الحرف اليدوية "تراث شعبى لا يندثر".. تصنيع السجاد يحفظه حرفيو الدرب الأحمر على النول.. سيد كحيل: منتجاتنا القطنية قبلة للسائحين.. بجدد علشان أحافظ على مهنتى من الزوال.. والشغل اليدوى المصرى ما يتعوضش

في ورشة صغيرة بمنطقة الدرب الأحمر، ينسج سيد كُحيل، خيوط القطن على أوتار نول خشبي عتيق، كما لو كان يعزف مقطوعة موسيقية بشغف وحب، يرمي بمكوك الحياكة يمينًا ويسارًا حتى تتداخل الخيوط وتتشابك وتكتمل قطعته الفنية الفريدة، معتمدًا على مهارته الذهنية واليدوية وخامات تصنيع محلية، ومن حوله تراث نسيجي فريد، لعشرات القطع الملونة، تدب فيها الحياة بتصميمات بسيطة تفيض بالأصالة والجمال، وصنايعية مهرة يشكلون معًا نموذجًا للإبداع اليدوي.
تصنيع السجاد يدويًا
النول الخشبي
رافق النول شيخ الحرفيين في السجاد اليدوي الشعبي، منذ طفولته، فتعلم الحرفة على يد والده، وخرج من تحت يديه فنان ماهر صاحب حرفة: "والدي كامل كحيل كان فني دقيق في صنعته، بيشتغل بحرفية وإتقان، اتولدت لقيته صانع سجاد يدوي، ما كملتش تعليمي، واشتغلت معاه من ابتدائي، وهو اللي علمني أساسيات الصنعة وشغل السجاد اليدوي بكل أنواعه، كملت المسيرة من بعده، وشغلي بقى يطلبه كبار الشخصيات والمشاهير، وأولادي علمتهم وشغالين دلوقتي في المعز والخيامية والغورية، والحمد لله راضيين بعيشتنا ومستورين".
سيد كحيل
صناعة السجاد اليدوي في الدرب الأحمر
عشق "سيد كحيل" صناعة السجاد اليدوي منذ نعومة أظافره، شب على تشكيل قطع السجاد برفقة والده، في مهنة هواها منذ الوهلة الأولى ويأبى أن يتركها رغم سنوات عمره التي شارفت على الثمانين عامًا، حاملًا لواء الحفاظ على الحرفة من الاندثار: "أمي ولدتني تحت النول وعايز أموت وانا على النول، الحمد لله شغال على النول العريض ولا الشاب الصغير علشان واخد بالي من صحتي، أنا حبيت صنعتي وهويتها من صغري بسبب والدي، أبويا كان دايمًا يقول إدي للشغل حقه علشان ربنا يبارك لك، عودني أشتغل بما يرضي الله وأنا ماشي بنفس النهج اللي كان ماشي عليه".
تصنيع السجاد
سيد كحيل صانع السجاد اليدوي
في وجود النول الخشبي وخيوط القطن والمكوك، يبدأ "سيد" عمله، يضغط بقدميه على دواسة النول، وبيديه يحرك المكوك يمينًا ويسارًا لنسج الخيوط بجمال إحساسه: "في شبابي كنت بنزل الورشة 7 الصبح، ودلوقتي بنزل على الضهر وافضل لحد نصف الليل أعمل فيهم قطعتين حسب طاقتي، بنجهز الخيوط، وهي عبارة عن بواقي المصانع "حرف التوب"، منه القطن ومنه السرسيه، كل نوع وليه زبونه، لكن المطلوب هو القطن، والخواجة بيحب القطن، وبعدها بنحدد ألوان الخيوط المطلوبة ما بين الأزرق والأسود والأصفر والأحمر والأخضر وغيرها وحجم ومقاس السجادة المطلوبة، ونُعقُد النير ونشد الخيوط على النول ونبدأ شُغل وبعد ما تتشكل السجادة، بننهي شغلنا بمرحلة التشطيب وإزالة الزيادات لتجهيز السجادة للبيع، والأسعار حسب حجم السجادة وتصميمها، بتبدأ من 75 جنيه، والمتر ونصف بـ150 جنيه، والشغل بيتسلم لتجار الجملة".
تصنيع السجاد الشعبي
تصنيع السجاد اليدوي بالدرب الأحمر
يتفنن "سيد" في تصميم قطع السجاد واختيار ألوانه، ملبيًا رغبات زبائنه من السياح، يمرر الخيوط إحداهما تحت الأخرى حتى تتداخل الألوان ويستشعر جمالها، مشكلة لوحة فنية مبهجة: "الأجانب بيحبوا الشغل بتاعنا اليدوي، بينبهروا بيه وبطريقة التصنيع وخطواته، بيطلبوا دايمًا الشغل القطن وألوان تتماشى مع بعضها، الأبيض مع الأسود، الأحمر مع الوردي، وهكذا، بنفذ الشغل حسب رغباتهم وأذواقهم في التصميمات والألوان، أفكارهم في الألوان بتعلمني وتفيدني في شغلي، وبتساعدني دايمًا في التجديد والتطوير.. المعلم بيموت وهو بيتعلم".
تصنيع السجاد الشعبي يدويًا
تصنيع السجاد في الدرب الأحمر
ساعات طويلة يقضيها "سيد" منكفئًا على النول، مستخدمًا يديه وقدميه وعينيه بتركيز شديد حتى يجمع الخيوط جنبًا إلى جنب وينسج السجادة بشكل متقن: "الشغل اليدوي جزء من التراث القديم وما يتقارنش بأي شغل، خامته عالية وبيعيش سنين ومنتجاته مميزة ومختلفة وبيظهر فيه تفاصيل القطعة وحرفية الصانع ودقته، وعشان الشغل يظهر بالشكل المتقن ده محتاج لخبرة وتركيز ومجهود بدني وذهني وصبر طويل، مراحل التصنيع صعبة ودقيقة، باستخدم فيها جميع حواسي وربنا بيقويني، لازم اشتغل علشان اعرف اعيش وأحافظ على مهنتي من الزوال".
النول
بينما تتجه العديد من الصناعات نحو الآلية، يظل العمل اليدوي في الصدارة، والفضل يرجع للنول اليدوي وحرفية ومهارة العامل المصري وحبه وإخلاصه لفنه وحرصه على تطوير حرفته وإنتاج أنماط فنية جديدة من إبداعه وتصميمه، تعكس هويته، خوفًا عليها من الاندثار: "بحاول دايمًا أطور من صنعتي عشان أحافظ عليها من خطر الانقراض، جددت في الأشكال والتصميمات والألوان حسب رغبة الزبون، وبدأت أضيف شغل الطبع على السجاد ونعمل رسومات مختلفة تناسب كل الأذواق، واتجهت لتصنيع فرش السيارات القطن، استجابة لطلبات الزبائن الأجانب، وعملت السجاد اللوكس والمربعات، والشغل ضرب في السوق وحقق رواج كبير، والحمد لله شغلي من السجاد الشعبي بكل أنواعه وفرش السيارات وصل لدول كتير، منها الكويت، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وليبيا، والصين، دا غير السياح الأجانب اللي بيزوروني ويطلبوا مني السجاد القطن".
تصنيع السجاد اليدوي

صناعة السجاد الشعبي يدويًا
تصنيع السجاد اليدوي تراث شعبي متوارث تحفظه بصمات المهنيين والحرفيين، بالإبداع والمهارة بعيدًا عن الآلات الحديثة، ورغم ندرة اليد العاملة وقلة الحرفيين وعزوف كثيرٌ من الشباب عن تعلم الحرفة، إذ تتطلب مجهودًا كبيرًا وانضباطًا وحرفية عالية، باقية لن تزول: "الشغل اليدوي المصري ما يتعوضش، والحرفة عمرها ما هتنقرض، رغم إنها خفِّت كتير عن زمان لإن أجرها بسيط، يومية العامل بعد 10 ساعات شغل حوالي 120 جنيه، ودا اللي دفع شباب كتير تتجه لـ التوك توك، لكننا بنرضى بقليلنا ودايمًا أقول حتى لو مش هكسب منها حاجة مش هسيب صنعتي وزي ما اتولدت تحت النول هموت وأنا شغال عليه".
السجاد الشعبي
السجاد اليدوي
قضى "سيد" عمره، في تصنيع السجاد الشعبي، لم يترك مهنته يومًا، أو يستسلم لمشقتها، مكتفيًا بذاته ومهارته وحبه وشغفه الشديد لها، لا يكترث بالتطورات الحديثة التي طرأت على المهنة، التي أضحى مزاولوها ينقرضون يومًا بعد آخر، فخورًا بعمله وسعيدًا بمحبة وثقة زبائنه: "بفنن دايمًا علشان أجدد صنعتي وما تقفش، ومافيش حاجة صعبة عليا، طلعت ناس من تحت إيدي بقوا معلمين النهاردة وبينافسوني في السوق وبكون فرحان، وأكتر حاجة بتبسطني لما اطلع سجادة حلوة وتعجب الزبون ويشكرني.. حياتي وشغلي هنا، لو قعدت من الشغل هتعب، بحب صنعتي وباتباهى بيها وهفضل اشتغل لآخر نفس".
Trending Plus