سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 14 يناير 1969.. «الكواكب» تتصدى لمهاجمى الملحن الشيخ إمام عيسى وعلى رأسهم محمود السعدنى وتنشر مقالا للدكتور فؤاد زكريا يحلل ظاهرته الفنية

اتسعت المناقشات حول الملحن الشيخ إمام عيسى مع تصاعد ظاهرته الفنية بعد هزيمة 5 يونيو 1967، والتى اقترنت بأشعار أحمد فؤاد نجم، وقامت مجلة الكواكب برئاسة الكاتب والناقد رجاء النقاش بتنظيم حفل له بنقابة الصحفيين يوم 5 نوفمبر 1968، وأمام حشد زاد على الألف غنى الشيخ إمام ألحانه، كما غنى من ألحانه مطربان جديدان هما، محمد حمام وليلى نظمى، بالإضافة إلى إلقاء أحمد فؤاد نجم لعدد من قصائده، وفقا لتغطية «الكواكب» للحفل بعددها يوم 12 نوفمبر 1968.
كانت حفاوة «الكواكب» بالشيخ إمام تتواصل بفتح صفحاتها لكتاب وفنانين ومفكرين يشيدون به ويحللون ظاهرته، بينما كان هناك من يهاجمه بعنف، ومن أشهرهم الكاتب الساخر محمود السعدنى، ما دفع المجلة إلى الرد بنشر مقال مطول وعميق بعنوان «حول ظاهرة الشيخ إمام»، للدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس ومؤلف كتاب «التعبير الموسيقى» ورئيس تحرير مجلة «الفكر المعاصر» التى نشرت هذا المقال، وبعد أيام أعادت «الكواكب» نشره فى عددها،911، يوم 14 يناير، مثل هذا اليوم، 1969.
استهلت «الكواكب» مقال فؤاد زكريا بمقدمة منفصلة دفاعا عن الشيخ إمام، ووقعت باسمها عليه، ويبدو أن رجاء النقاش هو كاتبها، قائلة: «فى الفترة الأخيرة أثيرت حول الشيخ إمام مناقشات واسعة، والواقع أن الشيخ إمام بعد أن حظى باستقبال حار ومتحمس من كل الجماعات التى استمعت إليه، واستطاع أخيرا أن يجد لنفسه مكانا فى الإذاعة والتليفزيون بعد اعتماده كملحن مبتدئ رغم أنه يملك من إنتاجه مائة وخمسين لحنا، ورغم أنه بلغ الخمسين من عمره، ورغم موجة التحمس الصادق له بين صفوف الذى استمعوا إليه فى حفلات خاصة وحفلات عامة، ورغم تحمس عدد من الفنانين المعروفين له، مثل فايدة كامل ومحمد رشدى اللذين قدما له ألحانا ممتازة وناجحة، ومثل لبلبة التى قدمت له بعض الأغانى الخفيفة، رغم هذا كله تصدى بعض الكتاب بفروسية وحماس لهدم هذا الشيخ الفنان الذى لم يطلب شيئا من أحد، ولم يأخذ شيئا من أحد، وما زال يعيش فى حجرته المتواضعة فى الغورية، وهى الحجرة التى استأجرها منذ سنوات، وحتى اليوم «1969» بعشرة قروش فى الشهر».
فسرت «الكواكب» موقفها الإيجابى من الشيخ إمام بأنه «موقف الحماس والتقدير لهذا الفنان الزاهد فى كل شىء»، وعبرت عن تعجبها من الهجوم عليه، قائلة: «الحقيقة أننا فوجئنا بهذه الحملة الضارية ضد الشيخ إمام حتى لقد وصفه الأستاذ محمود السعدنى بأنه «وباء ظهر بعد النكسة»، وهناك كلمات أخرى ليست أقل قسوة وتجريحا، ولقد فاجأتنا هذه الحملة لأننا كنا نتصور أن حياتنا الفنية أكثر حنانا وأرحب صدرا وأوسع قلبا وأقل قسوة ومرارة مما فوجئنا به من صيحات الحرب ضد الشيخ إمام»، ووصفته قائلة: «هذا رجل لا يملك شيئا، لا زوجة ولا أطفالا ولا مالا ولا أرضا ولا بيتا، وكل ما يملكه هو مائة وخمسون لحنا ومحبة حقيقية مخلصة لشعبه وأهل بلده».
وأضافت: «بين صيحات الحرب ضد الفنان الطيب الصامت لم تعدم حياتنا الفنية أصواتا منصفة وعادلة وقفت من الشيخ إمام موقف التفسير والمناقشة الموضوعية»، وذكرت أنه إيمانا منها بقضية الشيخ إمام، واعتقادا بما فى الهجوم عليه بهذه الطريقة من ظلم فادح وقسوة لا مبرر لها يسرها أن تنشر هذا المقال المهم الذى كتبه أحد كتابنا وعلمائنا البارزين وهو الدكتور فؤاد زكريا».
تناول «زكريا» ظاهرة الشيخ إمام من كل جوانبها، مطالبا «النظر إليه بوصفه فنانا لأن ما يقدمه ليس موسيقى أو ألحانا فحسب، بل عمل متكامل تتضافر فيه جهود الشاعر المرهف والملحن الحساس والمنشد المتحمس فى وحدة وثيقة وارتباط عضوى عميق، ومع ذلك فإن معاملته على أنه فنان، لا تستوعب كل جوانب هذه الظاهرة الفريدة، ذلك لأنه لم يتوجه إلى الناس بوصفه فنانا فحسب، بل هو يجمع بين صفة الفنان وصفة الخطيب السياسى والناقد الاجتماعى الساخر، وهو بارع فى تمثيله وأدائه، ووسط هذه البراعة التمثيلية لا يبعد بك لحظة واحدة عن صحيح الواقع الذى تعيش فيه يوما بيوم، إنه بالاختصار يقدم نوعا من الأداء يتخطى الحواجز التى ألفناها بين الفنون، بل بين الخيال الفنى والواقع الفعلى للناس».
يضيف زكريا: «أول ما يلفت نظرك فى هذا الفنان قدرته الغريبة على جذب جمهور المستمعين إليه، وإشراكهم معه فى الأداء، ولا يكاد ينتهى من مقطع أو اثنين من أية أغنية من أغانيه، حتى تجد الجمهور بأسره قد اشترك معه وكأنه يعرف الأغنية منذ عهد بعيد، بل إنه ليبدو للمرء أن الأغانى وضعت بحيث يصبح الجمهور جزءا منها، أو تصبح هى جزءا من الجمهور، فهناك خيوط مغناطيسية خفية عجيبة تربط بينه وجمهوره، أيا كان هذا الجمهور، وتدفع الحضور جميعا إلى ترديد أنغامه ومعانيه، ومن هنا كانت قيمة تأثيره».
Trending Plus