أسئلة حول العمارة العربية

حسين حمودة
حسين حمودة
بقلم حسين حمودة

تمثل العمارة مجالا إبداعيا وظيفيا (يجمع، على نحو مباشر، بين الوظيفة "الجمالية" والوظيفة "النفعية")، يمكن خلاله، بسهولة، اختبار مدى التأثير لثقافة مهيمنة على ثقافة أخرى. ففي العمارة يصعب كثيرًا الفصل بين جماليات تصميمها والمناخ الذي مثّلت هذه الجماليات استجابة له، أو السياق الذي انبثقت فيه ومنه. وحين يتم "تصدير" طراز معمارى ما، لا يمكن تصدير مناخه معه! وبذلك، تلوح العمارة على المستوى النظري مجالا محصنا بسياقه الخاص، (ويمكن أن نقول: بضروراته الخاصة) لمواجهة ما تفرضه أنماط "الهيمنة" الثقافية.

ولكن، بعيدا عن هذا المستوى النظرى، باتت ثقافات وممارسات معمارية شتى في أرجاء المعمورة متعددة المناخ، خصوصا في النصف الثانى من القرن الماضي، تحتذى نموذجا معماريا بعينه، ينتمي إلى الغرب؛ إلى قيمه الجمالية وإلى مناخه معا، وطبعا ينتمي إلى اقتصاديات خاماته. وإذا كان هذا الاحتذاء بهذا النموذج قد بدأ على نطلق محدود في مدن المستعمرات منذ القرن التاسع عشر، فإنه قد تفاقم، خلال القرن العشرين، مع الانبهار ببعض نماذج عمارة الحداثة، بتصميماتها وخاماتها الجاهزة، وربما المفروضة سلفا، بغض النظر عن المناخ الذى تشيد فيه (ومن هذه النماذج تصميمات جماعة "الباوهاوس Bauhaus"، تصميمات ميس ووالتر جروبياس، وتصميمات لوكوربوزييه، بوجه خاص)، وهى عمارة تم التغنى يوما ما بأنها "طراز عالمى"، قامت فيما قامت على مفاهيم مثل "استهلاك المكان" (بناء أكبر عدد ممكن من المساكن على أضيق مساحة ممكنة من الأرض)، وارتبطت بأفكار حول "الآلة الحديثة للحياة" و"النشوة التكنولوجية للعصر الحديث"...إلخ، ثم امتد هذا الانبهار لتقليد نماذج ما بعد الحداثة (تصميمات ميشيل جرافيس، روبرت ستيرن، وفيليب جونسون الذى تحول من الحداثة إلى ما بعدها) .

وهكذا، مع نهايات القرن العشرين، وبدايات هذا القرن، أصبح عدد كبير من المدن، في شتى أرجاء المعمورة، بما في ذلك العمارة العربية، يحتوي مشاهد متنافرة المعالم، تتجاور فيها أنماط وطرز معمارية محلية ووافدة من بيئة أو من بيئات أخرى، بما يجمع العصور والأماكن، أو يجاور بينها، معا، في الحيز الواحد.. وبما يمزج مزجا غريبا بين جماليات تنتمي إلى موطن ومناخ بعينهما، وأخرى تنتمي إلى مواطن ومناخات مغايرة.

التفاصيل كثيرة، وربما مؤلمة، عن مدن عربية أصبحت الآن إطارا فضفاضا يعبر عن تراكب العصور واختلاط الطرز المعمارية والنأى، من ثم، عن جماليات العمارة العربية التى صيغت مكوناتها ووظائفها، عبر تاريخها الطويل، استجابة لمناخ بعينه (وظيفة "القصبة" في تخطيط الحارات والشوارع لكسر حدة أشعة الشمس، وظيفة "الصحن" في تصميم البيت للإفادة من اختلاف درجتى الحرارة، نهارا وليلا، في مناخ صحراوى قارّى، وظيفة "المشربية" لترشيح الضوء وتنظيم الصلة بين داخل البيت وخارجه.. مثلا).. كما أصبحت غالبية هذه المدن العربية تمثيلات واضحة على الابتعاد عن المفاهيم الأولية، المسلّم بها، حول أهمية التفاعل بين المبنى والخامات المحيطة به، أو أصبحت أمثلة دالة على القطيعة الواضحة مع تراث معمارى يعدّ، يكل المقاييس، متقدما تقنيا وفنيا، وذلك كله رغم المحاولات الحديثة لتطوير هذا التراث؛ ومنها محاولات المهندس حسن فتحى التى تبلور نظرية متكاملة في العمارة البيئية .

حول هذا الوضع العام، الراهن، يمكن أن تثار أسئلة كثيرة، من بينها:

ـ ما المستقبل الذى تمضى إليه مشروعات العمارة العربية المتصلة بموروثها؟ إلى أى حد تستطيع مقاومة المتطلبات الاقتصادية للشركات عابرة القارات (وهى، من قبل، لم تقاوم متطلبات شركات أقل سطوة)؟
ـ ما النتائج، الجمالية وغير الجمالية، لتجاور الطرز المعمارية المتنافرة، التى تنتمي إلى سياقات متغايرة، في كثرة من المدن العربية، ما تأثيرها على ساكنيها وغير ساكنيها؟
ـ هل هناك صيغة معمارية ممكنة تصلح "لعبور المناخات" المتباينة، مثلها مثل رأس المال، والمعلومات، والتكنولوجيا، وكلها قد نمت بلا موطن، وغدت عابرة للحدود وللدول؟

هذه، وغيرها، أسئلة ترتبط بـ"العمارة العربية" في مشهدها الراهن، وهي أسئلة سوف تستدعى في المستقبل المزيد من أسئلة أخرى.
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طولان: الزمالك قادر على الفوز بكأس مصر.. والأبيض يبقى بتاريخه وجماهيره

احذر الشبورة صباحًا.. حالة الطقس اليوم الجمعة 30 مايو 2025 فى مصر

وفد منتخب 20 سنة يشارك فى ورشة عمل قبل إجراء قرعة المونديال

بشرة خير لبيراميدز.. مفارقة تاريخية تقود السماوى للاقتراب من حلم الأميرة السمراء

بعد اطلاق اسم شقيق ووالدة حسن الرداد على أولاده.. لماذا خلد الرداد ذكراهم؟


العربية: حماس وإسرائيل تتوافقان على هدنة لـ60 يوما.. والحركة تنفى (تحديث)

المحكمة الاقتصادية ترفض دعوى حفيدة نوال الدجوى بشأن أسهم "دار التربية"

محمد صلاح يتصدر التشكيل المثالي للموسم في الدوري الإنجليزي الممتاز

صندوق التمويل العقارى: بدء إرسال رسائل نصية بأولوية التقدم لـ سكن لكل المصريين 5

الداخلية تضبط تابوتا أثريا بحوزة شخصين بسوهاج


صافرة إيطالية تدير نهائي كأس خادم الحرمين بين الاتحاد ضد القادسية

بسبب العيد.. الزمالك يترقب تعديل موعد نهائى الكأس مع بيراميدز

الصومال: مقتل 10 عناصر إرهابية فى عملية عسكرية فى إقليم هيران

عبد الله السعيد يقرب طارق حامد من العودة إلى الزمالك

دموع أحرجت العالم.. لحظات مؤثرة بمجلس الأمن بسبب أطفال غزة.. صور وفيديو

كيف يفكر الأهلي في تدعيم خط الدفاع قبل كأس العالم للأندية؟

بعد إعلان إيلون ماسك مغادرة منصبه..بلومبرج: ترك وكالات بالية وموظفين مرهقين

حلا شيحة تدشن قناة دينية على "يوتيوب" وتطلق من خلالها أول فيديو

الصحافة العالمية تحتفل بتربع الأهلي على عرش الكرة المصرية

ترقب وفرحة.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى