مقدمات الكتب.. ما قاله محمد عنانى فى "نجيب محفوظ فى عيون العالم"

نجيب محفوظ  في عيون العالم
نجيب محفوظ في عيون العالم
أحمد إبراهيم الشريف

نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف مع كتاب "نجيب محفوظ فى عيون العالم: تحية إليه فى عيد ميلاده التسعين" لـ محمد عنانى وماهر شفيق فريد، فما الذي جاء في مقدمته؟

تقديم:

على نحوِ ما أذكر فى كتابى "فن الترجمة" — وما فَتِئتُ أُردِّد ذلك فى كُتُبى التالية عن الترجمة — يُعد المُترجِم مُؤلِّفًا من الناحية اللغوية، ومن ثَمَّ من الناحية الفكرية. فالترجمة فى جوهرها إعادةُ صَوغٍ لفكرِ مُؤلِّفٍ مُعين بألفاظِ لغةٍ أخرى، وهو ما يعنى أن المترجم يَستوعب هذا الفكرَ حتى يُصبح جزءًا من جهاز تفكيره، وذلك فى صورٍ تتفاوَت من مُترجِمٍ إلى آخر، فإذا أعاد صياغة هذا الفكر بلُغةٍ أخرى، وجدْنا أنه يَتوسَّل بما سمَّيتُه جهازَ تفكيره، فيُصبح مُرتبطًا بهذا الجهاز. وليس الجهاز لغويًّا فقط، بل هو فكرى ولغوي، فما اللغة إلَّا التجسيد للفكر، وهو تجسيدٌ محكوم بمفهوم المُترجِم للنص المَصدَر، ومن الطبيعى أن يتفاوت المفهوم وفقًا لخبرة المُترجِم فكريًّا ولغويًّا. وهكذا فحين يبدأ المُترجِم كتابةَ نصِّه المُترجَم، فإنه يُصبح ثمرةً لما كتبه المؤلِّف الأصلى إلى جانبِ مفهوم المُترجِم الذى يَكتسى لغتَه الخاصة، ومن ثَم يَتلوَّن إلى حدٍّ ما بفكره الخاص، بحيث يُصبح النص الجديد مزيجًا من النصِّ المَصدَر والكساءِ الفكرى واللغوى للمُترجِم، بمعنى أن النص المُترجَم يُفصِح عن عملِ كاتبَين؛ الكاتب الأول (أى صاحب النص المَصدَر)، والكاتب الثانى (أى المُترجِم).

وإذا كان المُترجِم يكتسِب أبعادَ المُؤلِّف بوضوحٍ فى ترجمة النصوص الأدبية، فهو يكتسب بعضَ تلك الأبعاد حين يُترجِم النصوصَ العلمية، مهما اجتهد فى ابتعاده عن فكره الخاص ولُغته الخاصة. وتتفاوت تلك الأبعاد بتفاوُت حظِّ المُترجِم من لغة العصر وفكره، فلكل عصرٍ لغتُه الشائعة، ولكل مجالٍ علمى لُغتُه الخاصة؛ ولذلك تتفاوت أيضًا أساليبُ المُترجِم ما بين عصرٍ وعصر، مِثلما تتفاوَت بين ترجمة النصوص الأدبية والعلمية.

وليس أدل على ذلك من مقارنةِ أسلوب الكاتب حين يُؤلِّف نصًّا أصليًّا، بأسلوبه حين يُترجِم نصًّا لمُؤلِّفٍ أجنبي، فالأسلوبان يتلاقَيان على الورق مِثلما يتلاقيان فى الفكر. فلكُلِّ مُؤلِّف، سواءٌ كان مُترجِمًا أو أديبًا، طرائقُ أسلوبيةٌ يعرفها القارئ حَدْسًا، ويعرفها الدارس بالفحص والتمحيص؛ ولذلك تَقترن بعض النصوص الأدبية بأسماء مُترجِميها مِثلما تقترن بأسماء الأدباء الذين كتبوها، ولقد تَوسَّعتُ فى عرْض هذا القول فى كُتبى عن الترجمة والمُقدِّمات التى كتبتُها لترجماتى الأدبية. وهكذا فقد يجِد الكاتب أنه يقول قولًا مُستمَدًّا من ترجمةٍ مُعيَّنة، وهو يَتصوَّر أنه قولٌ أصيل ابتدعَه كاتبُ النص المَصدَر. فإذا شاع هذا القول فى النصوص المكتوبة أصبح ينتمى إلى اللغة الهدف (أى لغة الترجمة) مِثلما ينتمى إلى لغة الكاتب التى يُبدِعها ويراها قائمةً فى جهاز تفكيره. وكثيرًا ما تَتسرَّب بعض هذه الأقوال إلى اللغة الدارجة فتحلُّ محلَّ تعابيرَ فُصحى قديمة، مثل تعبير «على جثتى over my dead body» الذى دخل إلى العامية المصرية، بحيث حلَّ حلولًا كاملًا محلَّ التعبير الكلاسيكى «الموت دونه» (الوارد فى شِعر أبى فراس الحمداني)؛ وذلك لأن السامع يجد فيه معنًى مختلفًا لا ينقله التعبير الكلاسيكى الأصلي، وقد يُعدِّل هذا التعبير بقوله «ولو متُّ دونه»، لكنه يجد أن العبارة الأجنبية أفصح وأصلح! وقد ينقل المُترجِم تعبيرًا أجنبيًّا ويُشِيعه، وبعد زمنٍ يتغير معناه، مثل «لمَن تُدَقُّ الأجراس» for whom the bell tolls؛ فالأصل معناه أن الهلاك قريبٌ من سامعه (It tolls for thee)، حسبما ورد فى شِعر الشاعر «جون دَنْ»، ولكننا نجد التعبيرَ الآن فى الصحف بمعنى «آنَ أوانُ الجد» (المستعار من خُطبة الحجَّاج حين وَلِى العراق):
آنَ أوانُ الجدِّ فَاشْتَدِّى زِيَمْ قد لَفَّها الليلُ بسوَّاق حُطَمْ
ليسَ براعى إِبلٍ ولا غَنَمْ ولا بجزَّارٍ على ظهر وَضَمْ
فانظر كيف أدَّت ترجمةُ الصورة الشعرية إلى تعبيرٍ عربى يختلف معناه، ويَحلُّ محلَّ التعبير القديم (زِيَمْ اسم الفرس، وحُطَمْ أى شديد البأس، ووَضَمْ هى «القُرْمة» الخشبية التى يَقطع الجزَّار عليها اللَّحم)، وأعتقد أن من يُقارِن ترجماتى بما كتبتُه من شِعر أو مسرح أو رواية سوف يكتشف أن العلاقة بين الترجمة والتأليف أوضح من أن تحتاج إلى الإسهاب.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

حدائق سوهاج تتزين لاستقبال المواطنين خلال عيد الأضحى 2025.. مساحات خضراء تنشر البهجة وتعيد للعائلات متعة التنزه فى أجواء احتفالية.. وفتح 11 حديقة جديدة مجانًا للجمهور.. وجزيرة الزهور تتلألأ فى ليالى العيد.. صور

دار الأوبرا تقيم حفلاً لأعمال وردة وبليغ حمدي الليلة

اعترافات تشكيل عصابى بتهمة سرقة مواقع تحت الإنشاء

سيراميكا يستعين بالمحلة من أجل دراسة الإسماعيلى استعدادا لكأس عاصمة مصر

منتخب الكاراتيه يبدأ منافسات الدورى العالمى بالمغرب


بمشاركة مصر للشباب.. تصنيف منتخبات كأس العالم للشباب قبل سحب القرعة

دقوا الشماسى.. دليلك الكامل لمصيف 2025 على شواطئ مطروح والساحل الشمالى.. خريطة أجمل الشواطئ والمزارات الترفيهية والسياحية.. انخفاض تكاليف الإقامة بداية ونهاية المصيف.. وزيادة الحجوزات خلال إجازة العيد.. صور

حاضنة تلاحق زوجها بدعوى حبس بعد سرقته حقوقها الشرعية المسجلة بعقد الزواج

محمد سراج: الأهلي لم يفاوض رونالدو وكنت أتمنى وجود محمد صلاح معنا بالمونديال

احذر الشبورة صباحًا.. حالة الطقس اليوم الجمعة 30 مايو 2025 فى مصر


اخبار الرياضة المصرية اليوم الخميس 29 - 5 - 2025

بشرة خير لبيراميدز.. مفارقة تاريخية تقود السماوى للاقتراب من حلم الأميرة السمراء

بعد أسبوعين من الزواج.. سيدة تطالب بالخلع: "هددنى ورفض رد مصوغاتى"

الرئيس اللبنانى: ملف النازحين السوريين يشكل أولوية لبيروت

الشباب والرياضة تنسق مع نادي بيراميدز الحضور الجماهيري في نهائي أبطال أفريقيا

المحكمة الاقتصادية ترفض دعوى حفيدة نوال الدجوى بشأن أسهم "دار التربية"

صندوق التمويل العقارى: بدء إرسال رسائل نصية بأولوية التقدم لـ سكن لكل المصريين 5

حقيقة تداول عسل نحل مغشوش بالأسواق.. الحكومة توضح "إنفوجراف"

فيديو جديد لـ أرابيلا ستانتون من تجارب أداء لشخصيتها فى Harry Potter

حاتم العراقي يطرح ألبومه الجديد من 6 أغانٍ وموال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى