محمد عبد الرحمن يكتب: الضيف.. كيف تقنع العبيد بأنهم أحرار؟

جانب من العرض
جانب من العرض

قبل نحو ما يقرب من 80 عاما، كتب جورج أورويل روايته الشهيرة "مزراعة الحيوان" وفيها يصور العالم الجديد الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام يخضعون لرقابة لصيقة من قبل الأخ الأكبر الذي يمثل الحكم الشمولي، ومن هذا المنطلق يمكننا التطرق إلى العرض المسرحي "الضيف" إخراج محمد عبد الله، والمأخوذ عن من قصة قصيرة لمصطفى محمود بعنوان "أنشودة الدم"، ونص مسرحي قصير لإروين شو بعنوان "ثورة الموتى"، وعرض مؤخرا ضمن عروض مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في دورته الـ 11..

العرض منذ عتبته الأولى "العنوان" يحاول أن يشتبك بالمتلقي مع الأفكار التي يطرحها المخرج، ولعل اختياره كان التفاتة ذكية منه لأنه ابتعد عن أسماء النصين سالفي الذكر اللذين استوحى منهما القصة، وحاول من خلاله إثارة تحفيز فضول المتلقي وإثارة تساؤلاته من خلال استدراجه للدخول مباشرة إلى الأحداث، فمن هو ذلك الضيف؟ وهل سيكون ضيفا عاديا أم ثقيلا مثلما عنون أبو المسرح العربي الأديب الكبير توفيق الحكيم أولى مسرحياته تحت عنوان "الضيف الثقيل" والتي كتبها من وحي الاحتلال البريطاني لمصر، وكانت ترمز إلى إقامته بـ "الضيف الثقيل"، وهي ربما فكرة لا تبتعد كثيرا عما حاول محمد عبدالله تقديمها في عرضه الأخير.

يبدأ العرض من داخل مقبرة جماعية لجنود لقوا حتفهم في الحرب العالمية، حيث نرى جنديا قعيدا فقد القدرة على المشي بفعل الحرب، يناجي زملاءه الذين فقدهم نتيجة تلك الفاجعة الكبيرة والدموية التي خلفت وراءها ملايين القتلى من المدنيين والعسكريين، وقد تعرض إلى أزمة نفسية كبيرة جعلته يظهر إلى حدّ الشعور بفقدانه لملكة العقل واقترابه من الجنون، يدخل عليه عابر سبيل في زي يشبه زي المهرجين، يحمل معه علبة جيتار، ويرافقه كلب يدعي "تشارلي"، وهنا كانت المفارقة فالأخير يظهر بثوب مهرج ولكنه يحمل وجه الدمار، سرعان ما يظهر وجه الحقيقي الذي جاء من أجله، ليتأكد أن الجميع هنا يرددون ما يردده هو، ويتبنون أفكاره، في مشهد يتطابق إلى حد كبير مع المعالجة التي قدمها المخرج الكبير كرم مطاوع لمسرحية "أنشودة الدم" التي قدمها عام 1991 من بطولة عبد الرحمن أبو زهرة ويحيي الفخراني، حيث قام الأول بدور حارس مقبرة، بينما رمز الفخراني إلى المستعمر، الذي يحاول فرض سيطرته وأفكاره على أصحاب الأرض حتى أصبحوا يتبنون وجهة نظره، ويحملون أفكاره.

ربما كانت الفكرة التي سعى لتقديمها محمد عبدالله في عرضه أكثر عمقا من المفهوم النمطي لسلطة المحتل الذي يحاول اغتصاب الأرض والقضاء على أهلها سواء بالقتل أو التهجير، مثلما يحاول الكيان الصهيوني دائما بتصفية القضية الفلسطينية، وتوجيه جهوده إلى تسويق مفهوم انعزالي للوطنية، بما يجعلها نقيضا أو خصما للانتماء القومي مما يعني تحييد الشعوب العربية عن القضية.

وربما كانت فكرة السيطرة الاستبدادية المطروحة هنا لم تكن تقصد سوى سلطة القيم الأخلاقية الغريبة التي تتوغل في بعض المجتمعات، والتي تحمل أفكاراً متطرفة ثقافيا ودينيا واجتماعيا تحاول اختطاف أهل تلك المجتمعات خاصة من الشباب فكرياً من قيمه، وتغذيته بأفكار وقيم لم يكن لها وجود من قبل، وربما ساعدت وسائل التواصل ومنصاتها على ظهورها وتفعيلها وانتشارها، وهنا يظهر نوع آخر من السلطة ربما حاول المخرج أن يناقشه من خلال عمله، وهي سلطة عالم الشركات الرأسمالية التي نجحت في تحييد الإنسان وتهميشه حتى تربعت وحدها على عرش الأفكار التي تنظم الحياة والمجتمع، وكذلك توغل التكنولوجيا التي تظهر كفضاء كبيرا يتيح الحرية، لكنه في الواقع مصدر محتمل لزوال الحرية، فإذا كان الوضع المتصور للمستهلك في ذلك العالم الافتراضي هي الاختيار، ففي الواقع فأن أيديولوجية الاختيار بحد ذاتها - قد تكون دليلاً على كيف آل الأمر إلى تضاؤل الاختيار بالفعل، وكيف انحصرت اختيارات الإنسان إلى حدود تضعها تلك الشركات أو المنصات الرقيمة لا يخرج عنها وتضعه أمام قيود تبدو وكأنها اختيارات تجعله عبدا لها.

أداء محمد عبدالله ومحمد هشام بطلي العرض، جاء مركبا ومربكا في الآن ذاته، كلاهما أتقن جيدا الانتقال من مشاعر وانفعالات إلى أخرى، ممثلان مختلفان فكرا وشكلا، لكل منهما طريقته في تقمص الدور وتقديم الشخصية، لكن ربما أكثر عناصر التمثيل إبهارا للجمهور كان أمير السعيدي، الذي جسد دور "الكلب" ونجح في استخدام كافة أدواته ووسائله وآلياته التمثيلية، حيث نجح أن يستعمل فيها جسده ويترك له الحرية للرقص والتعبير، ليشد إليه انتباه المتفرج، وينجح في تأدية الشخصية المحورية في الأحداث، التي تنتهي بأن هذا الكلب الذي يسمع كلام صاحبه تماما طوال الوقت، ما هو إلا تشارلي صديق الجندي القعيد الذي يظل يرثي طوال العرض ويحكي عن بطولاته، ليؤكد فكرة نجاح سيطرة الضيف وتوغله في العقول، والقضاء على إرث وقيم أصحاب المكان الحقيقيين وسلب إرادتهم وتصوريهم وكأنهم أصبحوا أداة في يد آخرين.

في النهاية استطاع المخرج محمد عبدالله تقديم صورة بصرية جيدة في إطار تجريبي، من خلال توظيف شواهد القبور، التي كانت غير ثابتة ومتحركة بألوانها، فالأبطال الحقيقيون هم الذين يختفون خلف شواهد القبور، ويتحركون ضمن تشكيلات مع كل جملة حوارية على المسرح، ونجح في تقديم صورة أكثر عمقا عن الكثير من مفاهيم السلطة الشمولية سواء في وجهها السياسي الاستبدادي أو حتى في وجهها التكنولوجي عن طريق تلك الشركات والمنصات التي قيدت الإنسان وحصرته بين مجموعة من الاختيارات لا يخرج عنها.

 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أسرع قطارات السكة الحديد.. اعرف مواعيد وأسعار قطار تالجو اليوم الخميس 22- 5- 2025

تريزيجيه يسعى لكسر لعنة النهائيات عبر بوابة كأس أمير قطر

محمد يوسف يبحث موعد تواجد الصفقات الجديدة في تدريبات الأهلي

صناعة الدواجن آمنة ومستقرة.. وطلبات تصدير جديدة إلى الدول العربية والأجنبية.. الخدمات البيطرية: المزارع مستقرة ومطمئنة وجميع التحصينات متوافرة.. الثروة الحيوانية: مصر حققت مكانة متقدمة باستثمارات 200 مليار جنيه

مقتل اثنين من موظفى السفارة الإسرائيلية في إطلاق نار بواشنطن


رويترز: زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب جزيرة كريت اليونانية ويشعر به سكان مصر

هزة أرضية يشعر بها سكان القاهرة الكبرى

زى النهارده.. الأهلى يتسلم جائزة نادى القرن الأفريقى فى جوهانسبرج

فرقة "نظرة" للإنشاد الدينى بقبة الغورى.. غدا

زعيم كوريا الشمالية غاضبا بعد فشل تشغيل سفينة حربية: إهمال لا يمكن أن يغتفر


الأهلى أمام جمعية الساحل التونسى فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد

مواعيد القطارات على خط القاهرة أسوان والإسكندرية أسوان والعكس اليوم الخميس 22- 5- 2025

الكبش العملاق.. أكبر خروف فى أسواق الإسكندرية وزنه 120 كيلو (فيديو)

طارق مصطفى يحذر لاعبي البنك الأهلي من انتفاضة المصري بعد رباعية سيراميكا

جدل "القصر الطائر" لا يزال مستمرًا.. نيويورك تايمز: قطر أرادت بيع طائرتها الفاخرة حتى وضع ترامب عينيه عليها وتحول الحديث إلى "تبرع".. ومشروع قانون فى الكونجرس لمنع استخدام طائرة أجنبية كطائرة للرئاسة الأمريكية

إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)

رابط مباشر.. الاستعلام عن أرقام جلوس الثانوية الأزهرية 2025 الآن

متى تُنظر دعوى الحجر على الدكتورة نوال الدجوى من أحفادها؟

شاهد.. لحظة إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسى يضم سفير مصر.. فيديو وصور

"أصحابه حاولوا ينقذوه وفشلوا".. غرق طالب بالمرحلة الإعدادية فى النيل بدسوق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى