فلسطين ليست قضية فلسطينية

أحمد طنطاوى
أحمد طنطاوى
بقلم أحمد طنطاوى

يقرر المؤرخون أن الحروب الصليبية انحصرت بين عامى 1096 و1291م، مشيرين بذلك إلى عدد من الحملات العسكرية، كان الصليب  - شعارها المرفوع، وكان بيت المقدس الهدف والوجهة، ثم تغيرت الوجهة - مع بقاء الهدف - بنزول الأوروبيين على شاطئ الركن الشمالى الشرقى من قارة أفريقيا، عندما أدركوا أن مصر (التى أطلقوا عليها مسمى رأس الأفعى) هى العقبة الكئود أمام السيطرة على "مهد السيد المسيح"، ونقل المواجهة مع الثقافة الإسلامية لأراضيها.


والحقيقة أن هذا التعريف لمسمى "الحروب الصليبية" محل نظر، فكيف يمكن أن يكون المقصود به "الحملات المتتابعة "زمنيا" والمتوافقة "جغرافيا"، والمستجيبة لدعوة الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية، والفاتيكان الكاثوليكى، دون أن يمتد إلى تاريخ التدافع - السابق واللاحق- للثقافتين المتجاورتين المختلفتين فى كثير من قيمهما (الإسلام والمسيحية الغربية).


إن اختزال مسمى "الحروب الصليبية" فى 195 عاما للحملات السبع (فى رواية أخرى: التسع)  أمر مخل، كون المسمى يشمل كل محاولات الغرب المسيحى دفع الثقافة الإسلامية بعيدا، وهو بهذا المعنى يعنى أنها حروب مستمرة حتى اللحظة، بدأت من المعارك الأولى: "مؤتة" (629 م)، و"تبوك" (630 م) اللتين أسستا سلسلة من المواجهات المقتصرة ـ قديما ـ على الجانب العسكرى، والمتطورة - حديثا - لجوانب سياسية وثقافية واقتصادية وفكرية مع عدم إغفال الجانب العسكرى.


وكانت معركة اليرموك (636 م) أول هدف تحرزه الثقافة الوليدة فى الشرق، ليبدأ تراجع الثقافة الغربية وسقوط أملاكها فى معارك أخرى منها أجنادين (634 م)، وسبيطلة (647 م)، وذات الصوارى (655 م)، حتى تمام فقد الجزء الشرقى والجنوبى من حوض البحر المتوسط، لكن الغرب لم ييأس، فتواصل السجال، ليحرزوا أهدافا ونحرز أخرى، كان لنا منها طردهم من الشرق بحصار عكا (1291 م)، وسقوط القسطنطينية (1453 م)، وكان لهم إسقاط الأندلس بعد فقد القسطنطينية بـ38 عاما (1491 م).


وعندما جاء نابليون إلى مصر (1798 م) كان على وعى بهذا السجال وخطورة مصر كلاعب رئيسى فيه، ومن ثمّ كان يطمع فى "فرنستها"، ليصبح "رأس الأفعى" لهم لا عليهم، فجاء بمطبعة وفرق علمية وفنية ومسرح، إلا أن "الأفعى" التفت عليهم فطردتهم، وطردت من بعده فريزر (1807 م)، لكن الحظ ابتسم لهم أخيرا عام (1882 م).


ورغم تجاوز البشرية لفكرة الحروب الدينية، وتعاظم تكاليف التوسع والضم، إلا أن الغرب المسيحى ما زال يخشى استرداد الثقافة الإسلامية لأوطانها عفية، ومن ثمّ خطط لفصل قوة الإسلام الذاتية ـ التى ينتشر بها حاليا ـ عن قوته بأوطانه، فكان هدف السيطرة على أوطان المسلمين وإشغالهم بأنفسهم قضية وجودية للغرب.


لكن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف دون تكاليف مرهقة؟


الحل تمثل فى وجود كيان بديل يلقى عليه الغرب عبء المواجهة.. يتترس فى الخط الدفاعى الأول أمام "الأفعى وأخواتها".. يفصل بينهم ويقاتلهم بالوكالة.
هنا كانت إسرائيل فكرة عبقرية، عبر عنها الرئيس الأمريكى بايدن فى شبابه بقوله: لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا إيجاد إسرائيل"، فهل كان الرجل يقصد بكلامه خطورة "فلسطين" على الحضارة والثقافة الغربية؟ 
 

بالتأكيد ليست فلسطين.. بل الحضارة والثقافة الإسلامية، وفلسطين مجرد "موقع مناسب"، لحشد اليهود غير المرغوب فيهم فى مواجهة الثقافة غير المرغوب فيها، ومثلما اتحد 25 ملكا وقائدا أوروبيا فى العصور الوسطى لشن حملاتهم السبع علينا، رغم اختلاف لغاتهم ومذاهبهم الدينية ومصالحهم نجد الغرب حديثا يتحد لدعم الاحتلال والإبادة فى فلسطين، متجاوزا خلافاته البينية، ذلك أن ملف الحضارة والثقافة الإسلامية دائما خارج دائرة الخلاف.


ومن ثمّ ففلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، إنهم فقط الخط الدفاعى الأمامى لنا كأمة، ومن المؤسف أن نجدهم يقاتلون دون دعم "كامل المعنيين" بالمعركة التى هى امتداد للحملات الصليبية القديمة/ الجديدة (629 م - ... م).

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

سباق الحذاء الذهبي في أوروبا يشتعل مبكرا.. هاري كين يدشن موسمه مع بايرن ميونخ بهاتريك تاريخي.. جواو بيدرو يتألق مع تشيلسي.. أمم أفريقيا 2025 تهدد حلم محمد صلاح.. ومبابي وهالاند يستعدان للانقضاض على الجائزة

الدوري المصري بعد 3 جولات.. 8 فرق بدون انتصارات

دوا ليبا تتحدث عن حبيبها: أنا أكثر سعادة من أي وقت مضى.. والحب يستحق المجازفة

أحمد حمدي يخضع لاختبار طبى فى الزمالك بعد إصابته فى الأمامية

وست هام ضد تشيلسي.. استيفاو يحقق رقما قياسيا مع البلوز بالدوري الإنجليزي


شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثلنى قانونيا ولدى الخبرة الكافية لاتخاذ قرارتى

الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي بـ 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه

مصريو الخارج يجسدون ملحمة وطنية فى حب بلادهم بمواجهة مخططات الإخوان ضد سفاراتنا.. رئيس اتحاد شباب مصر بالخارج: نرد الاعتبار لسفاراتنا فى مواجهة الجماعة الإرهابية.. وأستاذ قانون دولى يستنكر الاعتداءات

ابنة هوجان تطالب الشرطة بكشف لقطات الكاميرات لتوضيح ملابسات رحيل والدها

داكوتا جونسون.. كيف جمعت نجمة Fifty Shades of Grey ثروتها بعيدا عن التمثيل؟


موجة حر شديدة تودي بحياة أكثر من 1300 شخص في البرتغال

طائرة خاصة لمنتخب مصر للسفر 7 سبتمبر لمواجهة بوركينا في تصفيات المونديال

ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا

مواعيد مباريات اليوم.. مان سيتي أمام توتنهام وليفانتى مع برشلونة

مرموش يواجه اختبارًا جديدًا فى قمة نارية بين مانشستر سيتي وتوتنهام

برشلونة يواجه ليفانتي لمواصلة الانتصارات فى الدوري الإسباني

هيثم شعبان يعلن اليوم قائمة الطلائع لمواجهة الإسماعيلى فى الدوري

أرسنال يبحث عن الانتصار الثانى فى الدوري الإنجليزي أمام ليدز

سيدة تلاحق زوجها بدعوى طلاق بعد رفضه الإنفاق عليها.. تعرف على التفاصيل

"غيابات بالجملة"..موعد مباراة الأهلى أمام غزل المحلة بالدوري المصري

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى