ما أقدم لغة فى العالم؟.. رأى عباس محمود العقاد

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد
أحمد إبراهيم الشريف

ما أقدم لغة عرفها الإنسان؟ هل هى اللغة العربية كما يردد البعض؟ هل هى لغة أخرى انقرضت الآن؟ فى هذا الأمر دراسات عديدة وكتب متميزة، ومن ذلك ما أشار إليه المفكر الكبير عباس محمود العقاد فى كتابه "أشتات مجتمعات فى اللغة والأدب".

يقول العقاد تحت عنوان: أي اللغات أقدم؟

كان الباحثون في تاريخ اللغات يقصدون بالبحث عن أقدمها أن يصلوا إلى اللغة الأولى التي تفرعت عليها جميع اللغات بعد تفرق الأمم في جوانب العالم المعمور، وكانوا يفترضون أن اللغة الأولى كانت لغة الجنس البشري كله يوم كان له مقام واحد في قارة واحدة، ثم تفرعت هذه اللغة بعد انفصال الناس وانقطاع الصلة بينهم، حتى امتنع التفاهم بين المتكلمين بكل شعبة من شعب اللهجات المتفرعة في مواطنها المختلفة.

إلا أن هذا البحث الطويل لم ينته إلى وحدة بين لغات الأمم غير وحدة "العائلات" اللغوية الكبرى التي يتعذر التقريب منها اليوم بغير الاتفاق في كلمات معدودات، توجد في الكثير منها ولا توجد فيها بأجمعها، فقنع الباحثون، إلى حين، بالرجوع إلى أمهات العائلات اللغوية، كل عائلة منها على حدة، وكادوا أن يتعثروا في هذا الطريق بعقبات كالعقبات التي صادفتهم في بحثهم عن لغة واحدة للجنس البشري بموطنه الأول، وإن تكن عقبات التحقيق في مواضع الاتفاق بين فروع العائلات اللغوية أيسر تذليلًا، وأقرب أمدًا في مراحل التاريخ القديم.

والرأي الغالب بين علماء المقارنات اللغوية أن أصول العربية حديثة بالقياس إلى أصول العائلة الهندية الأوروبية، ولا سيما السنسكريتية والجرمانية.

ولكن هذا الرأي يقابله في العهد الأخير اعتراض شديد من أبناء الهند أنفسهم — من المسلمين خاصة — في معرض المقابلة بين السنسكريتية والجرمانية والعربية، فإنهم يعتمدون على معرفتهم بلغات الهند ومعرفتهم بالعربية وبعض اللغات الأوروبية؛ لتصحيح أخطاء اللغويين الأوروبيين عند المقابلة بين الكلمات، ويصيبون كثيرًا في التنبيه إلى تلك الأخطاء وإثباتها بدلائل المعاني والألفاظ التي لا شك فيها، ولكنهم ينساقون إلى مثل هذه الأخطاء عند المقابلة بين جذور الألفاظ العربية والأجنبية، ويكاد بعضهم أن يرجع بمعظم هذه الجذور إلى أصل عربي يقارنه بحرفين أو ثلاثة حروف من الكلمات القديمة، اعتمادًا على القول الشائع عن نشأة الكلمات العربية جميعًا من حرفين اثنين تلحق بها الحروف المزيدة؛ تارة في أوائل الكلمات، وتارة في أواخرها.

ومن أمثلة هذه المقارنات بحث مستفيض للشيخ "محمد أحمد مظهر" بمجلة الأديان التي تصدر بالإنجليزية في الباكستان، ينشره تابعًا تحت عنوان "العربية أم جميع اللغات"، ويسرد فيه مئات من الكلمات الأجنبية يحسبها من مشتقات العربية على صورة من الصور اللفظية أو المعنوية.
وقد وفق كل التوفيق في بعض هذه الكلمات، ولكنه أوغل جدًّا في التخريجات المتتابعة للوصول بالكلمة إلى جذرها العربي فيما يراه.

فهو يقول مثلًا: إن كلمة الذرة Atom أتوم معناها: لا يتجزأ أو لا ينقطع، فهي على هذا مأخوذة من كلمة "قطم" العربية بمعنى قطع؛ لأن الهمزة الأولى زائدة بمعنى النفي في اليونانية، و"توم" هي "قطم" بعينها إذا لاحظنا أن الأوروبيين يضعون التاء موضوع الطاء.

ونحن نعتقد أن اللغة العربية أقدم من معظم اللغات الحديثة، وأن شواهد سبقها في القدم تزيد على الشواهد التي يستدل بها على سبق أقدم اللغات الأخرى، ولكننا نحسب أن المقابلة بين الكلمات لا تؤدي إلى نتيجة يحسن السكوت عليها في هذا الباب، وإنما نفضل على وسيلة المقابلة بين الكلمات وسيلة سهلة نرجع فيها إلى كل لغة على حدة، فلا يصعب علينا بعدها أن نحكم على حظها من القدم بالقياس إلى غيرها.

تلك الوسيلة هي اشتقاق أسماء الحيوان فيها؛ فإن اللغة التي ترجع الأسماء فيها إلى مصدر مفهوم من مصادرها تسبق اللغات التي تتلقى هذه الأسماء جامدة أو منقولة بغير معنًى يؤديه لفظها الدال عليها في أحاديث المتخاطبين بها.

فأسماء الأسد والكلب والنسر والصقر والغراب والفرس والحمار والبغل والجمل والخروف، وعشرات غيرها من أسماء الحيوان هي كلمات ذات معنًى يفهمه المتكلمون بها، ويطلقونه أحيانًا إطلاق الصفات عند المشابهة بين هذه الحيوانات وبين غيرها في إحدى صفاتها.

يقال: أسد الكلب للصيد: أغراه به، وآسد عليه: اجترأ، وآسد بين القوم: أفسد بينهم. ومعنى هذا على كل احتمال في سبق الكلمة اللغوية أو سبق الاسم أن العرب عرفوا هذا الحيوان وهم يتكلمون بلغتهم هذه، ويستخدمونها للوصف أو للاشتقاق والمجاز.

وكذلك معنى الكلب من العض أو القبض وسائر معاني التكالب وألفاظه.

والنسر من الجرح والنقض والتمزيق لفظ أصيل في اللغة على الحقيقة وعلى المجاز.

والصقر من الحدة في الحرارة أو في اللمس أصل صالح لإطلاقه على الطائر المسمى باسم الصقر، أو الموصوف بهذه الصفة.

والغراب من الغربة والإيذان بها؛ حيث يعيش هذا الطائر ويتشاءم الناس بنعيقه في الأماكن التي هجرها سكانها وتخلفت بها البقايا التي يحوم عليها.

والفرس من حدة النظر والاستعانة به على الافتراس.

والحمار من لونه الأحمر الذي يشبه رمال الصحراء؛ حيث عرفه العرب قبل انتشاره في سائر الأقطار.

والبغل من مادة في اللغة العربية أصيلة في معنى الخلط والنسب المدخول، وكل ما هو مدخول غير خالص أو صريح، ويشبههن الدغل والزغل والنغل والوغل. والغين واللام بمعنى الغل الذي يخامر الصدور.

والجمل من مادة الجمل بمعنى الضخامة، والخروف منسوب إلى موعده في الخريف، وهكذا عشرات الأسماء التي تدل على وجود هذه اللغة في أقدم عهد عرفت فيه الأمة العربية هذه الحيوانات. وهو عهد بعيد في القدم لم يعرف قبله عهد لهذه اللغة نقلت عنه تلك الأسماء بغير هذا اللفظ وغير هذا الاشتقاق.

ويقابل هذا في اللغة الإنجليزية أسماء كلها منقولة من غيرها، أو مقصورة على تسمياتها التي لا يعرض لها التصريف في لهجات الخطاب.

فالأسد Lion من «ليو» Leo اللاتينية، والحصان Horse من «روس» Ross الجرمانية، والحمار «آس» Ass من «أسنس» اللاتينية التي يرجح أنها محرفة عن كلمة «أتان» السامية، وأكثرها جامدة في أصولها التي نقلت عنها.
ومثلها بقية الكلمات التي ذكرناها وأشرنا إلى جذور اشتقاقها بالعربية، فإنها منقولة من أسماء جامدة ليس لها اشتقاق متداول في لغة الخطاب، فلا حرج إذن من الحكم بسبق اللغة العربية لجميع اللغات التي تخلفت عن زمان التسمية الأولى لثلث الحيوانات بأسمائها المشتقة، وعلى العلم بما تعنيه من وصف وتشبيه.

والعلم بالحيوان المستأنس أو الحيوان المتوحش أقدم شيء في لغات بني الإنسان، فلا نستطيع أن نتخيل أمة — بادية أو حاضرة — عاشت زمنًا طويلًا قبل التاريخ بغير حيوانات مستأنسة أو حيوانات وحشية تسميها وتتحدث عنها، فليس في تواريخ اللغات عهد أقدم من هذا التاريخ، وفيه الكفاية للدلالة على انتشار اللغة، وشيوع قواعد الاشتقاق والتسمية بين أبنائها في ذلك العهد السحيق، وربما تساوت اللغة العربية في القدم وبعض المنقول كان له لفظه المشتق في الأصل القديم … ولكنه إذا رجع إلى أصل جامد غير مفهوم باشتقاقه في لغة الخطاب؛ فهو لاحقٌ الزمن بنشأة اللفظ المشتق والوصف المفهوم.

ولا خلاف في دلالة أسماء الحيوان بألفاظها المشتقة على قدم اللغة العربية عند المقابلة بينها وبين اللغات الأوروبية من أقدم عهودها التاريخية، ويبقى بعد ذلك محل للنظر بين العائلات اللغوية التي سجلت فيها ألفاظ مشتقة لأسماء حيواناتها، ولم تزل لها في معجماتها المحفوظة معاني المشتقات والصفات.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

زملاء عامل يكشفون ملابسات مصرعه داخل مصنع بمدينة 6 أكتوبر

التضامن تفتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية موسم 1447هـ - 2026م

الأرصاد: أجواء باردة ونشاط رياح يزيد برودة الطقس والصغرى بالقاهرة 13 درجة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

وزارة التعليم: سداد رسوم امتحان الصف الثالث الإعدادي إلكترونيا وهذه قيمتها


معاش استثنائي للمستحقين.. اعرف إزاي تقدم طلبك لو ظروفك المادية صعبة

توروب يجري تعديلات على تشكيل الأهلي أمام سيراميكا بكأس عاصمة مصر

برشلونة يبدأ حملة الدفاع عن لقب كأس ملك إسبانيا أمام جوادالاخارا

الزمالك يستند على الاتفاق مع بتروجت في صفقة حامد حمدان

5 معلومات عن مباراة مصر ونيجيريا الودية استعداداً لـ أمم أفريقيا


المصري ينتظر رداً من أحمد عيد لحسم تجديد تعاقده مع النادي

قانون التأمينات يحدد 4 حالات تُقطع فيها معاشات المستحقين أول الشهر

محافظ القليوبية: المنازل المجاورة للسكة الحديد لم تتأثر بسقوط الحاويات

غرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة نشر أخبار خاطئة عن الطقس

الأهلى يوافق على عرض إشتوريل برايا البرتغالى لضم محمد هيثم

حسام البدرى: من الوارد تواجد أفشة مع أهلى طرابلس.. والعميد يحظى بدعم كبير

مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث 4-4 في مباراة مجنونة بالدوري الإنجليزي

موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025

الأرصاد تتوقع فرص سقوط أمطار على القاهرة الكبرى وتحذر من سيول بهذه المناطق

طلاق المخرج حسام الحسينى وزوجته رسميا بعد 21 عاما من زواجهما

لا يفوتك


العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة

العالم يترقب حفل 2025 THE BEST فى قطر الليلة الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 09:00 ص

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى