سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 يونيو 1883.. «الكوليرا» تضرب مصر من دمياط إلى باقى المحافظات والضحايا ستون ألفا والمصريون يطلقون عليها مرض «الشوطة» و«الهيضة»

أحمد شفيق باشا
أحمد شفيق باشا
سعيد الشحات

بعد عام واحد من كارثة الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882، حلت كارثة أخرى وهى انتشار وباء الكوليرا، وكان أحمد شفيق باشا، أحد شهودها من خلال وجوده فى معية الخديو توفيق، ثم أصبح فيما بعد رئيسا لديوان الخديو عباس الثانى، ويذكر فى الجزء الأول من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن» أنه فى 22 يونيو، مثل هذا اليوم، 1882 «ظهرت الهيضة فى دمياط، وانتشرت فى سائر بلاد القطر، واختلفت الآراء فى حقيقة منشئها، فمنهم من قال إنها محلية، وهو رأى الإنجليز، ومن نحا نحوهم، ومنهم من قال إنها وافدة من الهند وهو الأصح، لأن التحقيق الرسمى أثبت أن أحد وقادى السفن الوافدة التى وصلت إلى بورسعيد آتية من الهند قبل ظهور الوباء ويدعى محمد خليفة العطشجى، نزل إلى البر وجاء إلى دمياط وهو يحمل جراثيم الداء، ولم يكد يصل إليها حتى ظهر الوباء فيها».


أطلق المصريون على هذا الوباء وقتها وصف «الهيضة» و«الشوطة»، وجاء وصف «الشوطة» تعبيرا عن انتشار حالات الوفيات، وسرعة تفشى الوباء بين المصريين فى القرى والكفور والنجوع بمحافظات مصر من الدلتا إلى الصعيد، ويؤكد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصر والسودان»، أن الوباء لم يكد يصل إلى دمياط حتى ظهر فيها، وساعد على سريان عدواه بها رطوبة مناخها وكثرة ما فيها من الحوارى الضيقة المتعرجة، ومرور خليج فى وسطها يستقى منه سكانها، ويصل ماء النيل إلى الأراضى المجاورة لها، وكان سببا فى زيادة الرطوبة فى منازلها، وزاد منها قلة الوسائل الصحية التى كانت عليها مصر.


انتقل الوباء من دمياط إلى باقى أقاليم مصر، ويذكر الرافعى، أنه انتشر على الأخص فى مدن: «شربين، والمنصورة، وطلخا، وسمنو،د والمحلة الكبرى، وطنطا، وزفتى، وميت غمر، والسنبلاوين، ومنوف، وكفر الزيات، ودمنهور، وكفر الدوار، والإسكندرية، ورشيد، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والزقازيق، ثم القاهرة، وبنها، والجيزة، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط، وجرجا، وقنا»، وكان المصريون مع كل صباح يترقبون فيما بين عوائلهم من سيصيبه المرض والذى يؤدى إلى الوفاة مباشرة، نظرا لعدم وجود أى إسعافات سريعة، وكانت حالة التداوى من الأمراض المنتشرة وقتها تعتمد على الوصفات واللجوء إلى الشيوخ وأعمال السحر.


ويذكر «شفيق باشا»: «انتشر الوباء فى أقاليم القطر ومدنه انتشارا مريعا، وفتك بالأرواح فتكا ذريعا، وأشد ما كان ذلك فى الأحياء الوطنية المكتظة بالسكان، لا سيما حى بولاق حيث كانت  ضحاياه بالألوف، وبلغ من ذعر الناس وخوفهم أن ألوفا من نزلاء القطر غادروه إلى سوريا وأوروبا، وأقاموا بها إلى أن تقلص ظله فى البلاد».


يرى «شفيق باشا» أن الحكومة المصرية عنيت بأمر هذا الوباء أكبر عناية، فاتخذت أشد الاحتياطات الصحية للوقاية منه وحصره فى مناطق معينة، وأنشأت اللجان فى مصر وإسكندرية وغيرهما وخصوصا فى دمياط والمنصورة لإسعاف المصابين وإرشادهم إلى طرق الوقاية، ويذكر «شفيق» أن عدة بعثات طبية وصلت إلى مصر للبحث فى منشأ الوباء، ومن هذه البعثات بعثة ألمانية برئاسة الدكتور «باستير كوخ» المعروف، وبعثة فرنسية برئاسة «باستور» العالم الكيماوى الشهير، ولحقت بها بعثة أخرى روسية مؤلفة من أشهر أطبائها، وأجمع رأى هذه البعثات على أن الوباء وافد من بلاد الهند.


كان قدوم «باستير كوخ» إلى مصر البداية الحقيقية لاكتشاف الميكروب المسبب للكوليرا، وشيوع علم البكتريولوجى، وفقا للكاتب الصحفى محمود دسوقى فى «الأهرام، 23 مارس 2020»، نقلا عن الدكتور سيف النصر أبوستيت  فى محاضرته عن «تاريخ الأوبئة فى مصر» ألقاها عام 1948، مؤكد أن العالم الألمانى قرر المكوث فى الإسكندرية وتشريح جثة ميت بالكوليرا عام 1883، وقال «كوخ» الذى حاز على جائزة نوبل لإسهاماته العلمية والطبية: بعد بضعة ساعات من وصولى للإسكندرية شرعت فى تشريح جثة ميت بالكوليرا، وفحص براز المصابين فى المستشفى اليونانى، كما اتبعت الطرق العلمية فى زرع الجراثيم وتفريخها، واستعملنا كذلك حيوانات التجارب لإيجاد حل للمرض، وكل الأبحاث التى قمت بها فى الإسكندرية كانت الأساس الذى تمكنت من خلاله من معرفة المرض، وقارن «كوخ» بين أبحاثه على جثة مريض بالكوليرا بالإسكندرية، وبين جثة مريض بالكوليرا فى الهند، ليعلن عام 1884م توصله للميكروب ووضع القواعد لمكافحته والوقاية منه.


يذكر «أبوستيت» أن مصر صرفت مبلغ مليون و400 جنيه لحرق الكبريت وإلقائه فى الشوارع كنوع من التعقيم دون جدوى، وقررت غلق الأسواق ومنع التجمعات، ويذكر الرافعى «أن عدد المتوفين فى دمياط بلغ 1936، وفى الاسكندرية 1034، وفى شبين الكوم 1120، وفى القاهرة 5664، وخفت وطأته فى أواخر أغسطس 1883، أى بعد نحو أكثر من شهرين، وأمكن استئصاله فى شهر ديسمبر، بعد أن بلغ عدد الضحايا ستين ألفا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى

باريس سان جيرمان يحقق إنجازا تاريخيا بعد التتويج بلقب كأس الإنتركونتيننتال

تالافيرا ضد الريال.. الملكى يتأهل لدور الـ16 بعد الفوز 3-2 بكأس الملك

أحمد فهمى: شخصية يحيى فى 2 قهوة تشبهنى ومرام على موهوبة

تحذير هام من الشبورة المائية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025


بعثة منتخب مصر تصل المغرب استعدادا للمشاركة فى بطولة أمم أفريقيا

تعرف على قائمة أبطال فيلم Street Fighter الجديد

باريس سان جيرمان يتوج بكأس إنتركونتيننتال على حساب فلامنجو بركلات الترجيح

القضية السابعة.. فيفا يقرر إيقاف قيد نادى الزمالك لـ 3 فترات جديدة

التصريح بدفن جثمان الفنانة نيفين مندور بعد الانتهاء من الصفة التشريحية


قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا

رويترز: المملكة المتحدة تعفى حقل ظهر من العقوبات المفروضة على روسيا

غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته

ابنة نيكول سابا تظهر لأول مرة فى كليب تلج تلج احتفالاً بالكريسماس

رئيس الوزراء: نركز من الآن على خفض معدلات الفقر وإحداث نقلة فى حياة المواطن

مجدى فكرى يقلب السوشيال ميديا بصور لرجل مختل عقليا.. والفنان يكشف الحقيقة

طليقة مصطفى أبو سريع تحتفظ بصورهما بعد انفصالهما رسميًا

الأهلى يناقش استعارة لاعب سيراميكا فى يناير ضمن صفقة عمر كمال

نجل ملياردير هندى يهدى ميسى ساعة من فئة المليون.. اعرف سعرها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى