ما وراء الحشاشين

أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أ.د/ عصام محمد عبد القادر
بقلم أ.د/ عصام محمد عبد القادر

أرواح بني البشر ذات مصدرٍ واحدٍ، وفكرهم متباينٌ، ومن ثم ما يمارسونه وما يعتقدونه وما يسعون إلى تحقيقه مختلف الوجهة والتوجه، رغم أن هناك قيمٌ أخلاقيةٌ حاكمةٌ للطبيعة الإنسانية ولنظام الكوني الرباني البديع المتفرد في مكنونه ومكونه، وتناول صدى دراما الحشاشين وما وراءها من قراءةٍ للمشاهد لا يرتبط بفترةٍ زمنيةٍ بعينها؛ لكن إسقاط يستهدف تسليط الضوء ولو بدى خافتًا لما نمر به من مجريات الأحداث.

ودعونا نتفق بأن التطرف في جملته يشير إلى الجنوح أو الانحراف بالأفكار وفق رؤىً خاصة تعتقد أنها على صوابٍ وما دونها يمثل الباطل، وهذا الوهم والتوهم لا ينبري على أفكار العقيدة الدينية فقط، بل تشمل أنماط الفكر في عمومية مجالاته سواءً ارتبطت بالسياسة، أو الاجتماع، أو الاقتصاد، أو العلم ومناهجه إلى غير ذلك من أمور الحياة ومساراتها المادية منها والمعنوية، وقد يرتبط بتلك الظاهرة حالات عنفٍ مباشرٍ، أو لا تمارس العنف لموانعٍ عديدةٍ.

ولندرك أنه عندما يتخذ أصحاب الفكر أو المذهب منحى العنف بغية إرهاب من يخالفهم؛ إنما يدل على أن هناك خللٌ في التركيبة النفسية ومرضٌ يستفحل من أجل أن يتم انتزع ما تراه حقًا لها؛ فتوسم تلك الأنفس بالوحشية والعدائية والأنانية التي ترجمها أفعالٌ وممارساتٌ إرهابيةٌ، وكي لا ندخل في تفاصيلٍ يصعب أن يتسع لها المقام؛ فإن ما وراء دراما الحشاشين التاريخية نستقرأ ونستنبط ونستنتج نقاط أرى أهميتها في فترة الاستقرار والسكون والكمون التي تمر بها الحالة المصرية.

لقد شاهدنا بعين البصيرة أن التنافس على السلطة والسعي من خلالها إلى تحقيق فكرةٍ بعينها يؤدي مع مرور الزمن لخلق أيدولوجيا غريبة الأطوار والتكوين؛ حيث يملها الغضب والحقد والضغينة؛ فتستشعر أنها في مراحل الضياع؛ فتبدأ بنية العقل تستهجن الحوار والنقاش، وترتكن على الجدال القائم على وعيٍ مزيفٍ باستراتيجياتٍ تستهدف الاستقطاب، ويصبح المرمى عوام البشر ممن لا يعملون التفكير ولا يرهقون الذهن في تدبر الأمر، ومن ثم ينساقون مؤيدين صاحب الفكرة، بل وينصرونه وينتصرون له.

وطرائق الاستقطاب متعددةٌ ومتنوعةٌ، منها ما يعتمد على الجانب المادي، ومنها ما يقوم على تغذية الجانب الروحي بخرافاتٍ ووعودٍ زائفةٍ، تجعل الإنسان في حالةٍ من التيه؛ فيخرج من إطار العقلانية إلى عبق الأحلام الوردية؛ فيعيش في زخم الظلمات التي تكسوها روحانياتٌ ضالةٌ مضللةٌ يغشاها تراتيلٌ ووعودٌ شيطانيةٌ ما أنزل الله بها من سلطانٍ؛ لصير المحب والمنتسب والمغرر به، بل والمناصر والمؤمن بالفكرة نفسها لطريقٍ لا نهاية له في خضم فكرةٍ يتوارثها ويتلقفها أنصار الأنصار؛ فلا تموت.

وهذا يستوجب منا أن نستمر في مواجهة الفكرة رغم انحسار أصحابها ومروجيها ومموليها ومن يحملون على عاتقهم تحقيقها بمزيدٍ من الوعي الصحيح، ونعمل على تقوية ماهية الأمن الفكري لدى أبنائنا؛ فلا يصبحون ملقفاً أو هدفًا لأي فكرةٍ مجنونةٍ، أو شاردةٍ، أو واردةٍ، أو مصدرةٍ، أو مصطنعةٍ، توجد أو تخلق إنساناً موجهاً، لا يشغله إلا إدحاض الجهود بمزيدٍ من النقد الهدام الذي يتطور شيئًا فشيء فيضر بكيان الدولة ويقوض نهضتها، بل وقد يقضي على مؤسساتها الوطنية، من خلال تناحراتٍ ونزاعاتٍ وصراعاتٍ يتلوها صراعاتٌ بين أطيافٍ وشيعٍ ومذاهبٍ ملعونة المسعى.

ما شاهدناه وضح استراتيجيات الاقناع بالأفكار الخطأ التي تنتهجها الجماعات بادئة التكوين والمروق على مذهب الدولة الرئيس؛ فيبثون ما يبرر جنوحهم وخروجهم عن سياج النظام ولو كان عادلًا؛ فيعتمدون على التضليل وتوظيف عوام الناس ممن يتلقفون كل ما يرمى إليهم من معتقداتٍ لا يتحرون أو يتثبتون صدقها وموثوقيتها؛ فتتنامى أعداد منتسبي تلكما الجماعات، والأمر يستفحل فيستخدمون سلاح الفتك والقوة لاغتيال من يحاول أو يستوقف مسيرتهم أو يقارع الفكرة بالفكرة.

وهو ما يتطلب أن نعي مستويات الخطورة التي تتمخض عن أصحاب ورواد الأفكار والمذاهب الضالة؛ فهم لا يتورعون عن القيام بأي عملٍ يؤدي إلى إنجاح أفكارهم وانتشارها؛ فعندما نطمئن بأننا اقتلعنا الشرور فقط وقعنا في الفخ، وهذا ما يجب أن نقف عنده؛ إذ يلزم أن نقوي من استراتيجياتنا التي تستهدف صيان الفكر وأمنه من خلال صقل أذهان أجيالنا بمعارفٍ صحيحةٍ ومناهجٍ قوميةٍ تمكنهم من المواجهة لكل من يحاول النيل من البلاد أو العباد؛ فهذا سر قوة الأمم والشعوب التي تقوي وتبقى وتترقب مستقبلًا مليئًا بالتفاؤل والأمل، خالي من شرور الفتن بكل صورها ومآربها.

إن ترحال ورحال الجماعات الضالة أمر سجله وشهد عليه التاريخ عبر الزمان، وهو ما يؤكد في نفوسنا أن أفكارهم تنمو بتعافي أمنهم وأمانهم التي تمنحهم لهم دول لها مطامعٌ استعماريةٌ وعقائدٌ ومشروعاتٌ يعيشون من أجلها؛ فهذا يجعلنا أكثر حرصًا بأن لا نترك بابًا مفتوحًا يتسلل منه أصحاب الأجندات الذين يخدمون غاياتٍ كبرى، وخاصةً لو تزينت بالعقيدة التي تعشقها الطبيعة الإنسانية وتحن لها.

ولا جدال بأن الغاية تبرر الوسيلة لدى هذه الجماعات الضالة؛ فتعتمد على مبدأ الخلاص من أي عضوٍ فيها يشكل تهديدًا للفكرة أو يحد من فاعليتها، أو يسعى لأن يكون الأوحد في رسمها، وهذا يؤكد لدينا قدرة أصحاب المشروع الكبير على التلون كي تستمر الفكرة؛ فالحكمة لديهم بالغةٌ ومقدرة التحول من أجل مرمى الجماعة أمر شرعه مؤسسي الفكرة؛ فتظهر قوتهم حال ضعف الدول ومؤسساتها لينقضوا عليها ويتمكنوا منها.

ومسألة الأعوان والذين يأخذون مسمياتٍ متعارفٌ عليها في ثقافتنا المصرية أمرٌ يساعد على بقاء الفكرة وتهيئة المناخ المستقبلي الذي يساعد في نجاحها على المدى الطويل؛ فنطلق عليهم المحبين، أو المناصرين، أو المنتمين، أو الداعمين لجماعةٍ بعينها، وهذا أمرٌ خطيرٌ يتوجب دومًا الحد من فعاليتهم؛ فلا ينبغي أن يشغلوا مواقعًا ويتبوؤون منازلًا يؤثرون بها على تشكيل وعي الأمة المصرية وعقيدتاه الوسطية؛ فذلك خطرٌ يحدق بنا دون أن ندرك مدى انتشاره وتفشيه بمؤسسات الدولة قاطبة.

نثمن جهود الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لهذا العمل الدرامي متقن الإخراج والمغزى.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
____________________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر


 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أحمد السقا يحذف بيان انفصاله عن مها الصغير بعد انتقاده بسبب الصياغة

إنهاء إجراءات الإفراج عن المخرج عمر زهران بعد قضائه نصف المدة

البحوث الفلكية تكشف موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

إخماد حريق داخل محل فى المرج دون إصابات

حلمى طولان مدير فني لمنتخب مصر فى البطولة العربية بتواجد الصقر والحضرى


تفاصيل افتتاح الرئيس السيسى المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر الصناعية

انتهاء عقود النجوم أزمة تواجه المصري بعد استقالة رئيس النادي

فحص عقود بيع 6 فيلات بقيمة 50 مليون جنيه من نوال الدجوى إلى حفيدتيها

مها الصغير بعد طلاقها من أحمد السقا: مفيش حاجة مبهرة قد وقفة ربنا جنبك

تشرب إيه أشرب شاى.. 5 فوائد للمشروب الأكثر شعبية فى يومه العالمى صاحبك فى الشغل والمذاكرة.. المغلى أم الكشرى الأفضل لصحتك.. طريقة صنع كوباية الشاى بلبن الصحية.. ولهذه الأسباب لا تعيد تسخينه بعد هذا الوقت


أحمد السقا يعلن طلاقه من مها الصغير بعد زواج دام 26 عامًا ويؤكد: ربنا يسعدها في حياتها المستقبلية وسبحان مقلب القلوب ومبدلها.. الشائعات على مدار السنوات تتحول لحقيقة.. وهكذا تحدث الثنائي عن مشاكلهما الزوجية

أمين المجلس الأعلى للجامعات فى حوار مع "اليوم السابع": 116 جامعة بمسارات متعددة و12 جامعة أهلية بالعام الجديد.. الإطار الموحد ضمانة لربط الخريجين بسوق العمل.. وضوابط جديدة للشهادة الجامعية وتعيين المعيدين

طلب يدها من نجاة.. كيف ثأرت السندريلا من العندليب بعد إنكاره حبهما وزواجهما؟

عمر مرموش يتقدم في سباق الحذاء الذهبي الأوروبي.. وصلاح يتمسك بالأمل

هل تحدد المحكمة الرياضية بطل الدوري المصري هذا الموسم؟

التشكيل المتوقع لمباراة توتنهام ومان يونايتد فى نهائى الدورى الأوروبى

أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج

"جيو تيان" تبدأ تجاربها 2025.. الصين تطلق أول حاملة طائرات مسيرة فى العالم

موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025

نهائى كأس مصر 2025.. موعد مباراة الزمالك وبيراميدز والقناة الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى