"الأب".. أعظم رواية لم تكتب

محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى

قد نظلم الأب حين نحاول الحديث عنه بالكلمات، فهو أكبر من أن تحيط به المصطلحات، وأعمق من أن تصفه الجمل البديعية، الأب ليس مجرد شخص، بل هو حكاية، بطولة يومية تُروى بصمت، ودفء أمان يتسلل إلى حياتنا دون أن نشعر.

نقف أمام مقام الأب عاجزين، نحاول صياغة الكلمات ثم نمسحها مرة بعد مرة، وكأن اللغة ذاتها تخجل من أن تقصر في التعبير عنه.

ماذا أكتب عن الأب؟ هل أقول إنه عمود المنزل؟ أم أنه الأمان المعلق فوق رؤوسنا؟ أم الطمأنينة التي تعانقنا حتى في أحلك لحظاتنا؟

الأب هو الشخص الوحيد في العالم الذي يتمنى من أعماق قلبه أن تكون أفضل منه، جسده يأكله التعب وتنهشه الأيام، فقط ليمنحنا حياة كريمة، ليضعنا على أعتاب مستقبل أفضل.

الأب لا يطلب شيئًا لنفسه، بل تكمن سعادته في رؤيتنا نكبر أمام عينيه، حين نحقق نجاحًا صغيرًا، تلمع في عينيه فرحة تتجاوز كل تعبير، وبينما نخطو خطواتنا الأولى نحو الحياة، يكون هو هناك، يسندنا إن تعثرنا، ويباركنا بدعواته.


لا أنسى أبدًا والدي، ذاك الرجل البسيط في الصعيد، كنت أراه شامخًا كالنخيل في أرضنا، ثابتًا رغم العواصف، كان صبورًا وعنيدًا، يقاوم المرض بشراسة وكبرياء، حتى فكرة الذهاب إلى الطبيب كان يعتبرها "دلالًا"، لا يليق به، رأيته مرات عديدة يتغلب على المرض، يقف وسط المصلين في صلاة التراويح، وقد تجاوز عمره المائة وست سنوات.

لم يكن يقبل أن يصلي وهو جالس، كان يقول بفخر: "أتكسف من ربنا"، لقد كان قلبه معلقًا بالمساجد، وروحه أنقى من أن توصف.

رحل كما عاش، في هدوء تام، أول فجر في رمضان، بعد الأذان مباشرة. وكأنه كان ينتظر لحظة الطهارة هذه، ليغادر الدنيا في سلام.

أبي كان نموذجًا للرجل البسيط، الطيب القلب، المسالم، عاش حياته هادئًا، ورحل في هدوء، لكنه ترك أثرًا لا يمحى، رغم أنه لم يتلق أي قسط من التعليم، فقد أفنى حياته ليعلمنا، ليمنحنا فرصًا لم يحظ بها.

إن كنت ممن لا يزال والده على قيد الحياة، فاقضِ معه أكبر وقت ممكن، استمتع بوجوده، وأنعم بدعواته، كل لحظة معه كنز، وكل كلمة يقولها حكمة لا تُقدّر بثمن، وإن كنت مثلي، ممن رحل آباؤهم، فلا تنسَهم بالدعاء والتصدق على أرواحهم.

الأب هو ذاك الضوء الخفي الذي لا ندرك قيمته إلا بعد أن يخبو.
، هو الجدار الذي يحميك من عواصف الحياة، واليد التي تمتد لتسندك في أصعب الأوقات.

قد نظن أن الزمن كفيل بتعويض غياب الأب، لكن الحقيقة أن مكانه يظل فارغًا، يتردد صدى صوته في قلوبنا إلى الأبد.

بروا آباءكم، وامنحوهم من وقتكم قبل أن تندموا على لحظات ضاعت في الانشغال عنهم.

الأب هو أعمق أشكال الحب، وأكثرها نقاءً، فاستمتعوا بظلهم، وكونوا لأرواحهم أوفياء حتى بعد الرحيل.


 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صرف بوسى شلبى من النيابة بعد التحقيق معها فى اتهام أسرة محمود عبد العزيز لها بالتزوير

رئيس الوزراء: نتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقى المشترك مع السعودية

جلسة خلال ساعات بين عبد الله السعيد والجناينى وتفاصيل تدخل هانى شكرى فى الملف

إصابة 12 شخصا فى سقوط أسانسير بمستشفى الجامعة بشبين الكوم

موعد أول سحور فى ذى الحجة.. وقت أذان الفجر وحكم صيام العشر الأوائل


ثروت سويلم: الأهلى تفاجأ بموعد القمة وانسحابه بسبب الحكام غير مُبرر

محامى عمرو وأحمد الدجوى: آخرون من العائلة سرقوا وادعوا على موكلينا

الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد منظومة الصواريخ التابعة لحماس شمال غزة

الزمالك يكثف المفاوضات لضم صفقات جديدة بعد حل أزمة القيد

كولر يترقب رحيل ميشيل يانكون من الأهلي لضمّه في جهازه الجديد


موعد مباراة بيراميدز وصن داونز فى نهائى دوري أبطال أفريقيا

قاض إكوادورى يحيل نائب الرئيس السابق خورخى جلاس للمحاكمة فى تهم فساد

صلاة واحدة فى هذا المسجد تعادل أجر عمرة

ريال مدريد يتوصل لاتفاق نهائى مع ألفارو كاريراس ظهير بنفيكا البرتغالى

مدبولى يتفقد مصنع "سوميتومو" لإنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات بالعاشر

نيويورك تايمز: قطر أرادت "بيع" طائرتها الفاخرة حتى وضع ترامب عينيه عليها

نهى صالح تحتفل بزفافها وتكشف عن صورها بالفستان الأبيض

شيماء سيف تتغزل فى زوجها: حبيبى ربنا يخليهولى يارب

الأهلى أمام شبيبة كينشاسا الكونغولى فى ربع نهائى الكؤوس الأفريقية لليد

موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى