"الرحمة" شريان للإنسانية لا يجف

محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي
محمود عبد الراضي

في عالمٍ تشتد فيه همسات الألم وتنحسر فيه تباشير الأمل، تصبح الرحمة أكثر من مجرد شعورٍ عابر، إنها ذلك الجسر الخفي الذي يربط الأرواح بعضها ببعض، والحبل السري الذي يغذي الإنسانية بماء الحياة، هي لغة لا تحتاج إلى ترجمان، ولا إلى حروف تصوغها؛ هي أبعد من الكلمات وأعمق من الأفعال، هي فاعلية القلب قبل أن تكون فعالية اليد.

"الرحمة" ليست مجرد عاطفة نرثها مع دمائنا، بل هي اختيار يومي نمارسه مع كل نفس، مع كل ابتسامة، مع كل كلمة طيبة، إنها تدافع عن الضعفاء، وتستجيب للآلام الصامتة التي تكمن خلف وجوه تعودت التظاهر بالقوة، هي الفعل الذي لا ينتظر الشكر، ولا يحتاج إلى مكافأة، بل يعانق الضعف والجروح بروح من التسامح، ويمنح المسافة بين البشر معنى جديدًا، معنى يضمن أنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم القاسي.

أما في مجتمعنا، حيث تتسارع الأيام وتتحكم المصالح في مسار علاقاتنا، تغدو الرحمة نادرة كزهرة في صحراء، نبحث عنها في الوجوه المتعبة، وفي العيون التي تخفي خلف ستائرها قصصًا من المعاناة، وفي الأرواح التي تئن دون أن تجد آذنًا صاغية، لكن الرحمة، رغم قسوة الحياة التي نعيشها، لا تزال تلعب دورها في هذا الوجود، كنسمة خفيفة تأتي دون موعد، فتجدد فينا الأمل، وتعيد لنا ثقتنا بالبشر.

في زحام الحياة اليومية، ربما ننسى أن الرحمة لا تعني فقط مساعدة الفقراء أو رعاية الضعفاء، بل هي أيضًا التقدير الصادق للآخر، والاعتراف بحقوقه، واحتضان اختلافه، هي أن نمنح الآخرين فرصة أن يكونوا على طبيعتهم، دون قسوة أو تحامل، الرحمة ليست محصورة في موقف معين، بل هي أسلوب حياة، حالة من الوعي التي تقودنا إلى أن نعيش مع بعضنا في سلام، أن نتعاون بدلًا من أن نتنافس، أن نرفع عن بعضنا أثقالًا ولو كانت صغيرة.

"الرحمة" لا تكون الرحمة مجرد ردة فعل تجاه حاجة أو معاناة، بل هي فعل مقاوم للخشونة التي قد تسكن نفوسنا في غمرة الانشغال والتوتر، الرحمة، بهذا المعنى، هي أن ننظر إلى الآخرين كما نود أن نُنظر، وأن نبادر باللطف حيثما كانت الأنانية قد تتسرب.

في عالمٍ يزداد فيه القسوة، تزداد أهمية أن نكون نحن حراسًا للرحمة، حاملين لمشعلها بين ثنايا حياتنا، ومؤمنين بأننا ما دمنا نمتلك القدرة على الرحمة، فنحن ما زلنا قادرين على التغيير، لأن الرحمة، في نهاية المطاف، هي الرد الصادق على الجفاف الإنساني، والسبيل الأسمى لخلق مجتمع يرفرف فيه الأمل، وتعيش فيه القيم الحقيقية للإنسانية.

فلنكن نحن مَن يمد يد الرحمة، فالعالم بحاجة لها أكثر من أي وقت مضى، ونحن بحاجة لأن نعيشها كي نثبت لأنفسنا أننا ما زلنا على قيد الإنسانية.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

قانون الإيجار القديم يحدد نسبة زيادة الأجرة للمحال التجارية.. التفاصيل

مانشستر سيتي يتسلح بـ عمر مرموش في معركة استعادة عرش الدوري الإنجليزي

الطقس اليوم.. انكسار الموجة شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 36

ترامب: أمنح لقائي مع بوتين في ألاسكا تقييم 10 على 10

1500 فرصة عمل كأفراد أمن بمرتبات تصل لـ9000 جنيه.. اعرف التفاصيل


تفاصيل جلسة محمد يوسف مع أحمد عبد القادر في الأهلي

دفاع إحدى ضحايا حادث طريق الواحات: شقيق أحد المتهمين عرض الصلح

الفخامة والسرعة.. مواعيد قطار تالجو على خطوط السكة الحديد السبت 16-8-2025

قانون الضريبة على العقارات المبنية يحدد ضوابط تقدير القيمة الإيجارية

وزارة التعليم: يحق للطالب عدم دخول امتحان الثانوية دور ثان ويبقى للإعادة


محمد صلاح يبكي بعد هتافات جماهير ليفربول لـ دييجو جوتا (فيديو)

الإصابات تضرب صفوف سيراميكا قبل مواجهة إنبى فى الدورى

باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. بيان مصرى وعربى ودولى مشترك يؤكد: إسرائيل الكبرى تشكل تهديدا للأمن القومى العربى.. وبدء أعمال قمة ترامب وبوتين بألاسكا تحت شعار "السعى نحو السلام"

عبيدة عروسة فى حفل زفاف أسطورى بكليب "ضحكتك بالدنيا" بتوقيع بتول عرفة

محمد صلاح يسجل فى فوز ليفربول الصعب على بورنموث 4 - 2 بالدوري الإنجليزي

حبس المتهم بسرقة هاتف بالإكراه من شاب أمام مستشفى الزيتون

خسارة يد الأهلي أمام فيزبريم فى بطولة كأس الأبطال الدولية

شهاب يختتم حفله فى العلمين بأغنية "التتار" ويوجه الشكر لـ "تذكرتي".. صور

الأهلي يصعق فاركو برباعية في الدوري ويحقق انتصاره الأول مع ريبيرو.. صور

زيزو يسجل أول أهدافه مع الأهلي فى شباك فاركو بالدقيقة 21.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى