يوسف شاهين "4"

مجدى أحمد على
مجدى أحمد على
بقلم مجدى أحمد على

توقف تصوير "بونابرت" يومين حدادا على مصرع الفنان فريد محمود والذي مات بانفجار لغم أثناء رحلة في الصحراء، وحكى لي الصديق المخرج والمنتج شريف مندور الذي كان وقتها يعمل بقسم الملابس أنهم كانوا في رحلة خاصة إلى العين السخنة حين طلب فريد من السائق التوقف للتبول، واتجه فريد نحو الصحراء ولم ينتبه إلى لافتة تشير إلى أن الأرض بها ألغام من مخلفات الحرب، وسمع الجميع الانفجار، ورأى الجميع صديقهم يطير في الهواء، وتوفى بعد لحظات من وصوله إلى المستشفى.. كان فريد محمود صديقا عزيزا وممثلا واعدا.. كان محبوبا من كل العاملين بالفيلم، وكان دوره في بونابرت الذي لم يكتمل هو آخر أفلامه.. عبر يوسف شاهين عن حزنه بالطبع، ولكني تمنيت أن يشير إلى مصرعه بأي طريقة داخل تترات الفيلم وهو ما لم يحدث للأسف.

عدنا إلى العمل مع باقي الفريق شديد التنوع والمهارة، ولكني أتذكر الآن قمتين تشرفت بصداقتهما فيما بعد، هما تحية كاريوكا ومحسنة توفيق، فلم تكن صدفة أنهما ساهمتا في اعتصام الفنانين بنقابة السينمائيين احتجاجا على القانون 103 "وهو موضوع سوف أتناوله بالتفصيل فيما بعد".. كانت تحية تضفي جوا شعبيا مرحا على الاستوديو رغم جديتها الشديدة، وكان "التفاهم" بينها وبين "جو" شديد الوضوح.. كانت تتحدث الفرنسية بطلاقة "هكذا ظننت" خاصة مع جو ويسري الذي كان مسئولا عن "تحفظيها جمل الحوار.

وحين تدور الكاميرا كانت تحية ترتجل بعض الكلمات لصعوبة حفظ الكلمات الأصلية في السيناريو.. وكان "جو" الذي لا يهتم كثيرا بحرفية النص يتجاهل ذلك إلى أن تزايد الأمر لدرجة أزعجته، فأوصى يسري بأن ينبهها إلى ذلك.. وفعل المساعد المخلص ذلك دون كلل تقريبا في كل لقطة.. وكان جو مضطرا لإيقاف الكاميرا إلى أن انفجرت تحية في إحدى المرات ووجهت قذائفها إلى يسري بالطبع: إيه هو قرآن؟ هو ده حوار يتحفظ جتكو نيلة..إلخ لم يرد يسري بالطبع ونظر نحو جو الذي تظاهر بالانشغال بأمر آخر لكي تمر لحظة التوتر.

وعندما داعبنا "رضوان وأنا" جو بأنه لم يهرع لنجدة مساعده ضحك قائلا: ياعم ده الشبشب اترفع في وش الملك..تحية تعمل اللي هي عايزاه..في الحقيقة كان هذا الموقف درسا لم يستوعبه كثير من الأجيال التي أعقبت يوسف شاهين في ضرورة التعامل بشكل حساس ومختلف مع الممثل، فكان جو يرى أن الممثل الحقيقي هو كتلة من الأحاسيس المعقدة، وأن جهازه العصبي يستوجب المراعاة لكونه هو الذي يحمل رسالة الفيلم في النهاية بأدائه تكتمل كل العناصر من تصوير وإخراج وسنياريو..إلخ.. لا بد من مراعاته وتحمله والصبر عليه.

كنت دائما أحاول أذكر نفسي والمخرجين الذين عملت معهم بدرس يوسف شاهين، فلم أكن أفهم مثلا عصبية محمد خان التي تصل إلي "حمل المسدسات" مع أحمد زكي ولا عدم قدرة الصديق علي بدرخان على تحمل "سعاد حسني".. وهما أكبر موهبتين منحتهما لنا السينما المصرية، وكنت أرى أن لقطة قريبة لأحدهما على الشاشة تستحق أن نتحمل ونصبر، بل وأن ندلل، فالموهبة بحاجة إلى كثير من الامتنان والتقدير.. ولكن صبر يوسف شاهين أحيانا كان يشعرني بالغضب "غيرة" عليه وعلى مكانته بيننا.. عندما يجادله شخصية فرنسية تلعب دورا صغيرا بالفيلم لدرجة الإصرار على عدم تنفيذ اللقطة بالطريقة التي يراها شاهين مهددا – بوقاحة – بترك الفيلم لنفاجئ بأن جو مرر هذه المناقشة واستكمل التصوير ربما رغبة في عدم إثارة المشاكل مع الجانب الفرنسي.


أيضا تقرر بشكل مفاجئ تصوير مشهد لم يكن في جدول العمل يحتوي على لقطات لشخصية ترتدي عصابة سوداء على إحدى عينيه.. ولما لم أكن أحضرت معي أوراقي الخاصة بهذا المشهد فإني ترددت قليلا عندما سألوني في قسم الملابس عن العين المغطاة بالعصابة السوداء فقلت من الذاكرة التي كنت دربتها سنوات أنها العين اليمني، لكن الفرنسي كان متغطرسا وسخيفا جادل أنها العين اليسري، وطبعا وقعت في حرج افتقادي الدليل من أوراقي، ولكن "جو" هذه المرة أنصفني ودعمني بأن قال حاسما الموقف "هذا هو المساعد المسئول وأنا مجبر على تصديقه" وانتهى الأمر على خير وتم تصوير المشهد الذي لم أنم بعد انتهاء تصويره حتى توجهت بمجرد دخولي المنزل فجرا إلى أوراقي وتأكدت أن ذاكرتي لم تخونني.. وحملت الأوراق في اليوم التالي لجو مطمئنا، فقال "إنه كان متأكدا".

كان موضوع "الراكور" لا يعني جو كثيرا، وكان يقول بسخرية أن "من يترك كل الإخراج والأداء والتصوير ويركز على بقايا سيجارة مشتعلة أو كأس به عصير أو حتى نقش في كرافته فهو لا يريده أن يشاهد أفلامه ولا يريد ثمن تذكرته".. ولكني تربيت مع خان وخيري وغيرهما على أهمية موضوع "الراكور" باعتبار أخطائه تجعل المتفرج "يخرج" من حالة الاندماج مع الشاشة وبالتالي حالة التواصل مع الفيلم.


وبمناسبة الحوار الذي لم يكن يروق لتحية كاريوكا وكانت "تتصرف" فيه.. كنت مع رضوان أيضا نراقب جمل الحوار في الفيلم محاولين تصحيح بعض الكلمات بصفتي فلاحا وبصفة رضوان صعيديا هبطنا إلى القاهرة.. فلم نكن نستسيغ مثلا أن تقول أحد شخصيات الفيلم مخاطبا المجاميع "روقوا"، وكان التعبير لبنانيا والفرق طفيف بينه وبين التعبير المصري الذي هو "روّقوا" بالشدة على الواو..!! وأتذكر أيضا أني كنت أقول لجو عندما يشتم البعض "ومنهم صحفيين ونقاد وإعلاميين" بأنهم "حمره" بكسر الحاء أن الصحيح حمير فكان رده: إنت كمان حمار

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ورطة نتيناهو تنسف وهم "إسرائيل الكبرى".. فشل تمديد استدعاء قوات الاحتياط فى جيش الاحتلال.. ائتلاف نتنياهو يفشل فى تأمين الأغلبية للتصويت على تمديد الخدمة.. انتقادات للحكومة وضباط يرفضون الامتثال للخدمة العسكرية

مدرب الإسماعيلي: أهدرنا فرصة سهلة أمام بطل أفريقيا ونحتاج للاعبين خبرات

سنة دون مبرر.. غلق الوحدة السكنية يوجب إخلاءها فى قانون الإيجار القديم

أهداف مباريات اليوم الخميس 14 - 8 - 2025 بالدورى المصرى

بيان الفصائل الفلسطينية: نقدر الجهود المصرية الكبيرة بقيادة الرئيس السيسى


رجل يلاحق زوجته بسبب تحايلها بمستندات مزورة للزج به فى السجن.. التفاصيل

أبرق قرية ظهرت فيها علامات الإنسان القديم ومخطوطاته قبل التاريخ.. تقع شمال غرب مدينة الشلاتين.. أهم مناطق محمية جبل علبة الشهيرة.. يقع بها أقدم آبار الصحراء الشرقية.. ويعيش بها قبائل العبابدة والبشارية.. صور

إعفاء طلاب الثالث الإعدادى بالعامين الدراسيين 2026 و2027 من أعمال السنة

وزير التعليم يعلن تطبيق أعمال السنة على الصف الثالث الإعدادى

قرار مهم لوزير التربية والتعليم بعد قليل


الرئيس السيسى يصدّق على تعديل بعض أحكام قانون التعليم

كولومبوس كرو يعلن وصول وسام أبو علي إلى أمريكا.. صور

تفاصيل سقوط 3 شباب طاردوا فتيات بسياراتهم على طريق الواحات.. القصة بدأت بمعاكستهم فى كافيه وانتهت بحادث مروع.. أم الضحية: أي فلوس مش هتعوض بنتي.. القانون صنف الأفعال كجريمة تحرش.. وعقوبات قاسية تنتظر المتهمين

عبور 21 شاحنة مساعدات إماراتية ضمن القافلة الـ15 للفلسطينيين بقطاع غزة

ضبط سائق سيارة فارهة حاول الهرب بعد ارتكابه حادثا مروريا بكوبرى أكتوبر.. فيديو

مصابة بحادث طريق الواحات أمام النيابة: الشباب طلبوا منا النزول من السيارة

فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا فى مكافحة الحرائق

ولدتها وفرت هاربة.. العثور على مولودة فى حمام طوارئ مستشفى ببورسعيد

اعترافات طلاب مطاردة فتيات الواحات: لاحقناهما وحاولنا إيقاف السيارة

مصر تدين بشدة الإعلان عن خطة لبناء 3400 وحدة سكنية فى الضفة الغربية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى