية له، لأحواله الشكلية، لونه، أو سنه، أو البيئة المحيطة به، عمله، طريقته في الكلام والمشي، ماذا يرتدي؟ وقع الأشياء على نفسه، إن معرفة الإنسان أمر قد يبدو معقد بعض الشيء، لأنها تحتاج إلى دراسة موسعة، من معرفة ميوله، ما يفرحه، وما يحزنه، ما يكون خلف كومة اللحم والدم، من عواطف وأفكار، إن تأمل الظاهر، لا شك إنه قد يعطي انطباع فيه شيء من الحقيقة، وقد تظهر بعض الصفات الكامنة في النفوس على ملامح وجه الإنسان، مهما حاول إخفائها، فهي تظهر، ولو أُخبر عنها صاحبها تعجب وأخذته الدهشة من قول قائليها، وظن أن أحكامهم جائرة، فيها كثير من الحيف والباطل، أو هو الحسد، ولكنها الحقيقة الناقصة، وقد تكون الحقيقة عكس ما يبدو لنا منه، فلا يكفي لمعرفة إنسان أن تلقي بنتائج على قاعدة متذبذبة، بين الشك واليقين. 
 
كنت جالسا ساعة، في ساحة أراقب وجوه المارين بجانبي، ومن أمامي، تمر عليّ مئات الوجوه، أحدق فيها، فأرى انطباعات فكرية مثيرة، تمر على خاطري، حين تقع عيني على وجوههم، فكلها وجوه، لم أراها من قبل، ولكنها لا تتشابه في ترك انطباع تنفرد به عن سائر الوجوه، قرأتُ منها، ما يحيل النفس بستان، تحف به أنهار من النرجس، تأخذك إلى عالم سحري، تستمتع بمرآه، وتشيع في جوانبك البهجة، وترسم على شفتيك إبتسامة، هذا ولم تمضي لحظات، وأنت تلامس السحاب بيديك، وإذا بك واقف على الأرض، تعاني ألم أشواك تحت قدميك، يحيط بك هواء فاسد، ورائحة كرية، وانقباض في النفس، ويعلو ضجيج يملأ النفس، وإستنفار وجه يصرخ في وجه الجمال، لا هم له إلا بث الكآبة في النفوس. ثم ترى وجهاً أخر مسالم، لا أثر له في الكون، سوى أن يحيا بلا زوابع أو ثورات، فليس له طموح سوى أن يعيش بجوار الحائط، ووجه لا يعطيك شيء، هو لغز، إذا حاولت أن تحله، أستغلق عليك، فحارت قواك العقلية في تفسير ما يرمي إليه، وماذا يريد؟ ووجه أخر طفولي، لم تدنسه الحياة بمتاعبها، ويملأك رغبة في تقبيله. وأخر عبوس، وكأنه جاء إلى الدنيا ليذكرنا بالموت والخراب، وأخر يمر سريعا، قبل أن تقع عينيك عليه، كأنه يهرب منك، قبل أن تتصفحه، تمر مئات الوجوه، طفل صغير، وشيخ ضرير، امرأة ناهد في سنوات الصبا، فتاً في العشرين، يمتلأ زهواً وكبرياء، رجل شاب شعر رأسه، من هول المعارك، التي خاضها من أجل أن يبقى حياً، وأخرى فتك الزمان بها، فلم يتركها إلا أطلال بالية، سنوات مرت بحلوها ومرها، بما تحمل، تلقي بها على هامش الحياة، تأتي لتغيب.
 
إنها ليست وجوه، إنها تواريخ وأحداث، سنوات من الحصاد، تتراكم على كل وجه، كل ما يمكن أن يعطيك، هو نبذة صغيرة، إشارات عابرة، نقاط موجزة، بطاقة هوية، تحمل قليل من رواية ضخمة، تجري أحداثها منذ سنوات مضت، وستظل حتى تخط يد القدر نهايتها الحاسمة.
 
 
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

خالد دومة يكتب: فقر الأغنياء

خالد دومة يكتب: فقر الأغنياء الإثنين، 11 سبتمبر 2023 03:05 ص

خالد دومة يكتب: هل أستطيع؟

خالد دومة يكتب: هل أستطيع؟ الإثنين، 04 سبتمبر 2023 11:52 م

خالد دومة يكتب: عامٌ من الحزن

خالد دومة يكتب: عامٌ من الحزن السبت، 02 سبتمبر 2023 06:48 م

خالد دومة يكتب: الجدار

خالد دومة يكتب: الجدار الأربعاء، 30 أغسطس 2023 11:36 م

خالد دومة يكتب: من وحي القراءة

خالد دومة يكتب: من وحي القراءة الجمعة، 18 أغسطس 2023 12:07 ص

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الغاز الطبيعى المسال يقود استراتيجية كندا لمواجهة الحروب التجارية

ريال مدريد يرصد أعلى مكافأة فى تاريخه للتتويج بلقب كأس العالم للأندية

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

المرور يبدأ غلق الطريق الإقليمى لتنفيذ أعمال إصلاحات لمدة 7 أيام

مدرب فلومينينسي يتحدى تشيلسي: هدفنا صناعة التاريخ


وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت نتيجة عطل الاتصالات والإنترنت

بي اس جي ضد الريال.. مبابي يتحدى باريس في مواجهة الثأر والانتقام

تغير المناخ يهدد أفريقيا.. تقلبات الطقس المتطرفة تهدد المجتمعات المحلية.. توقع بارتفاع الحرارة بمعدل 4 درجات بحلول 2050.. ارتفاع مستوى البحر 20 سم منذ عام 1900.. والظواهر الجوية الشديدة زادت 3 أضعاف في 35 عاما

10 تغييرات فنية لأندية الدوري استعدادا للموسم الجديد

ياسين مرعى صفقة الأهلى الثامنة فى الميركاتو الصيفى


وزارة الطيران: تأخر محدود في إقلاع الرحلات لعطل بشبكات الاتصالات والإنترنت

طلعت يوسف يعلن اعتزاله التدريب بعد قيادة 476 مباراة

أحمد ياسر ريان: رحلت عن سيراميكا بسبب أزمة مالية ولدى الأمل فى العودة للأهلى

للمرة الثانية..السيطرة على حريق مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تبدأ التبريد.. صور

فات الميعاد الحلقة 19.. الحكم على أحمد مجدى بالسجن خمس سنوات

المصرية للاتصالات: فصل التيار خلال الحريق سبب تأثر الخدمة.. وتعويض المتضررين

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة.. صور

رجال الحماية المدنية يعلنون السيطرة على حريق سنترال رمسيس وبدء عمليات التبريد

ماركا تحسم الجدل: ميسي لا يخطط للرحيل عن إنتر ميامي هذا الصيف

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى