دار الإفتاء تجيب بالتفصيل عن الواجب شرعًا على من احتال على الجماع فى نهار رمضان بالفطر قبله.. ما رأي الفقهاء فى ذلك الاحتيال؟..وتؤكد المرتكِب لهذه الكبيرةِ ظالمٌ لنفسه ظلمًا بَيِّنًا

دار الإفتاء - أرشيفية
دار الإفتاء - أرشيفية
كتب لؤى على
ما الواجب شرعًا على من احتال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله؟ فهناك رجلٌ سَوَّلَت له نفسُه وهواهُ أن يجامِع زوجته في نهار رمضان، فاحتال لذلك بأن أفطر بتناول شيءٍ مِن الطعام أولًا بدون عذرٍ ثُم جامَعَها، فما الواجب عليه شرعًا؟، قضية هامة تطرقت لها دار الافتاء بالتفصيل وذلك على النحو الآتى: 
 
تناول المُفَطِّرَات في نهار رمضان من غير عذرٍ يبيح الترخص بالفطر حرامٌ شرعًا بإجماع الفقهاء، كما أن التحايل على المُحَرَّم بمُحَرَّمٍ غيرِه حُمْقٌ وإساءةٌ، ويجب على مَن أفطر يومًا بمُفَطِّرٍ غير الجماع ثم جامَع في نهار رمضان أن يتوب إلى الله تعالى، ويقضي يومًا مكانه، وأن يصوم شهرين متتابعين كفارةً له عما انتهكه مِن حرمة الشهر الفضيل عامدًا مختارًا، وذلك خروجًا مِن الخلاف.

بيان المراد بالصيام

شهر رمضان شأنه عند الله عظيم، وصيامه ركنٌ في الدِّين، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
 
وقد اختَصَّ اللهُ الصيامَ وفضَّله على سائر العبادات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» متفق عليه.
 
والصوم في اللغة: مطلق الإمساك، كما في "المصباح المنير" للعلامة الفَيُّومِي (1/ 352، ط. المكتبة العلمية).
 
وفي الشرع: إمساك المكلَّف عن قضاء شَهوَتَي البطن والفَرْج، مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (3/ 54، ط. دار المعرفة).
 
حكم الاحتيال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله
قد أجمع الفقهاءُ على أنَّ تناوُل المُفطِّرات مِن الأكل والشرب والجماع، مع تَذَكُّرِ الصيام، مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس، حرامٌ شرعًا، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حَزْم (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية).
 
وتَعَمُّد فِطر يومٍ مِن رمضان مِن غير عذرٍ يُبيحُ الترخُّصَ بالفطر مِن مرضٍ أو سفرٍ أو نحو ذلك -إنما هو جُرمٌ عظيمٌ، واعتداءٌ على حرمةِ الشهر الفضيل، وكبيرةٌ من الكبائر، لا يَجْبُرُها شيءٌ وإن صام الدَّهر كلَّه؛ لِمَا ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "مسنده"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه".
 
والمرتكِب لهذه الكبيرةِ ظالمٌ لنفسه ظلمًا بَيِّنًا؛ فعُقُوبَتُه أليمةٌ، وعاقِبتُه وَخِيمَةٌ، ومَصِيرُه غيرُ محمودٍ، فعن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا»، إلى أن قال: «ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ» أخرجه الأئمة: ابن خزيمة وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والبيهقي في "السنن الكبرى".
 
فيَجب على مُقتَرِف ذلك الذَّنْب أن يُسارِع إلى التوبةِ النَّصُوح، فيَندم على انتهاكِهِ حُرُمات الله، وتركِهِ لفريضته، مع العَزْم الصادق على عدم العَوْد إلى ذلك الذَّنب، وإنابَتِه إلى ربِّه، وسُؤَالِه العفو والغفران عما اقتَرَفَه مِن خطيئةٍ وظُلْمٍ لنَفْسه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135].
 
والذي أفطر يومًا مِن رمضان، بأن لَم يَنْوِ الصيام قَبْل طلوع الفجر، أو صام ثم نَقَضَ صومه بغير الجماع كأَنْ أَكَل أو شَرِب بدون عذرٍ يُبِيح له الفطر -كما هي مسألتنا-، وذلك تحايلًا منه على الخروج مِن رِبقةِ الصَّوم، ثم جامع زوجته في نهار رمضان، فقد أسَاء مرتين وتعدَّى وظَلَم؛ حيث انتهك حرمة الصيامِ، والشهرِ الفضيلِ، ونَسِي أن الله يَعلَم خائِنَةَ الأعين ومَا تُخفِي الصدُور، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: 235].
 
مدى وجوب الكفارة على من احتال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله والواجب عليه في ذلك
الواجب عليه بعد التوبة والاستغفار: أن يقضي يومًا مكانه، وأن يُمسِكَ بقيَّة يومِه عن المُفَطِّرَاتِ؛ رعايةً لحرمةِ ما بقي مِن يومه، "فهو مُفتَرَضٌ عليه بلا خلافٍ، صومُ ذلك اليوم، ومحرمٌ عليه فيه كلُّ ما يَحرُم على الصائم ولم يأت نصٌّ ولا إجماعٌ بإباحة الفطر له إذا عصى بتعمُّد الفطر، فهو باقٍ على ما كان حرامًا عليه، وهو مُتَزَيِّدٌ مِن المعصيةِ متى ما تَزَيَّدَ فطرًا، ولا صوم له مع ذلك"، كما قال الإمام ابن حَزْم في "المحلى بالآثار" (4/ 384، ط. دار الفكر).
 
كما يجب عليه الكفارة عند جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، والحنابلة كما خرَّجه مُحَقِّقُو المذهب كالإمام ابن قُدَامَة، وتكون هذه الكفارة بصيام شهرين متتابعين.
 
ووَجْه ذلك: "أنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان، فهو صومٌ فاسد، فأشبه الإحرام الفاسد، كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامَه لزمه المُضِيُّ فيه بالإمساك عن محظوراته، فإذا أتى منها شيئًا كان عليه ما عليه مِن الإحرام الصحيح، وكذلك مَن وجب عليه صوم شهر رمضان: إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد لأكلٍ أو جماعٍ أو عدم نية، فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام، فإذا تناول شيئًا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح"، كما قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (2/ 471، ط. دار الكتب العلمية).
 
كما أنه "لا يصح قياس هذا على المسافر إذا قَدِمَ وهو مفطرٌ وأشباهه؛ لأن المسافر كان له الفطر ظاهرًا وباطنًا، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحًا"، كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (3/ 145، ط. مكتبة القاهرة).
 
 
وذهب الشافعية إلى أنه لا تجب عليه الكفارة إلا إذا كان الجماع هو المفسد لصومه في شهر رمضان.
 
 
بناءً على ذلك: فإن تناول المُفَطِّرَات في نهار رمضان من غير عذرٍ يبيح الترخص بالفطر حرامٌ شرعًا بإجماع الفقهاء، كما أن التحايل على المُحَرَّم بمُحَرَّمٍ غيرِه حُمْقٌ وإساءةٌ، ويجب على مَن أفطر يومًا بمُفَطِّرٍ غير الجماع ثم جامَع في نهار رمضان أن يتوب إلى الله تعالى، ويقضي يومًا مكانه، وأن يصوم شهرين متتابعين كفارةً له عما انتهكه مِن حرمة الشهر الفضيل عامدًا مختارًا، فإن عَسُر عليه صوم الكفَّارة عُسْرًا لا طاقة له به جاز له العمل بقول مَن ذهب إلى عدم وجوب الكفارة في الفطر بغير الجماع، كما سبق بيانه.
 
وفي واقعة السؤال: يجب على الرجل المذكور أن يتوبَ إلى الله تعالى، بالاستغفار، والنَّدَم على فِعلته، والعزم على عدم العَوْد لمثلها، كما يلزمه قضاء يومٍ مكان اليوم الذي أفطره مِن رمضان، وكذا صيام شهرين متتابعين خروجًا مِن الخلاف.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأزهر: المسجد الأقصى لن يكون لقمة سائغة والحق سيعود لأهله والباطل إلى زوال

نتائج مباريات اليوم الخميس 14 – 8 - 2025 بالدورى المصرى

بيراميدز يهزم الإسماعيلي ويحصد أول فوز بالدورى فى مباراة البطاقات الحمراء

ريبيرو في حيرة بسبب مركز الجناح الأيسر في الأهلي.. اعرف التفاصيل

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة


وزير التعليم يعلن تطبيق أعمال السنة على الصف الثالث الإعدادى

قرار مهم لوزير التربية والتعليم بعد قليل

حرس الحدود كامل العدد أمام البنك الأهلى في المواجهة الأولى له بالدورى

بعد توجيه وزير الأوقاف برعايته الصحية.. قصة إمام مسجد بقنا طعنه لص

ناصر ماهر العقل المفكر لفيريرا في الزمالك


بعد حكم إعدامه.. سيناريوهات تنتظر قاتل مالك قهوة أسوان أمام محكمة الاستنئاف

ضربة لحيتان المقاولين.. إزالة 6 أبراج مخالفة فى منطقة اللبينى بالهرم.. صور

ليوناردو دى كابريو يكشف عن الفيلم الأقرب إلى قلبه

الزمالك يدرس العفو عن فتوح بعد مباراة المقاولون العرب

موعد مباراة مصر وإسبانيا في ربع نهائي بطولة العالم تحت 19 عاما لكرة اليد

وزارة الإنتاج الحربى تشارك فى المعرض الدولى السابع لتكنولوجيا الليد ونظم الإضاءة

اعترافات طلاب مطاردة فتيات الواحات: لاحقناهما وحاولنا إيقاف السيارة

اعترفات المتهمين بملاحقة فتاتين الواحات: طاردناهما بسيارة منظومة نقل خاصة

اتحاد الكرة يرد على شكوى الزمالك ضد زيزو ..اعرف التفاصيل

النيابة تطالب بتفريغ الكاميرات فى واقعة مطاردة 3 شباب سيارة فتيات بطريق الواحات

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى