مقاييس وأوزان أهل زمان.. صناعة يدوية صمدت وتوارثتها الأجيال.. "عم وجيه": بصنع قمع الجاز ومكيال اللبن وكوز الكنافة البلدى.. اشتغلت فى الصنعة من طفولتى وأول أجرة أخدتها كانت بريزة فضة.. شغلنا كله بيروح وجه قبلى

عم وجيه يصنع قمع الجاز
عم وجيه يصنع قمع الجاز
كتبت – مرام محمد

في ركن بورشة صغيرة تتوسط حارة خان جعفر بمنطقة الجمالية، يجلس وجيه يحيى، ككل صباح نشيطًا بملامح هادئة، وقلب مفعم بالحياة، يكافح ويسعى بكل قوة، راجيًا رزقًا حلالًا، مع صبر عظيم في كل حركة يد، يمارس حرفة يدوية عتيقة، اعتادها منذ أكثر من ستين عامًا، ممسكًا بأدوات بسيطة للتقطيع واللحام، ليصنع في النهاية أقماع الجاز، ومكاييل اللبن، "مقاييس وأوزان أهل زمان"، ومعها "أكواز" الكنافة البلدي، وحصالات حفظ النقود.

كافح "وجيه" في مهنته منذ الطفولة، وحرص على ممارستها بجانب التعليم، يقول: "اشتغلت خراط ميكانيكي، وبعدها جيت الورشة واشتغلت في الربع والنصف والقمع وكل الشغل اليدوي من وانا عندي عشر سنين، كنت أروح المدرسة وارجع على الورشة اشتغل، لحد ما اتعلمت كل حاجة، وبقيت أسمكر وأقص وأتني وأعلم، حتى لما دخلت كلية الحقوق كنت ارجع من الجامعة أكمل شغل وجمبي الكتاب أذاكر منه وانا شغال".

تمسك "عم وجيه" بمهنته، التي تأبى النسيان، ورغم تخطيه السبعين عامًا، وما أصاب المهنة من ركود لقلة العاملين بها وعزوف السوق الحديث عن منتجاتها، مازال يعمل بها بأقل الإمكانيات وبنفس همة ونشاط الشباب، والسبب "حبه للحياة" على حد تعبيره: "المهنة تتحب وأنا بحب الحياة.. صنعة كلها فن ومقاسات وجهد ومشقة، وعمري ما مليت منها.. حياتي وعمري كله فيها، وما بقاش حد دلوقتي بيشتغل فيها يدوي خالص كله بقى يتعمل على المخارط".

وبينما كانت خبطات يده المتجانسة تشدو بضرباتها المهندمة وهي تصنع قمع صغير من الصاج، ارتسمت على محياه ابتسامة خجولة، متذكرًا سنوات عمله الأولى وما تخللته من ذكريات: "أول أجرة آخدها كانت بريزة فضة، في يوم سبت بعد أسبوع شغل، من الفرحة بقيت ماشي في الشارع أقول للناس كلها، وفضلت اشتغل لحد ما بقيت باخد خمسة تعريفة، وبعدها 40 جنيه، وفي سنة 70 اخدت 50 جنيه في الأسبوع، ويوميتي دلوقتي 140 جنيه".

نشأ "وجيه" على حب القراءة، أكمل تعليمه والتحق بكلية الحقوق، متخطيًا حلم الالتحاق بكلية الإعلام، ورغم عدم استكماله تعليمه الجامعي ومواصلة مسيرته في ورشة تصنيع الأقماع والمكاييل، إلا إن الثقافة والعلم مقدسان بالنسبة إليه: "كان نفسي أدرس صحافة، ومن صغري وانا بحب القراءة وكتابة القصص، وأنا عندي 9 سنين كنت أمسك أي كتاب أقرأه وانا مش فاهم حاجة، ومع الوقت بقى عندي وعي وبقى مزاج عندي أنزل أشتري كتب من العتبة ودا ساعدني كتير على القراءة، ولحد دلوقتي بكتب قصص، والدكتور مصطفى محمود مأثر فيا أوي".

سنوات طويلة من الكفاح، لم يفارق فيها "وجيه"، الورشة، التي عمل فيها منذ طفولته وعاصر فيها أرباب المهنة، ساعيًا وراء رزقه دون كلل أو ملل ليكسب من عرق جبينه: "بنزل من البيت كل يوم الساعة 6 أوصل الورشة على سبعة ونصف، أستنى الأسطى أحمد، ونصنع القمع والربع والكوز بتاع الكنافة، وأدواتنا بسيطة مقص وشاكوش وسندان وملف بنلف عليه الشغل وتناية بتطلع الشغل مظبوط".

تعد صناعة الأقماع والمكاييل، من الحرف اليدوية التي كانت لها قيمتها ورونقها قديمًا، صمدت على مر الزمان وتوارثتها الأجيال، وتقاوم بمهارة وحرفية ممتهنيها رغم تطور الحياة وتقدم العلم والصناعات: "المهنة ما تغيرتش عن زمان، الناس اللي اتغيرت، الجد مات، والابن مات، ما افضلش غير الأسطى أحمد، ومافيش حد في مصر بيفصل الشغل ده غيرنا، الصنعة قدمت لكن لسه ليها زبونها.. شغلنا كله بيروح الصعيد، وجه قبلي، مش بيتباع هنا.. ما فيش حد هنا بيستعمل الجاز كله دلوقتي عنده بوتاجاز في البيت".

لا يتوقف "وجيه" عن المسامرة والمضاحكة كي يخفف من مشقة العمل، يتقن حرفته بما أوتي من خبرة ومِراس في ميدانه، ويكد في سبيل لقمة العيش: "إحنا ما نعرفش نقعد في البيت لو قعدنا نتعب.. المهنة كلها صعوبات، المللي فيها بيفرق.. أي غلطة في المقاسات الشغل كله يبوظ، فمراحل التصنيع بتبدأ من التفصيل والقص حسب المقاسات المطلوبة، وبعدها اللف والتقفيل واللحام، والشغل من غير الدمغة ما يتباعش".

أدوات تصنيع قمع الجاز
أدوات تصنيع قمع الجاز

 

تصنيع قمع الجاز
تصنيع قمع الجاز

 

صناعة قمع الجاز_1
صناعة قمع الجاز_1

 

صناعة كوز الكنافة البلدي
صناعة كوز الكنافة البلدي

 

عم وجيه في ورشة تصنيع قمع الجاز
عم وجيه في ورشة تصنيع قمع الجاز

 

عم وجيه
عم وجيه

 

وجيه يحيى صانع الأقماع والمكاييل
وجيه يحيى صانع الأقماع والمكاييل

 

وجيه يحيى صانع قمع الجاز
وجيه يحيى صانع قمع الجاز

 

ورشة تصنيع الأقماع والمكاييل
ورشة تصنيع الأقماع والمكاييل

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

"أهداف متتالية وهاتريك تاريخي".. سجل حافل يدعم محمد صلاح ضد بورنموث

رادار المرور يلتقط 1097 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

موعد مباريات اليوم الخميس 13 – 8 -2025 في الدورى المصرى

تفاصيل التحقيق مع عاطل وسيدتين فى حلوان بتهمة تعاطى المخدرات

كيف يختار رئيس الجمهورية المعينين بمجلس الشيوخ؟ القانون يكشف التفاصيل


زوج يلاحق زوجته بالنشوز بعد شهور من زواجه:" زوجتى شهرت بى وضربتنى"

تفاصيل حفل افتتاح مهرجان القلعة للموسيقى والغناء قبل انطلاقه الجمعة

بدرية طلبة بعد تحويلها للتحقيق: أنا غلطانة وبعتذر للجمهور

كواليس جلسة يانيك فيريرا مع لاعبى الزمالك استعدادا لمواجهة المقاولون

أسامه نبيه يعلن تشكيل منتخب الشباب أمام المغرب في الودية الأولى


أسوان 49 درجة.. اعرف درجة الحرارة فى محافظتك غداً

ريهام حجاج لزوجها محمد حلاوة بعد الفوز بانتخابات الشيوخ: مبروك يا حبيب قلبي

رئيس الوزراء: سجلنا أمس رقما قياسيا فى استهلاك الكهرباء بلغ 39500 ميجا وات

التحقيق فى واقعة تشاجر ابنة ربيع ياسين وخالتها لخلافات أسرية في الشيخ زايد

مصدر مطلع للقاهرة الإخبارية: مصر تكثف اتصالاتها مع كافة الأطراف للوصول لتهدئة بغزة

ضبط المتهمين بترهيب جيرانهم بكلب بسبب خلافات

محمد رمضان يطرح أحدث أغانيه بعنوان "مفيش طبطبة"

تشاجر ابنة ربيع ياسين وخالتها لخلافات أسرية في الشيخ زايد

المشدد 10 سنوات لمندوب مبيعات لاتهامه باختلاس مبلغ مالى فى شبرا الخيمة

الداخلية تكشف تفاصيل اصطدام سارق توك توك بفتاة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى