التاريخ المصري من يكتبه.. وكيف يكتب؟

خالد عزب
خالد عزب
دكتور خالد عزب

كان التاريخ الوطني يكتب طبقًا للأهواء السياسية وليس طبقا للتحليل والتمحيص، والنقد الذي يجعل التاريخ مصدرا للتجارب التي يجري التعلم منها والبناء عليها، فضلا عن دور التاريخ في صياغة الشخصية الوطنية، هذا ما يتطلب عند كتابة التاريخ مراعاة البعد عن المبالغات التي تخرجه عن سياق المنطق والقبول العقلي والتصديق، والكثير من الدول تعتبره أحد أدوات إعداد المواطن للحياة السياسية، فكثيرا ما وظف التاريخ لخدمة أغراض مرحلية سرعان ما يجري تصحيح ما استخدم لخدمة هذه المراحل فيسقط من آثار الأكاذيب من عيون الناس.

للأسف فإن المدرسة المصرية التاريخية فقدت جزءا من قدراتها خلال العقود الأخيرة فجاءت الوفاة المبكرة لأركانها الواعدة مثل: نعيم وصفي ذكي، السيد الباز العريني، إبراهيم طرخان، لتفقد مصر الكثير، كما أن تركيا مؤخرا وعبر برامج ومسلسلات وكتب جعلت للدولة العثمانية شعبية في الكتابات التاريخية العربية، مما جعل التاريخ المملوكي في مصر يتراجع، في حين أن ذروة دور مصر الذي ما زلنا نبني عليه إلى اليوم يعود للعصر المملوكي حين حررت مصر نهائيا بلاد الشام من الصلبيين على يد كل من: سيف الدين قطز ثم الظاهر بيبرس ثم البطل المنسي الأشرف خليل محرر عكا، لتصل مصر حدودها إلى أقصي اتساع لها عبر التاريخ حيث امتدت إلي أذربيجان شمالا وشمال السودان جنوبا وشرق ليبيا، لتصبح القاهرة عاصمة العالم الإسلامي، وبورصة العالم حيث التجارة القادمة من الصين والهند وأفريقيا وأوروبا تصب في مصر لنرى مدن تجارية كبري كقوص وفوة والإسكندرية وأسيوط ودمياط ، لتتحول القاهرة إلى مدينة ألف ليلة وليلة في المخيلة الأوربية، لثروتها ومعمارها ومكانتها.

على جانب آخر، فإن جمود أقسام التاريخ في الجامعات المصرية تسبب في تراجع قدرات المصريين في الكتابة التاريخية إلا أعداد قليلة، ومعظمها مهاجر أو معار أو مهمش، وهناك حاجة ماسة للتفكير في أقسام التاريخ لإدخال مواد لإعداد المؤرخ، مثل تأريخ التاريخ، فلسفة التاريخ، النقد التاريخي، إضافة إلي أن العصور الغائبة عن الذاكرة التاريخية المصرية تحتاج إلى إعادة كتابة مرة أخرى، فنحن في حاجة لأن ندرس الإيمان بالمسيحية في مصر، وكيف نجح المسيحيون الأوائل في نشر هذا الدين تحت وطأة الاضطهاد والتعذيب والاستشهاد، كما أن تراكم التاريخ الوطني عبر عصور سحيقة يتطلب الوعي بطبقات التاريخ الوطني وبالتالي ينشأ الإيمان بالوطن وحضارته.

كتابة التاريخ للجمهور شيء، وكتابة التاريخ لطلاب المدارس شيء آخر، والكتابة الأكاديمية للتاريخ شيء ثالث، نحن إلى الآن لم نقدم تاريخنا وفق مستويات مختلفة من الكتابة طبقا للجمهور المخاطب، هذا ما يجعل هناك مشكلات في مصر في تلقي المادة التاريخية تذهب إلى حد نفور طلاب المدارس من المادة التي ذهبت حاليا إلى حد التسطيح، وبالتالي يجري تلقيها بالاستهزاء من طلاب المدارس، وخطورة هذا كله أن هناك روايات تاريخية كتبت خارج مصر بمستويات متعددة بدءا من كرتون الأطفال إلى الأفلام الوثائقية المتاحة على شبكة الإنترنت، هي من تقدم التاريخ المصري أو جوانب منه للمصريين، وبينما نحن سلمنا بهذا الأمر، أدرك الآخر أهمية التاريخ فجعل له قنوات متعددة لكي يصل للناس كما تراه الرؤى الوطنية.

علم المصريات

علم المصريات هو العلم المعني بمصر القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية الحقبة البطلمية، هذا العلم من المفترض أن مصر تكون هي سيدة العالم فيه.. للأسف الشديد أن موقع مصر من علم المصريات متراجع كثيرا عن المكانة التي يجب أن يكون عليها، هناك علماء شباب مصريون  مبشرون في هذا الحقل المعرفي، لكن الأمر يتطلب خطة وطنية مدتها عشر سنوات لكي تكون مصر هي الرقم الأول والمرجع في هذا العلم، فلا يعقل أن تتفوق فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا حتى الصين الآن في هذا العلم، كما أن العديد من المعلومات التاريخية الشائعة، إما بها نقصان شديد مثل معرفة المصريين بالأسرة صفر والتي أعادت ترتيب وقراءة تاريخ مصر في عصر بداية الأسرات، أو حتى المقاومة الوطنية التي هزمت جيش الاحتلال الفارسي (جيش قمبيز) والذي شاع عنه أنه اختفى في بحر الرمال، إلى اعتبار الحقبة البطلمية حقبة احتلال.

نحتاج إلى إنشاء موسوعة رقمية وورقية وطنية للتاريخ الوطني تكون في بداياتها بسيطة المداخل فيما لا يزيد عن أربعة مجلدات، ثم ينبثق عنها عدة موسوعات متخصصة موسعة في كافة العصور التاريخية لمصر وفق معايير علمية صارمة، مما يولد جيلا جديدا من المؤرخين بمنهجيات جديدة لكتابة التاريخ الوطني.


 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

لا تفوت الليلة.. "وجه مبتسم" يزين سماء الحج فى ظاهرة فلكية مميزة

على معلول.. نهاية درامية لـ 9 سنوات من العطاء مع الأهلي

محمد منير .. "دموعك غالية علينا" الجمهور يتفاعل مع فيديو بكى فيه الكينج

الخارجية: لا مساس على الإطلاق بدير سانت كاترين والأماكن الأثرية التابعة له

أبطال الظل.. 4 قصص رياضية مُلهمة ترسم الأمل.. يحيى شعبان "عامل يومية" يكافح بكفين من العطاء.. نادية فكري "بطلة" هزمت الإعاقة بالحديد.. صابر عيد "تاريخ منسي" مع المرض.. وأسامة ربيع "صنايعي بناء" يلامس سقف أحلامه


قادرون باختلاف.. "آلاء" بطلة من ذوى الإعاقة سراج يضيئ أركان منزل أسرتها.. حصدت ميداليات ذهبية فى ألعاب القوى.. نالت تكريم قرينة رئيس الجمهورية فى احتفالية المجلس القومى لمتحدى الإعاقة.. ووالدتها: نشعر بالفخر

بعد اطلاق اسم شقيق ووالدة حسن الرداد على أولاده.. لماذا خلد الرداد ذكراهم؟

أنهار الذهب الأصفر مستمرة في الجريان على شون وصوامع الأقصر.. توريد 20 ألف طن قمح لشون إسنا وأرمنت.. وكيل التموين: 4 نقاط جاهزة لاستلام المحصول.. والمحافظ يوجه بتوفير أعلى معايير الأمن والسلامة.. فيديو وصور

أول انخفاض فى 3 سنوات.. انكماش الاقتصاد الأمريكى بسبب حروب ترامب التجارية

الصحة السودانية: 23 وفاة و1375 إصابة جديدة بالكوليرا فى الخرطوم


تضخ الزيوت التموينية لمصر كلها.. تفاصيل مشروع تطوير محطة الزيوت والشحوم بالمكس.. أكبر محطات التخزين.. رفع الطاقة الاستيعابية إلى 144 ألف طن.. زيادة الصهاريج إلى 41.. والمحافظ: التطوير يساهم فى خلق فرص عمل

الزراعة وتحقيق الأمن الغذائى.. خطة التنمية للعام المالى 2025/2026 تستهدف تطوير منظومة الرى.. التوسع في إنتاج المحاصيل الرئيسية والاستراتيجية.. تحسين الإنتاجية وزراعة أصناف جديدة وتوفير تقاوي عالية الإنتاجية

مباراة فاركو فصل الختام في رحلة ميشيل يانكون مع الأهلي

الرئيس السيسى يتابع مستجدات العمل بمشروعات جهاز مستقبل مصر للتنمية (فيديو)

غزة.. "الأرض الأكثر جوعًا" تشهد يوماً دامياً جديداً.. 65 شهيدًا وأكثر من 250 مصابا.. الاحتلال يستهدف مستشفى ميدانى وإصابات بالمرضى.. مقترح جديد للمبعوث الأمريكي يتضمن هدنة 60 يومًا.. ودعوات أوروبية لوقف الحرب

الصحف العالمية: ترك إيلون ماسك منصبه فى "كفاءة الحكومة"يمثل نهاية لمرحلة مضطربة..السلطات البريطانية تحقق في حريق متعمد بمنزل الأميرة ديانا..إيطاليا تُعرب عن غضبها من أجل شهداء غزة: هؤلاء الأبرياء يهينون ضمائرنا

وزراء ومسئولون في الأكاديمية الوطنية للتدريب.. "المرأة تقود" يختار الكفاءات من الكوادر النسائية وتأهيلهن للقيادة وصنع القرار.. 9300 متقدمة و235متنافسة.. رشا راغب: رغبة كبيرة من الدولة للاستثمار في العنصر البشرى

السفير خالد البقلى وإلينا بانوفا يكتبان: يحرسون الأمل وسط الصراع حان الوقت لتمكين حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لمجابهة تحديات الغد

قائد صن داونز: تعلمنا الدرس وسلاحنا القوة والجرأة أمام بيراميدز فى الإياب

طفح الكيل وكفى.. نيران الغضب تجتاح الداخل الإسرائيلى.. شغب وعنف فى تل أبيب..أولمرت وكبار السياسيين: غزة أرض فلسطينية وشعبنا يرغب فى وقف الحرب..الإعلام: الحكومة لا تعرف ماذا تريد.. ومساع لإعلان عدم أهلية نتنياهو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى