أكرم القصاص يكتب: قبل أن تسكت المدافع والمزايدات والأوهام فى غزة!

حتى قبل أن يتم البدء عمليا فى تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، بدأت كالعادة أو اندلعت أشكال من المزايدات والادعاءات التى تغطى غالبا على كل تفكير بالعقل، بل إن بعض البيانات الوهمية عن انتصارات تغطى على ما ارتكبه الاحتلال من جرائم إبادة وقتل متعمد وأنواع من جرائم الحرب، أما التقييم الشامل لهذه الحرب فإنه بالطبع يتطلب تقييما حقيقيا بعيدا عن ادعاءات وأوهام تصنع قناعات زائفة، ومن البداية قلنا إن الأمر بحاجة إلى قراءة بعيدا عن التهوين أو التهويل، وأيضا النظر إلى التحولات التى كشفت عنها هذه المواجهة فى توازنات القوة، والمصالح التى تحرك أطراف الصراع.
مبكرا جدا قلنا إن هذه الجولة من الصراع تختلف عن جولات ومواجهات سابقة، وتمثل تحولا يتطلب أن تسعى الأطراف المختلفة إلى تفهمه ومعرفة دروسه حتى تتكون خبرات متراكمة يمكن الاستفادة منها، لأن القضية الفلسطينية لأكثر من 7 عقود شهدت الكثير من الادعاءات والمبالغة فى تصوير القوة، أو أوهام تحقيق انتصارات، مع تغييب دور السياسة، أو التقليل من شأنها، مع تكرار أخطاء تتعلق بعدم تقدير الوقت السليم للهجوم أو التوقف، أو قبول العروض، مع الرهان على الأطراف الخطأ، وفى هذه المواجهة الحالية، راهنت الفصائل على أطراف إقليمية أو قوى مختلفة مثل إيران وحزب الله، وكشفت الممارسة عن تراجع إيرانى، وضعف واختراق فى جبهة حزب الله، وبالتالى فنحن أمام مواجهة تكشف عن تغيير فى توازنات المعادلة الإقليمية، وأيضا فى سقوط أى نظريات للاعتماد على أطراف لكل منها حساباتها، التى ليست بالضرورة لصالح القضية الفلسطينية، أو لمصالح خاصة.
سقطت ادعاءات جبهات المساندة، وعجز حزب الله عن مساندة غزة أو مساندة نفسه، وأدى لثغرات سهلت نهاية حكم بشار المتسلط الطاغى، وحتى جماعة الحوثيين وسط دعايات مبالغ فيها، لم توقع أى ضرر بالاحتلال، بينما أضرت بالملاحة فى البحر الأحمر، وتسببت فى خسائر لمصر، بل إنها كشفت عن ضعف جبهة إيران بشكل كبير، ولم يبق منها سوى الدعايات.
على سبيل المثال فإن عملية طوفان الأقصى مثلت بالنسبة لبنيامين نتنياهو قشة تعلق بها رئيس وزراء الاحتلال ليعبر أزماته السياسية، وتوظيفه لنشر الرعب داخل المتطرفين بالمجتمع الإسرائيلى، وأباد أكثر من 45 ألف طفل وسيدة ودمر أكثر من نصف غزة، وحاول تنفيذ مخطط التهجير والتصفية، بينما الطرف الآخر لم يحقق مكاسب ظاهرة، لكن يشهد لأهل غزة قدرتهم على تحمل هذا العدوان المجرم، والصمود فى مواجهة مخططات التهجير، ثم إن الفصائل التى واجهت محاولات تصفية شاملة أبقت على بعض قدراتها، وهو أمر يحسب لهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن التقييم الشامل لحجم الخسائر داخل حماس، من الصعب الكشف عنه فى ظل البنية القائمة لهذه الفصائل.
وغيرت الحرب مفاهيم سابقة، وكشفت أن جيش الاحتلال يمكنه الحرب لأسابيع بل ولخمسة عشر شهرا، وأكثر، وأيضا يمكنه الحرب على أكثر من جبهة، وبلا أى خطوط أخلاقية أو إنسانية، مع دعم كامل من الولايات المتحدة، بل إن من مفارقات هذه الحرب أن نتنياهو يخوض الحرب بعدوان مجرم، وهو يقدم نفسه فى صورة الضحية أمام أمريكا والغرب، بينما الفصائل تصدر صورة المنتصر بالرغم من كونها تواجه عدوانا كبيرا، وبالتالى يخسر الطرف الأضعف، مع ادعاءات القوة وأوهام النصر .
ووسط هذا الواقع، ظلت مصر هى الطرف الأقدر على التعامل مع ملف متشابك، وتصدت من البداية لمخططات التصفية والتهجير، وواجهت أكاذيب الاحتلال بحسم، وأيضا ادعاءات ومزايدات مراهقين ومدعين فى كل الجبهات، وكل التقارير تؤكد أن مصر هى التى حسمت إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار، أو بمعنى أدق وقف العدوان، لأنه كان عدوانا أغلبه من طرف الاحتلال، ومن زاوية الخسائر الفرق واضح، ومصر هى التى سعت إلى مصالحة فلسطينية، تواجه تعثرا بسبب الأطراف الخارجية، التى ثبت ضعفها وتهافتها.
الشاهد أن هذه الحرب، كشفت عن زيف وتهافت وضعف جبهات المزايدة والتهديد الأجوف، وبعيدا عن الصراعات والادعاءات، يفترض ان يسعى الفلسطينيون للمصالحة والعمل معا بعيدا عن أطراف أثبتت التجربة أنها أضعف من أى ادعاءات، حيث كانت البطولة الوحيدة لهؤلاء الذين دفعوا ثمن مغامرات وتداخلات وهمية.

Trending Plus