سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 25 يناير 1960.. المحكمة تنهى خصام الشيخ زكريا أحمد وأم كلثوم بالصلح بعد سنوات من القطيعة باتفاق أن تغنى له ثلاثة ألحان جديدة نفذ واحدا منها فقط قبل وفاته

حضرت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى مقر المحكمة فى القاهرة بسيارة محاميها «مختار قطب»، واخترقت بصعوبة حشود الجماهير لتدخل إلى المحكمة من الباب المخصص لدخول المستشارين والقضاة، وكان خصمها الموسيقار زكريا أحمد ينتظر مع محاميه عبدالرحيم غنيم بالقاعة، التى ازدحمت بالجماهير المتطلعة لحضور جلسة النطق بالحكم فى النزاع بينهما يوم 25 يناير، مثل هذا اليوم، 1960، وفقا لما يذكره الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية».
يذكر «حنفى محمود»، أن رئيس المحكمة المستشار عبدالغفار حسنى اضطر إلى الاستعانة بحرس المحكمة لإخلاء القاعة من الجمهور، ويؤكد أن الفصول الأولى لهذه القضية بدأت فى النصف الثانى من عام 1948 بدعوى رفعها زكريا أحمد ضد الإذاعة وشركة «كايروفون»، يطالب فيها بحقوقه المتأخرة فيما بين عامى 1934 و1947 عن إذاعة وتداول ألحانه لأم كلثوم وبعض المطربين والمطربات.
تفجرت هذه المعركة بعد سنوات طويلة من التعاون بين زكريا وأم كلثوم، منذ أن استمع إليها لأول مرة فى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية عام 1919، وكان بصحبة الشيخ أبوالعلا محمد المقرئ والملحن والمغنى، وربح الغناء العربى بتعاون الاثنين، وتذكر الدكتورة رتيبة الحفنى فى كتابها «أم كلثوم- معجزة الغناء العربى»: «جميع ألحان زكريا لأم كلثوم تعتبر إضافات جديدة فى الموسيقى العربية، أدخل الجديدة على الطقطوقة وحطم القيود التى جعلت من هذه الأغنية الرتابة والملل، وأدخل «القصة الملحنة» التى استمعنا إليها لأول مرة فى ألحان «أهل الهوى» و«حبيب قلبى وفانى» و«الأمل»، وأدخل الجملة الكلامية التى تتخلل الأغنية مثل «جوللى ولا تخبيش يا زين» فى فيلم «سلامة».
لم يستطع كل هذا الإبداع فرملة اللجوء إلى القضاء، وحسب «حنفى محمود»، فإن «زكريا» استند فى دعواه إلى عقد وقعه مع الإذاعة إبان بدايتها، حيث نص العقد على حصوله على 5% من أجر أى مطرب أو مطربة فى مقابل تقديم ألحانه لهم بالإذاعة، واستثنى العقد أصوات أم كلثوم وصالح عبدالحى وطه الفشنى، جاعلا المقابل الذى يحصل عليه زكريا نظير إذاعة ألحانه لهم محلا للتفاوض بينه وبين الإذاعة، وأدخل زكريا، أم كلثوم خصما ثانيا مع الإذاعة فى الدعوى رقم 3525 لسنة 1951 «كلى مصر»، وقدم محاميه عريضة خاصة بذلك إلى المحكمة الابتدائية يوم 15 أكتوبر 1951، واشتملت على طلبات هى «إلزام الإذاعة وأم كلثوم متضامنين بدفع مبلغ 43 ألفا و444 جنيها و666 مليما لزكريا، وإلزام هيئة الإذاعة المصرية وحدها بدفع 456 جنيها، ومبلغ آخر قيمته 889 جنيها و300 مليم، نظير حقوق زكريا لدى الإذاعة وأم كلثوم خلال الفترة بين سنتى 1937 و1947».
استمرت المحكمة فى نظر القضية طوال هذه السنوات حتى عرض رئيسها عبدالغفار حسين الصلح على الطرفين، وتحددت جلسة الصلح فى 17 يناير 1960، ثم تأجلت إلى جلسة يوم 25 يناير1960، وحسب جريدة الأهرام فى عددها يوم 26 يناير 1960: «استمرت المناقشة 5 ساعات، بذل القاضى فيها جهدا كبيرا، وانتهى بعقد اتفاق خاص بينهما، تفاهما فيه على التعاون المشترك بينهما لخدمة الفن، يقوم الأستاذ زكريا بتلحين 3 أغنيات لأم كلثوم بمبلغ رصد فى الاتفاق أنه 700 جنيه عن كل لحن، بحيث يتم تلحين 3 أغنيات خلال عام 1960، وعلى هذا تنازل زكريا عن دعواه ضد أم كلثوم، ويتنازل عن طلباته ضد الإذاعة فيما يختص بأم كلثوم».
تذكر مجلة الكواكب فى عددها رقم 444، يوم 2 فبراير 1960، أن أم كلثوم علقت على هذا الصلح قائلة: «إننى على استعداد لأن أغنى للشيخ زكريا 10 ألحان، ولكن المهم أن يلتفت إلى فنه بعد أن أضاع الكثير من عمره فى القضايا، وأنا طول عمرى أقدر الشيخ زكريا وأقدر إخلاصه لفنه، وأتحدى أى إنسان يقول إنه قدر فن زكريا أكثر مما قدرته أنا، وأعطيته كل حقوقه».
وقال الشيخ زكريا: «الحمد لله لأن هذه السحابة السوداء انقشعت من سمائنا، وأنا كرهت اليوم الذى بدأ فيه هذا النزاع، وفرحت كثيرا بهذا الصلح، وتنازلت عن دعواى بعد أن عرفت أن أم كلثوم لم يكن لها أى دخل فيما حدث من الإذاعة تجاهى، وهذا الصلح صفحة بيضاء بينى وبين كوكب الشرق، وكنت أحس بفراغ كبير عندما كنت أسمعها تغنى وأنا لا أقدم لها ألحانا جديدة، كنت أعيش فى ذهول لأننى بعيد عن سماع صوتها عن قرب، والحمد لله لقد زالت هذه القطيعة، واقتلعنا النزاع من جذوره وألقيناه فى البحر». ولم يمهل القدر «زكريا» أن ينفذ ما تم الاتفاق عليه فى هذه الجلسة من ألحان لأم كلثوم، حيث قدم لها لحنا واحدا فقط «هو صحيح الهوى غلاب»، غنته فى حفلها يوم 1 ديسمبر 1960، وتوفى يوم 14 فبراير 1961.

Trending Plus