الصحافة والثقافة والأدب.. بداية المسيرة

علاقة الصحافة بالثقافة والأدب كما نعرف جميعًا، علاقة وثيقة، حكمت تاريخ الصحافة الغربية والعربية خلال زمن ممتد.

ظهرت الصحف الثقافية والأدبية في أوروبا منذ منتصف القرن السابع عشر تقريباً، وازدهرت مع بدايات القرن الثامن عشر ثم مع القرن التاسع عشر. قامت الصحافة خلال تلك الفترة، بأدوار كبيرة في نشر الأدب، وعمل كثيرون من الأدباء بالصحافة، وكتب كثيرون من الصحفيين في الأدب، وتبلورت استخلاصات كثيرة حول أن "الصحافة تقوم بدور الجامعة"، وأن "الصحافة والأدب وجهان لعملة واحدة".. وما إلى ذلك.

قدمت الصحافة للأدب أدواراً مهمة جداً، وسَّعت من حدود تلقيه في دوائر النخبة، ويسَّرت سبل التعامل معه، ونشرت العديد من نصوص (في القصة والروايات المسلسلة والشعر... إلخ).

كذلك اقترنت صحف ومجلات عدة، في أوروبا، بإصدار ملاحق خاصة تعنى بالأدب.

منها مثلاً: "فيجارو الأدبية" التي ظهرت عام 1820 في فرنسا، وهي ظاهرة سوف تستمر مع عدد كبير جداً من المجلات والصحف.

في البلدان العربية لاحت العلاقة بين الصحافة والثقافة والأدب منذ فترة ليست قصيرة أيضاً.

بدأت الصحافة عندنا مقترنة بالأدب والأدباء منذ نشأتها في القرن التاسع عشر، كتب فيها عدد كبير من الأدباء، وساعد على هذه الغاية الصحفية بالأدب والأدباء أن بعض الصحف والمجلات كانت ممنوعة أحياناً من الخوض في الأمور السياسية (مثلاً في الفترة بين 1828 وحتى 1876، حتى قيام الحرب الروسية التركية سنة 1877.

وانتقلت تجارب وتقاليد وممارسات الصحف الغربية إلى الصحف العربية، استكتاب الأدباء، نشر النصوص الأدبية، صدور الملاحق الثقافية والأدبية، (مثل ملاحق "السياسة الأسبوعية"، و"البلاغ الأسبوعي").

نشر رباعيات عربية مسلسلة: رواية خليل الخوري (وي لست بإفرنجي) نشرت مسلسلة عام 1859 بجريدة "حديقة الأخبار" اللبنانية، ثم توالت الظاهرة، كذلك قامت الصحافة الثقافية والأدبية بأدوار كبيرة، منها ما يتصل بتطوير وتطويع اللغة العربية نفسها لكي تستجيب لمتغيرات العالم الحديث [وهذه قضية كبيرة].

بالإضافة إلى هذا، ساعدت الصحافة على بلورة (وليس فقط مجرد نشر) أنواع أدبية جديدة في الأدب العربي، مثل "القصة القصيرة"، و"المقال الأدبي"، و"اللوحة القلمية".. إلخ. وقد انطلق الأستاذ عبداللطيف حمزة، في كتابه المبكر والمؤسس (الصحافة والأدب في مصر)، وهو تجميع لمحاضرات ألقاها عامي 1954- 1955، وقد صدر الكتاب عام 1955.. انطلق في هذا الكتاب من تصور أساسي يرى، بعبارته، أن: "الصحافة المصرية صانعة الأدب المصري الحديث".