دلشاد الجزء الثانى.. لا يزال الجمال مستمرًا والحزن أيضًا

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف

عندما انتهيت من الجزء الثاني من رواية "دلشاد" للمبدعة العمانية الكبيرة بشرى خلفان، والذي حمل عنوانًا فرعيًّا (الدم والذهب) عرفت معنى الجملة التى صدرت بها بشرى الرواية "ما الشبع إلا وهم".

مرة أخرى نواصل الرحلة مع "دلشاد" وابنته "مريم" في عالم صعب لا تؤنسه سوى ضحكات تأتي كل حين، ضحكات لا يفجرها الفرح دائمًا، بل قد تنبع من الحزن والإحساس بالعجز، ومن هنا ينتشر الشجن الذي ينسج رداءه على كل أطراف الرواية.

استطاعت بشرى خلفان أن تربطني بشخصيات العمل مرة أخرى، فرحت أتتبع خطاهم، لكن ما بيني وبين مريم دلشاد رباط لا انفكاك له، إن فرحت مريم فرحتُ معها، وإن حزنت انتكس القلب.

ومن هنا أرى أن بشرى خلفان قدمت للسرد العربي شخصية خالدة في الرواية العربية فـ "مريم دلشاد"، لا أقول إنها رمز دال على المرأة العربية في زمن ما، لكنها أكثر من ذلك إنها نمط دال على الإنسانية، استطاعت بشرى خلفان أن ترسمه بتريث يليق بشخصية مركزية، وأن تضفي عليها من سمات الفن والواقع ما يجعلها "باقية" بين الشخصيات الروائية الكبرى في تاريخ الأدب العربي، فـ "مريم دلشاد" هي أول كل شيء وآخره، هي الباحثة عن والدها، وخلال رحلتها الطويلة المضنية تلتقيه مرتين، في أول الرواية وآخرها، تلتقيه فلا تعرفه، ولا يعرفها، بينما أكاد أنا أصرخ "انتبهي يا مريم، دلشاد هو من اصطدم بك".


وتواصل بشرى خلفان في الجزء الثاني البحث في النفوس البشرية، فكل نموذج ظهر في الرواية كان بمثابة "حالة مكتملة" لها دوافعها وأهدافها وتأثرها بالمجتمع، فلدينا "فريدة" ابنة مريم وعبد اللطيف، شخصية مرتبكة ما بين حبها لأمها ورغبتها في الاستقلال، وناصر بن صالح  باحث عن الطمأنينة بسبب الغربة التي عاشها في الداخل والخارج، كلما ظهر في الرواية تساءلت: "كيف لرجل ألا يعرف اسم أمه؟!!!".

بينما نظام أحمد رسلان هارب من الدم العالق في يديه، يطارده إحساس بالذنب على جرائم لم يقصدها، وصالح بن سيف باحث عن الحق بطريقة خطأ، ويظل "شنون السرسري" القصة الأكثر مأساوية في الرواية، الحائر بين حياتين، ودافع الثمن لما فعل وما لم يفعل، بينما "فاطمة لولاه" هي المحبة الباحثة عن حب "مراد داهوك" بعد موته.  


كما تواصل بشرى خلفان البحث في المصائر، أقول لها: لماذا لا تنتهي الأمور كما نريد يا بشرى؟
فترد حسب أحداث الرواية: لأنها الحياة.

تقول لك الرواية إن الحياة، ليست رواية تقرأها، في نهايتها ينصلح الحال ويلتقي الأحباء، لا، إن الحياة مثل سيرة مريم ودلشاد في الرواية، منها ما يضحك وأكثرها ما يبكي، وفيها مصائر لا تتلاقى، ولو تلاقت لتغيرت الدنيا، لقد ظللت مترقبًا، تمنيت أن تلتقي مريم بأبيها، وأن تزيد علاقتها وتقوى بالعسكري نظام أحمد رسلان، قلت كيف سيصبح حال مريم لو حدث ذلك، لكن رغم أمنيتي، عرفت أن ما أقوله لا يتفق مع منطق شخصية مريم دلشاد، فهي الواقفة في وجه الحياة، ليس بسبب قوتها، لكن لأنه لا سبيل غير ذلك، تعرف أنه لولا تظاهرها بالقوة لأصبحت مثل "فاطمة" وجُنت من الحزن على عبد اللطيف، أو لاستسلمت لـ"فردوس لوماه" وفقدت ابنتها إلى الأبد، لكن لأنها مريم دلشاد، فقد اختارت ودفعت الثمن.

   أما "دلشاد" فهو فكرة أكبر منه شخصًا، فلو اعتبرنا أن مريم  ترمز لسلطنة عمان في ذلك الوقت، وأنها حاضر السلطنة المقاوم، فإن "دلشاد" هو تراثها وتاريخها الذي يعاني، الذي يُلقى في السجن سنوات لا يعرف عددها، ولا يعرف كيف مرت هذه الأيام.

دلشاد رواية محتشدة، مكتوبة بالتمام والكمال في ذهن بشرى خلفان قبل أن ترويها لنا، مستخدمة لغة قادرة على ترك الأثر في النفوس، وقادرة على الإخبار، وقادرة على الحركة للأمام وبناء الدراما.


 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

معاش استثنائي للمستحقين.. اعرف إزاي تقدم طلبك لو ظروفك المادية صعبة

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

جائزة بوشكاش 2025.. عمرو ناصر يحلم بتكرار إنجاز محمد صلاح

2025 THE BEST.. عثمان ديمبيلي يسعى لتحقيق الثنائية تحت أنظار محمد صلاح

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر


كواليس مفاجأة مونتيري المكسيكى لـ"أهلى البدري" لحرمانه من تكرار إنجاز المونديال

الفوز الأول.. كأس عاصمة مصر تفتح باب الحلم لسيراميكا أمام الأهلي

موعد بداية كأس أمم أفريقيا ومواعيد مباريات منتخب مصر.. إنفوجراف

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس


مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

منتخب المغرب يواصل كتابة التاريخ بإنجازات استثنائية خلال العقد الأخير

حالة الطقس اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار بعدة مناطق

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

تعرف على موعد استطلاع دار الإفتاء هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا

إخلاء سبيل سائق الأتوبيس المتسبب في تهشم شقة مدينة بدر

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

كيف تنضم لمنظومة التأمين الصحى الشامل؟.. هيئة الرعاية الصحية تجيب

دخل علينا غرفة النوم.. تفاصيل اقتحام أتوبيس مدارس شقة سكنية فى بدر.. صور

ابنة شقيقة طارق الأمير: دكتور حسام موافى طلب من الأطباء تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب لخالى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى