صلاح السعدنى وجيله.. الكوميديا والثقافة والتطرف فى الزمان والمكان

أكرم القصاص
أكرم القصاص

بالطبع صلاح السعدنى كان فنانا شاملا، قدم كل الأدوار، لكنه ربما ارتبط بأدوار تحمل شكلا ومضمونا لمثقف أو إنسان مسؤول، ومع هذا يظل الكوميديان بالنسبة له الأيقونة المهمة ربما لأن الكوميديا كتابة وتمثيلا تحمل صعوبة وندرة وتتطلب إمكانات أعلى، خاصة بالنسبة للكوميديا القائمة على النصوص الأدبية أو السيناريو وليس كوميديا المضحكين التى تقوم على «الإفيهات» والكاركترات «المسخرة»، والتى ارتبطت لفترة ليست قصيرة بجيل من الشباب، ذهب إليه الرهان وإن كان تنوعا بين نجاح ومجرد أفلام محروقة من الثقل والادعاء.


ولهذا عندما نتحدث عن صلاح السعدنى، وجيله من الفنانين بتنوعاتهم مثل عادل إمام أو نور الشريف وأحمد زكى، نحن أمام من يمكن تسميتهم جيل الفنان المثقف، وذلك ضمن مفارقة كبيرة تصنعها علاقة الفن بالثقافة، حيث يرى البعض أحيانا أن الفنان المثقف يتعطل فى رحلته عن الفن، وأن الثقافة عموما تشكل نوعا من القيد أحيانا على الفنان، وأن الفنان الصنائعى أو المشخصاتى أفضل لأنه يكون موهوبا بدرجة تمنحه القدرة على التقمص بشكل كبير.


وطبعا فإن تقييم الشخص بأنه مثقف أو لا هو أمر نسبى ويخضع للكثير من المعايير، لكن الواضح أن المثقف الحقيقى لا يتحول إلى ببغاء أو يفخر دائما بما قرأه أو عرفه، وإنما الثقافة الحقيقية غالبا ما تظهر وحدها من دون جهد ولا محاولة للتفاخر، والفرق واضح ربما بين المدعى للثقافة وبين المثقف.


بمناسبة رحيل فنان بحجم وقيمة صلاح السعدنى، والذى يصفه البعض بأنه كان بجانب فنه وموهبته مثقفا، قارئا وساعيا للمعرفة التى تظهر عليه من دون أن يعلنها، والواقع أن صلاح السعدنى وعادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى كانوا من أصحاب الحظ الجيد لأنهم شبوا فى مرحلة مهمة كانت الثقافة فيها تلعب دورا مهما بجانب وجود عشرات المثقفين من الكتاب والأدباء والشعراء الكبار وقتها والفنانين أيضا الكبار الدراسين والمتعلمين والذين تعلم بعضهم وعاد من بعثات بكبار الجامعات فى العالم، فقد عاصر هؤلاء لويس عوض وزكى نجيب محمود ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح جاهين والأبنودى وأحمد فؤاد نجم وفنانين كبارا مثل مدبولى وفؤاد المهندس وزكى طليمات ونعمان عاشور وعبد الرحمن الخميسى وكامل الشناوى ومطربين ومطربات كبارا وملحنين مثل عبدالوهاب وسيد مكاوى والسنباطى، إلى آخره.


صلاح السعدنى ونور الشريف وجيلهم من المثقفين بين الفنانين والقراء المداومين على قراءة الأدب والشعر والأفكار والفلسفة والمجلات والصحف وقتها، فقد كانوا أيضا يجالسون الكبار من المثقفين ويستمعون ويقرأون، ويتناقشون مع الأدباء والروائيين والشعراء الكبار، فقد كان العصر نفسه مليئا بالتفاصيل والعناصر، ولهذا لن يكون غريبا أن نجد عادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم وصلاح السعدنى تخرجوا من كليات الزراعة أو جامعة القاهرة ولمعوا وهم لا يزالون طلابا بالجامعة على العكس من أجيال أخرى واجهت معارك لمجرد عرض مسرحيات أو أفلام، وعاصروا معارك ضد الفن تكفره، بل وفنانين وفنانات تركوا الفن وانسلخوا منه، بل وبعضهم وبعضهن وجهوا له خطابا عدائيا وتبرأوا منه، صحيح أن منهم من عاد بعد ذلك لكنهم كانوا ضمن عصر مرتبك شهد هجوما من المال والتطرف المعادى للثقافة عموما وللفن على وجه الخصوص، كان هناك من يكفر الأدب والأدباء، والكتب والأفلام وربما لهذا شبت أجيال لديها خلط بين الفن والإباحية، وبعض من العاملين بالفن يتركونه أو يتعاملون معه باعتباره شرا وأكل عيش.


أقول هذا لأن بعض ممن تناولوا سيرة صلاح السعدنى وجيله، أشاروا إلى أنهم جيل لن يتكرر، وأنه لا يوجد فى الأجيال التالية من هم بنفس الدرجة أو النوع من الثقافة، والواقع أننا نعود إلى نسبية الطرح، وأيضا فرق الأجيال والتوقيتات والظروف الذاتية والموضوعية، والاجتماعية، بل وحتى فترات الهجرة إلى المال شملت أجيالا أسبق من نفس أجيال الكبار الذين نتحدث عنهم، فقد كانت الهجمة أقوى وأطاحت وغيرت وتلاعبت، ورسمت أشكالا وأنواعا من الفن، هو ابن زمنه. 


وللمفارقة أن هذه القضايا وغيرها ناقشها كتاب وأعمال قام ببطولتها صلاح السعدنى وغيره، أعمال مثل حلم الجنوبى، من خلال شخصية نصر وهدان القط، معلم التاريخ المثقف الذى يحافظ على تاريخ بلده ويحاول من خلال مهنته تعريف الطلاب بحضارتهم وتاريخ بلادهم..أو فى أرابيسك أو حتى دوره المثقف فى شحاذون ونبلاء، وغيرها مع الأخذ فى الاعتبار أن الدور يرسمه الكاتب أولا، وإن كان يرتبط أكثر مع النجم إذا كان يقدمه بعمق ويعطيه من روحه.

p
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية

اللجنة المصرية فى غزة تواصل توزيع المساعدات على المستحقين.. فيديو

إعلام إسرائيلى: 3 انفجارات ضخمة تهز وسط إسرائيل

رابطة الأندية تستعرض أبرز شواهد وأرقام الجولة الثالثة من دوري nile

بالمر يقود تشكيل تشيلسي في مواجهة وست هام بالدوري الإنجليزي


عصام عبد القادر يكتب عن استراتيجيات تفكيك الأوطان: الغزو المباشر.. الإرهاب الأسود.. غياب الديمقراطية المسئولة.. الانهيار الاقتصادى الممنهج.. الإعلام غير الهادف.. الفساد المؤسسي.. إضعاف منظومة القيم

مشهد بطولي.. عامل مزلقان ينقذ شابًا من دهس القطار فى بنى سويف.. فيديو

حسام حبيب ينفى عودته لشيرين والمطربة تتوعد محاميها السابق ببيان

قرار مهم من ديانج بخصوص تجديد عقده مع الأهلى.. اعرف الحكاية

اليوم الأسود للطيران..غدا ذكرى سقوط 3 طائرات ومصرع 194 شخصا..وغموض حول فاجنر


تعليم الجيزة: البكالوريا تمنح الطالب شهادة معتمدة تؤهله للالتحاق بالجامعات

الأهلى ضد غزل المحلة.. موعد المباراة والقناة الناقلة فى الدوري المصري

الداخلية تضبط طرفى مشاجرة تبادلا إلقاء الحجارة فى البحيرة

موعد مباراة الزمالك القادمة فى الدوري أمام فاركو والقناة الناقلة

واقعة لاعبة الجودو دينا علاء.. هل تلقت القتيلة 3 رصاصات من الزوج لتفدى أطفالهما؟

زيزو يتصدر قائمة الأفضل في الدوري المصري بعد نهاية الجولة الثالثة

الداخلية تضبط عصابة "الثقب السوداء" للتسول بالأطفال أسفل كوبرى بالهرم.. فيديو

العمرة بدون وسيط.. تعرف على خدمات تطبيق "نسك عمرة"

أحمد عبد القادر ميدو لـ"اليوم السابع": نحن درع السفارات ضد إرهاب الإخوان.. وهندافع عن سفارتنا ولو فيها موتنا.. الإخوان تسعى لصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال.. وفى رسالة للمصريين: انتبهوا للمؤامرات التى تحاك ضدنا

الكيس تحول لخراج.. قلق جمهور أنغام على حالتها الصحية بعد التطورات الأخيرة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى