أكرم محمد يكتب: البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو.. مرويات عديدة للضيق ذاته

لبحث عن منفذ لخروج السيد رامبو
لبحث عن منفذ لخروج السيد رامبو
أكرم محمد

تظهر افتتاحية فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو"، من إخراج خالد منصور، وبطولة عصام عمر وركين سعد، ما يقدم مشهدا موازيا للمشهد ذاته، ربما أيضا مشهدا موازيا للفيلم ذاته، الفيلم المعني بلون داكن يسيطر على مشاهده الشاعرية كتعبير ضمني وانتصار فني لضيق ذوات شخوصه، تلك الشاعرية المبتعثة من رؤية الفيلم الإنسانية للعالم، يظهر بالمشهد الافتتاحي بالتلفاز الرابض خلف البطل، المهمش بدوره،  وكلبه البلدي رامبو، مشهدا لضبع ملطخ بالدماء انتهى من التهام الحيوانات المهمشة والمستضعفة، تماما كأبطال الفيلم، هكذا يقدم الفيلم ثنائية الهامش/المركز (السلطة) من عالم الحيوانات، الذي تبناه الفيلم كمركز، كأنه ينتصر لذاك الهامش، يحول هامش عالم الحيوانات لمركز سينمائي، ومع تقديم علاقة حسن بأمه وكلبه يظهرون محاطين بحوائط موازية تعبر عن الضيق الذي يعيشون به، ثم أول طلة لكادر على الشارع، العالم، تكون بين شباك يحصر العالم، معبرا بذلك عن الضيق الذي يرى شخوص الفيلم به العالم، ومع طرح مروية الفيلم وبنيته الدرامية يظهر الأسطى كارم، الذي يريد طرد حسن وكلبه وأمه من منزلهم، بكادر يكشف ظهره العريض، ويمثل الحوار تناصا مع المشهد الافتتاحي عندما يخبر الأسطى طفلا أن ما أعطاه إياه ملطخا بالدماء، ويعبر أيضا الجزء الافتتاحي عن الضيق عندما تخبر الأم ابنها حسن أن يرتدي "فانلة" ، فيرد قائلا إن ارتداءه إياها يخنقه، يشعره بالضيق، ومع انطلاق الحدث المحوري وبدأ البحث عن مخبأ لكلبه يرتدي حسن الفانلة ليكون باعثا ضمنيا ورمزا لشعور حسن بالضيق.

يعرف الفيلم المدينة المبتلعة قاطنيها من خلال حسن وكلبه، أثناء سيرهم تظهر يافطة بعنوان "صيدليات ريتش" ، كأنها تناقض المدينة، بين هامشها ومركزها السلطوي، ذلك يتبع مباشرة علاج الكلب رامبو بعد اعتداء الأسطى كارم على حسن في أداء تمثيلي يظهر انكسار حسن، أثناء ذلك الاعتداء ينقذ الكلب صاحبه من اعتداء الأسطى كارم، فيضربه أحدهم، كأن المروية تتنتصر للهامش، الكلب الذي يقهر السلطة، بعدما انتصرت له قبلها عندما حاول الأسطى كارم فرض سلطته على حسن وإهانته بجعله يذهب للورشة ويعود ليلقي السلام عليه، فيلقي حسن السلام أولا على طفل يعمل في الورشة قبل خضوعه للأسطى، الطفل التي تنتصر مروية عابرة وموازية إليه هو رمز التمرد والتهميش، من هنا يخرج حسن وكلبه للمدينة، يصطدمون بها وبقسوتها وبعدم تقبلها لهم، حيث يعالج الكلب حلاق بدلا من طبيب، بعدها تقدم علاقة حب مبتورة بين حسن وفتاة تساعده.. ذلك المشهد المحوري، الذي ينتصر فيه الكلب على السلطة بعض عضوه الذكري، رمز الفحولة والسلطة، يعد هو الباعث على الروي، على اقتفاء مرويات عديدة للضيق ذاته، لتعرية ذاك الضيق وفهمه على مستويين فنيين أولهم الكادرات والسينماتوغرافيا وثانيهم اللغة، التي تتفرع للحوار المدعم بالأداء التمثيلي وطبقات صوت الممثلين، وثانيهم التضمين، وهو ما يمارسه الفيلم منذ افتتاحيته كتقديم لبنيته، تضمين مشهد الضبع بالافتتاحية ثم تضمين أعمال فنية موازية في مشاهد عديدة مثل مقطع موسيقي لعبد الحليم حافظ "على طول الحياة نقابل ناس نفارق ناس" يوازي طرح العلاقة المبتورة بين حسن وأبوه وهو يجتر من ذاكرته علاقته بأبيه الغائب كطفل، بينما يستند للعبة ملاهي بالية تكشف الطفولة المعطلة، والحياة بلذتها المعطلة لهامش يدعى حسن، أو طرح أغنية شجر الليمون لمحمد منير وكلمات عيد الرحيم منصور، التي تعبر عن حالة الضيق ومفهوم الفقد الكائن بالعلاقة المعطلة بين حسن وأبيه، "وكل شيء بينسرق مني/ العمر من الأيام/ والضي من نني/  وكل شيء حوليا يندهلي/ جوايا بندهلك/ يا ترى بتسمعني؟"، وهو ما يتكرر كالكوراس الموسيقي بالفينالة حيث التضمين بأغنية "شجر الليمون" هو الأكثر تعبيراً عن الحالة الضمنية ومشاعر شخوص الفيلم، بعد التحول ببنية شخصية حسن وتغير نظراته كأداء تمثيلي من الفنان الشاب عصام عمر عند انتقامه من الأسطى كارم وحرق عربته والتورط في شجار معه، يجلس حسن وأمه يتأملون المدينة التي قهرتهم ويشهدوا التضمين المعبر عنهم، الشيء الوحيد الذي انتصر لهم بمدينة قاسية، الفن.

أو مشاهد أخرى تُضمَن بها تواشيح النقشبندي معبرة عن مشاعر حسن الروحية والعامة، كمشهد يجلس به حسن بالمسجد محاصرا بأسماء الله "المعز المذل، الخافض الرافع" ، تلك للثنائيات التي تعبر عن البنية الدرامية للفيلم، أيضا يكشف المشهد حالة بطله بكادر مرتفع يكشف حسن المهمش صاحب الضيق بمنزلة منخفضة تعري انكساره تحت اسم الله، تحت اسم السلطة الالهية، السلطة الأولى لثنائية الانسان/ السلطة. . هكذا تتعاطف كل الموجودات مع ذلك الهامش حسن، كالتضمين بأعمال فنية موازية تجتفي بالفن ودوره، وكالجمادات التي توهب حياة اضافية لحياتها كجماد، حياة كعنصر فني، فبأحد مشاهد الفيلم بينما يستند حسن على اخشاب محمولة على سيارة نقل تحدث مشادة بمكالمة هاتفية بين حسن وأمه، تخبره فيها أن عليه تسليم الكلب للأسطى كارم، لينتقم منه بعد اعتداء الأسطى كارم على منزلها وقوله إنه سيطردها بعد يوم واحد، هنا يفقد حسن ما كان يستند عليه من دعم أمه، ويفقد بدوره الدلالة الفنية الموازية (العربة) ويفقد الجماد الأخير الذي استند عليه، أخشاب لا تدري طريقها، تماما مثله، ذلك يحدث بالتزامن مع انبثاق ضوء احمر تجاهه يغير من الطابع الداكن لمشاهد الفيلم، لكنه، عبثا، يغيرها لمأساة دلالية أكبر، الأحمر لون الدماء، ذاك ضيق أكبر يحاصر شخوص الفيلم به بداية من افتتاحية الفيلم والمروية الموازية غير المكتملة للضبع الذي يلتهم الحيوانات حوله، والتي يستكملها الفيلم بواقع مواز.

تلك المرويات العديدة حول الضيق ذاته يطرحها الفيلم بمشهد Master seen حين يحاكي حسن الواقع مع كلبه ممثلا مشهد موت، قتل للكلب، بأصابعه قبل إطلاق الأسطى كارم طلقة حقيقية، من لحم ودم عكس المحاكاة، انتقاما من الكلب الذي أفقده سلطته ومركزيته ضمنيا، هنا يؤكد الفيلم بنيته القائمة على توازي مشاهدات عديدة للحكاية ذاتها، بذلك المشهد، يظهر كارم من وراء قضبان حديدية تشبه قضبان السجن، كأنه السلطة بتصورها الخام.

عبثا، يحاول حسن ألا يطرح مروية جديدة للفراق كما حدث مع أبيه، يحاول الاحتفاظ بكلبه، حتى يعطيه لمن يتبنوه بكندا؛ إنقاذا له من واقع موحش ومدينة قاسية، يقول إنه بالبلاد البعيدة سيجد واقعا أفضل، بينما يحتفل العالم ويشيع الضوء الأبيض بذلك المشهد من حوله، يكون حسن وحده يحيا الضيق والفقد كهامش أخير ووحيد في عالم سعيد..

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تعرف على شروط الترشح لمجالس الأندية بعد تعديل قانون الرياضة

حقيقة "الثقب الأسود" فى الهرم.. مصدر بـ"محافظة الجيزة" يكشف تفاصيل جديدة

الزمالك يزاحم المصري بالقمة.. اعرف ترتيب دوري نايل بعد نهاية الجولة الثالثة

كوكا يغيب عن افتتاح الدوري السعودي لأسباب غير فنية.. تعرف عليها

وزير الدفاع الإسرائيلى: قريبا سنفتح أبواب الجحيم على حماس فى غزة


الكيس تحول لخراج.. قلق جمهور أنغام على حالتها الصحية بعد التطورات الأخيرة

فرص أمطار وشبورة ونشاط رياح.. أهم الظواهر الجوية المتوقعة اليوم

مواعيد مباريات اليوم.. قمة البايرن أمام لايبزيج وسان جيرمان مع أنجيه

أكرم القصاص يكتب: السيسى وبن سلمان.. توافق وتعاون مصرى سعودى فوق كل التحديات

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 أغسطس 1948.. استشهاد البكباشى أحمد عبدالعزيز قائد المتطوعين ضد العصابات الصهيونية محققا أمنيته بالموت فى ميدان القتال على أرض فلسطين


القاهرة تدرس غلق شوارع بوسط البلد ومصر الجديدة وتخصيصها للمشاة فقط.. المحافظ: شارع إبراهيم باشا بالكوربة الأبرز وإنشاء اتحاد شاغلى الشوارع للحفاظ على العقارات التراثية.. و"الخديوية" تشهد تكرار نماذج شارع الألفى

لايبزيج فى ضيافة بايرن ميونخ فى افتتاح الدوري الألماني الليلة

هل يستحق المستأجر تعويض حال انتهاء المدة الانتقالية بقانون الإيجار القديم؟

الطقس اليوم.. شديد الحرارة ونشاط للرياح وسحب والعظمى بالقاهرة 36 درجة

اتحاد الكرة يحسم مصير السوبر المصري الأسبوع المقبل

محمود جهاد يستفسر عن سر استبعاده من حسابات فيريرا

عمر مرموش.. موعد مباراة مانشستر سيتي ضد توتنهام في الدوري الإنجليزي

بعد تجديد حبس "التيك توكرز".. تعرف على عقوبة غسل الأموال

موعد مباراة الزمالك المقبلة بعد الفوز على مودرن سبورت

كل عام وأنتم بخير.. معهد الفلك يكشف موعد المولد النبوى الشريف 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى