ما حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة فى رمضان؟ دار الإفتاء تجيب

دار الإفتاء -أرشيفية
دار الإفتاء -أرشيفية
كتبت – بتول عصام

مع اقتراب شهر رمضان الكريم، تتساءل بعض الأمهات الحوامل عن مدى إمكانية تعجيل ولادتهن قبل حلول الشهر الكريم، إذ ورد سؤال لدار الإفتاء، جاء مضمونه: "ما حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان؟".

وجاء رد دار الإفتاء على النحو الآتي:

تعجيل الولادة بمراجعة الطبيب عند أمن الضرر للمرأة وللطفل من أجل التفرغ للعبادة في شهر رمضان المبارك أمر جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، مع كون الأولى والأكمل هو ترك الأمور على ما هي عليه، والأخذ بالرخصة التي منحها الله تعالى لذوات هذا العذر من النساء، وأن المرأة إذا نوت الامتثال لما قضى الله به عليها في أصل خِلقتِها فإن ذلك مما يعود عليها بجزيل الثواب، فإنها تحصل على مثل أجر الصائم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» أخرجه البخاري في "صحيحه"، كما يمكنها أن تحصل على أجر آخر، وذلك بمحافظتها على أنواع الطاعات القلبية، وحفظ جوارحها، وتحقيق الخشية لباريها سبحانه وتعالى مع ما تيسر لها من أعمال الجوارح الأخرى.


فضل شهر رمضان وبيان أجر العبادة فيه
فضَّل الله تعالى شهر رمضان على غيره من الشهور، ففيه أنزل القرآن، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتسلسل الشياطين.

ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» متفق عليه.

ومن فضائل هذا الشهر العظيم أن أجر العبادة فيه مضاعف إلى أضعافٍ كثيرة، فمن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الأشهر، ومن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان ثوابه كثواب من أدَّى فريضة فيما سواه، فعن سلمان رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي في "شعب الإيمان" و"فضائل الأوقات".

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1367، ط. دار الفكر): ["من تقرب" أي: إلى الله، "فيه" أي: في نهاره أو ليله، "بخصلة من الخير" أي: من أنواع النفل، "كان كمن" أي: ثوابه كثواب من "أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فريضة فيه" بدنية أو مالية "كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه" أي: من الأشهر] اهـ.

حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان
بخصوص ما ورد في مسألتنا من تعجيل الولادة قبل دخول شهر رمضان وبحيث تكون المرأة خاليةً من دم النفاس بغرض التفرغ للعبادة في هذا الشهر الكريم؛ رجاءَ الحصول على فضله العظيم وثوابه الجزيل، فالأصل في مثل هذا الأمر عدم المنع؛ وذلك بمراجعة الطبيب المختص عند التحقق من عدم وجود ضررٍ على الأم أو المولود؛ لأن الصوم عبادة موسمية، وتداوي المرأة من عاداتها الفطرية التي كتبها الله تعالى على بنات آدم لأداء تلك العبادات الموسمية مما نص على جوازه بعض العلماء، ومنهم علماء الحنابلة؛ حيث قالوا: إنه يُباح للمرأة أن تشرب دواءً يقطع عنها الحيض بشرط عدم حصول الضرر. يُنظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 221، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"الروض المربع" للبهوتي (ص: 604، ط. مؤسسة الرسالة)، و"المبدع" لابن مفلح (1/ 258، ط. دار الكتب العلمية).

وعلى هذا يحمل ما ورد عن الإمام مالك من كراهة ذلك؛ حيث سئل عن المرأة تخاف تعجيل الحيض فيوصف لها شراب تشربه لتأخير الحيض، فقال: ليس ذلك بصواب، وكرهه. قال العلامة ابن رشد: إنما كرهه مخافة أن تدخل على نفسها ضررًا بذلك في جسمها. يُنظر: "مواهب الجليل" للعلامة الحطاب (1/ 366، ط. دار الفكر).

وفي "البيان والتحصيل" للعلامة ابن رشد المالكي (18/ 616، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال ابن كنانة: يكره ما بلغني أن النساء يصنعنه ليتعجلن به الطهر من الحيض من شرب الشجر والتعالج بها وبغيرها... فعَقَّب العلامة ابن رشد وقال: المعنى في كراهية ذلك لها: ما يخشى أن تدخل على نفسها في ذلك من الضرر بجسمها بشرب الدواء الذي قد يضر بها] اهـ.

ومع كون تناول المرأة دواءً لتعجيل الولادة أو نحوها لاستطاعة أداء العبادة الموسمية كالصوم أمرًا جائزًا إلا أن الأَوْلى والأفضل ترك ذلك؛ لأن وقوف المرأة المسلمة على مراد الله تعالى، وخضوعها لما قدَّره جلَّ شأنه عليها من نحو الحيض والنفاس، ووجوب الإفطار أثناءه، وقضاء ما أفطرته بعد ذلك، مما يحقق لها نفس أجر الصيام كأنها قامت به تمامًا، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".

قال الإمام ابن الملقن في "التوضيح" (17/ 472، ط. دار الفلاح): [من حبسه العذر من أعمال البر مع نيته فيها، أنه يكتب له أجر العامل بها كما قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم فيمن غلبه النوم عن صلاة الليل أنه يكتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه] اهـ.

فمن كمال الشريعة الإسلامية أن جعلت للمرأة في هذه الحال رخصةً شرعيةً؛ فلذا يُباح لها الفطر مع هذا العذر، وكذا جعلت الشريعة الأخذ بالرخص في مثل ذلك مما يحبه الله تعالى كمحبة الأخذ بالعزائم في مواطنها. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» أخرجه الإمام أحمد والبزار في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه".

العبادة في هذا الشهر ليست منحصرة في الصوم وإن كان أساسه، ولكنها تشمل الذكر، والتسبيح، والتحميد، والتمجيد لله تعالى، والتَّفكر والتأمل في خلقه، كما تشمل أعمال القلوب من حب الله تعالى، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء له، وإخلاص الدِّين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فَرْضُها لا يقلُّ عن أعمال الجوارح، بل عمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.

قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].

قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (2/ 54، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: يذكرونه دائمًا على الحالات كلها قائمين، وقاعدين، ومضطجعين، وعنه عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله»... ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ استدلالًا واعتبارًا، وهو أفضل العبادات كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا عبادة كالتَّفكر»] اهـ.

وقال الشيخ ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/ 193، ط. دار الكتاب العربي): [وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت؛ ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان] اهـ.

فمُحصَّلُ ما ذكرنا أن المرأة لها أن تتعجل في الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان بالشروط المذكورة، ولها أن تدع الأمر على ما هو عليه وتأخذ بالرخصة وهو أكمل شيء؛ لأنها ستكون ممتثلةً تمام الامتثال لأمر الله خصوصًا إذا نوت هذا الامتثال.

قال الإمام ابن الملقن في "التوضيح" (2/ 199): [متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع، وبتركه الانتهاء بنهي الشرع كانت حاصلة مثابًا عليها وإلا فلا، وإن لم يقصد ذَلِكَ كان عملًا بهيميًّا، ولهذا قَالَ السلف: الأعمال البهيمية ما عملت بغير نية] اهـ.

وقد تكون المرأة مفطرة بسببِ عذرٍ شرعيٍّ ويكون قلبها متعلقًا بالله تعالى وتكون مشتاقةً إلى الطاعة، مما يُورثها خشية وخشوعًا تتهذب به أخلاقها وتنضبط جوارحها، وهذا هو ثمرة الصيام، وبهذا تكون مفطرةً صائمةً، كما عبَّر عن ذلك حجة الإسلام الإمام الغزالي بقوله في "إحياء علوم الدين" (1/ 236، ط. دار المعرفة): [كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم، والمفطر الصائم هو: الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو: الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه، ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل مَنْ كفَّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل، فصلاته مردودة عليه بجهله، ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاءه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله؛ لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك: فإنَّ تعجيل الولادة بمراجعة الطبيب عند أمن الضرر لها وللطفل من أجل التفرغ للعبادة في شهر رمضان المبارك أمر جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، مع كون الأولى والأكمل هو ترك الأمور على ما هي عليه، والأخذ بالرخصة التي منحها الله تعالى لذوات هذا العذر من النساء، وأن المرأة إذا نوت الامتثال لما قضى الله به عليها في أصل خِلقتِها فإن ذلك مما يعود عليها بجزيل الثواب، كما أنه يمكنها أن تحصل على أجر آخر غير أجر مثل الصائم الذي حصلت عليه بدلالة الحديث، وذلك بمحافظتها على أنواع الطاعات القلبية، وحفظ جوارحها، وتحقيق الخشية لباريها سبحانه وتعالى مع ما تيسر لها من أعمال الجوارح الأخرى.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزارة التعليم: إضافة 20% من درجات العربى والتاريخ بالثانوية الدولية للمجموع

الأوبرا تعلن نفاد تذاكر حفل فيروز قبل إقامته غدا بالمسرح الكبير

الأهلي يتقدم 4 مراكز في تصنيف أندية أفريقيا.. وغياب الزمالك وبيراميدز

الوكرة القطري يرفض طلب الأهلي ويتمسك بعودة حمدي فتحي بعد كأس العالم

انقضاء دعوي تشاجر المخرج محمد سامى ومالك مركز صيانة بالتصالح


الأهلي يناقش مع ريفيرو استمرار النحاس وشوقي في جهازه المعاون

بث مباشر .. مباراة الزمالك وفاب الكاميروني في الكؤوس الأفريقية لكرة اليد

رسالة عاجلة من وزارة الخارجية للمصريين المقيمين في ليبيا

اليونان تصدر تحذيرا من احتمال حدوث تسونامى عقب الزلزال

أمير قطر يستقبل الرئيس الأمريكى ترامب فى مستهل زيارته للدوحة


دفاع الفنان محمد غنيم: إنهاء إجراءات إعادة المحاكمة وحبس موكلى لحين تحديد جلسة

الإدارية العليا تلغى حكم أول درجة بشأن تابلت طلاب الثانوية: عهده ويجب إعادته

مصر ضمن قائمة أعلى 10 دول أفريقية فى نمو نصيب الفرد من الناتج المحلى

بيراميدز يكشف حقيقة الحصول على توقيع رامى ربيعة

مصر تدعو المواطنين المتواجدين فى ليبيا بتوخى أقصى درجات الحيطة

ولى العهد السعودى: نؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار فى غزة والسودان وندعم وحدة الأراضي السورية

زى النهارده.. مانويل جوزيه يظهر للمرة الأخيرة مدرباً للأهلى

الأهلي يترقب وصول ريفيرو إلى القاهرة لحسم عقود تدريب الفريق قبل المونديال

رحمة محسن من بائعة قهوة لتصدر مشهد الأغنية الشعبية

تفاصيل زلزال "نص الليل".. سكان القاهرة والمحافظات يشعرون بهزة أرضية بقوة 6.4 ريختر.. البحوث الفلكية: قوى نسبيًا.. واستغرق أقل من 20 ثانية.. ورصدنا هزتين ارتداديتين.. والهلال الأحمر: لم ترد بلاغات بوقوع أضرار

لا يفوتك


بدء اجتماع الحكومة الأسبوعى

بدء اجتماع الحكومة الأسبوعى الأربعاء، 14 مايو 2025 02:24 م

المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى